لا شك أن تضخم ظاهرة الانتحار في بلد من البلدان وتفاقم معدلاته في مجتمع من المجتمعات مؤشر سلبي و علامة من علامات الوهن والضعف الذي يعاني منه ذلك المجتمع مهما تظاهر أو بدى عليه خلاف ذلك أو نقيضه .
وإذا كانت أسباب زيادة معدلات الانتحار في بلد ما كثيرة ومتعددة , إذ يرجعها البعض إلى شدة الفقر وتردي الأوضاع الاقتصادية , بينما يعتبر آخرون الاضطرابات النفسية والمشاكل الاجتماعية والصدمات الحياتية سببا آخر من أسباب نمو هذه الظاهرة .... فإن فقدان نعمة الإيمان بالله تعالى وضعف الوازع الديني وطغيان الحياة المادية على الجانب الروحي...هو في الحقيقة السبب الأم والرئيس لتفاقم ظاهرة الانتحار .
ومن هنا يمكن تفسير زيادة معدلات الظاهرة في الدول الغربية رغم تقلب الأفراد هناك بشتى أنواع الرفاهية المادية بينما لا تعاني الدول الإسلامية من تضخم هذه الظاهرة أو تفاقمها كما هو الشأن في الغرب على الأقل رغم زيادة معدلات الفقر بين مواطنيها وكثرة الأزمات الاقتصادية المزمنة التي تعاني منه دولها .
تخرج إيران عن مضمون هذه القاعدة رغم تغيير اسمها إلى "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" بعد استيلاء نظام الولي الفقيه على مقاليد الحكم فيها عام 1979م , إذا إن معدلات الانتحار فيها بلغت أرقاما مفزعة وما خفي من تضخم هذه الظاهرة وتفاقمها قد يكون أعظم .
تقرير رسمي صادر عن الحكومية الإيرانية صدر مؤخرا يؤكد أن نسبة الانتحار تزايدت بنسبة 66% في الفترة من عام 2011 إلى 2016م , وبحسب الإحصائيات الموثقة والتي تتعلق بالمؤسسة القضائية فإن حالات الانتحار في فئة النساء ارتفعت من 952 إلى 1432 حالة من عام 2011 إلى 2016، بينما ارتفعت حالات الانتحار بين الرجال من 2362 إلى 3288 من عام 2011 إلى 2016. وبجمع الرقمين 1432 +3288 =4720 وتقسيمه على عدد أيام العام يتبين وجود 13 حالة انتحار يوميا .
وعلى الرغم من أن الأزمات الاقتصادية الحادة التي تعصف بنظام الولي الفقيه هي واحدة من أسباب إقدام الإيرانيين على الانتحار حسب تأكيد مواقع صفوية قالت : إن الوضع المعيشي المتدهور في إيران وتفشي ظاهرة البطالة ما بين الفئات الشبابية والطلابية أدت إلى ارتفاع نسبة الانتحار في الخمسة سنوات الماضية إلى 66 %......
ومع عدم التقليل من آثار وارتدادات الوضع المعيشي الكارثي الذي يعاني منه الشعب الإيراني مؤخرا والذي تناقلت وسائل الإعلام بعض مظاهره وصوره عبر عوائل تعيش في المقابر وتفتقر لأبسط مقومات الحياة وهو ما دفع آلاف المواطنين للجوء إلى الانتحار هربا من العيش المرير.....
إلا أن ذلك لا ينفي دور الفراغ الروحي وضعف الوازع الديني وفقدان المجتمع الصفوي لدين صحيح يملئ وجدان و نفوس المواطنين في تضخم ظاهرة الانتحار وتزايد معدلاته عام بعد عام .
الأرقام المفزعة القادمة من طهران تتحدث عن هول الخطر الذي يهدد المجتمع الصفوي فالمرأة الإيرانية – حسب الإحصائيات - لديها أعلى معدل انتحار في الشرق الأوسط والثالث على مستوى العالم حيث كشفت وكالة أنباء “إيسنا” الحكومية منذ أشهر أن حالات الانتحار قد تضاعفت في عام 2016 إلى ضعفين بالمقارنة مع العام 2015" .
وبحسب "وكالة أنباء مهر الحكومية" فإن 25 % من حالات الانتحار تنتمي إلى الفئة العمرية من 30-39 سنة، و9 / 21% بين 18 و24 عاماً، و16% من 50 عاماً، و5 / 7% تقلّ أعمارهم عن 18 عاماً.
إن تجاوز ظاهرة الانتحار في إيران معدل نسبة الانتحار في الولايات المتحدة الذي وصل لأعلى مستوياته في 30 سنة حسب صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن تحليل بيانات اتحادية يشير إلى الخطر المحدق بالمجتمع الصفوي في عهد الملالي , فبينما سجلت نسبة الانتحار بين السيدات (45-64عام ) إلى 63% خلال فترة الدراسة و 43% بين الرجال في نفس الفئة العمرية وصلت نسبة الانتحار في إيران إلى 66% .
تضخم معدلات الانتحار في إيران فضح فشل نظام ملالي قم ليس على الصعيد الاجتماعي فحسب , بل وعلى الصعيد الاقتصادي الذي بات في عهد نظام الولي الفقيه في أسوأ حالاته , ناهيك عن الفشل الأهم والأخطر المتمثل بملئ الفراغ الروحي في المجتمع إذ لم يزد المذهب الرافضي الباطل الذي فُرض على الناس إلا ضلالا في المعتقد وانحرافا في السلوك وفراغا في الروح والوجدان .