لغة القرآن بين كيد الأعداء وإهمال الأبناء
1 ربيع الثاني 1439
د. زياد الشامي

لا شك أن اللغة هي الوعاء الذي يحوي علوم وثقافة وحضارة الشعوب والأمم ناهيك عن كونها الرمز المعبر عن هوية الناطقين بها والمجسد لخصوصية الشعوب والرابط بين الأمة وتاريخها , فبمقدار ما تهتم الأمة بلغتها وتبالغ في تمسكها بها بمقدار ما تحافظ على وحدتها وهويتها وخصوصيتها , وبمقدار ما تهمل الأمة لغتها وتجتاحها لغات الأمم الأخرى بمقدار ما تكون أقرب إلى التبعية والذوبان في الآخر وأبعد ما تكون عن السيادة والاستقلال .

 

 

تمتلك اللغة العربية المقومات اللازمة التي تؤهلها لأن تحتل المرتبة الأولى بين لغات العالم , وكيف لا وهي اللغة التي اختصها الله تعالى لتكون لغة القرآن وخاتم الأديان , و قادت الحضارة الإنسانية على مدى قرون طويلة من الزمان , وكانت عاملا بارزا من عوامل النهضة التي تشهدها الحياة المعاصرة ......إلا أن كيد أعدائها من جهة وإهمال وتقصير أبنائها من جهة أخرى ساهم في تراجعها وتخلفها عن قيادة ركب الحضارة الإنسانية الحالية .

 

 

قد لا يكون تأخير المنظمة الأممية – التي هي صنيعة الغرب وأحد أدواته لتنفيذ أجندته  - اعتماد اللغة العربية كلغة رسمية في أروقتها ومؤسساتها حتى الــ18 من ديسمبر عام 1973م أحد أهم مظاهر تقهقر اللغة العربية أمام اللغات الأخرى المعتمدة في الأمم المتحدة إلا أن ذلك لا يعني تجاهل ذلك أو عدم الاكتراث به خصوصا إذا نظرنا إلى حال و وضع اللغة العربية اليوم مقارنة بحال وأوضاع اللغات العالمية الأخرى .

 

 

لقد أظهر الغرب في مرحلة احتلاله لمعظم الدول العربية والإسلامية ما في جعبته من عداء وحنق وحقد على لغة القرآن الكريم , فشن على اللغة العربية حربا شعواء سواء من خلال دعوة مستشرقيه إلى إحياء اللهجات المحلية العامية وجعلها بديلا عن اللغة الأم الفصحى أو من خلال غمز ولمز أتباعه وأذنابه في الداخل بقواعد الإعراب وعلم النحو والصرف والإملاء, ناهيك عن استماتة الغرب في محاولة فرض لغته الدخلية على مختلف أجهزة ومؤسسات الدول التي احتلها .

 

 

ولم تسلم اللغة العربية من سموم الغرب وكيده ومكره بعد جلاء عساكره وجيوشه عن الدول العربية والإسلامية فقد ترك خلفه من يقوم بهذه المهمة على أكمل وجه بعد أن أفسد مناهج التعليم و كرس التبعية الثقافية واختزل من مناهج تدريس اللغة العربية في جميع مراحل التعليم في الوقت الذي كثف وزاد من وقت تدريس لغته الأجنبية .

 

 

حقيقة اشتداد الحرب على اللغة العربية دفع الأستاذ في "جامعة القاضي عياض" في مدينة مراكش المغربية عبد الصمد بلكبير للتأكيد على أن الحرب على اللغة هي جزء من حرب شاملة تشن على السيادة وعلى الأسرة وعلى الأخلاق وغيرها , منوها إلى أن "الاستعمار القديم كان يستعمل القواعد العسكرية أما الاستعمار الجديد فيستعمل القواعد الثقافية واللغوية "

 

 

تحذير "بلكبير" جاء خلال افتتاح "أسبوع اللغة العربية" في المغرب الذي ينظمه "الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية" وفيه أكد أنه "لا يمكن تصور سيادة لأمة دون سيادة لغتها" مشددا على أن "أطفالنا الذين يتعلمون بلغة غير لغتهم ينشؤون فاقدي الثقة في أنفسهم ومترددين وأقل غيرة على الوطن".

 

 

وعلى الرغم من عظم الآثار التي خلفها العداء الغربي للغة القرآن إلا أن الحقيقة المرة تؤكد أن الخطر الأكبر على اللغة العربية هو ما كان من صنع أيدي أبنائها والناطقين بها .

 

 

إن الإهمال الصارخ الذي تتعرض له اللغة العربية على يد أبنائها , والتقصير الفادح في العناية بأصولها وقواعدها , والغربة التي تعاني منها لغة القرآن الكريم في عقر دارها وعلى ألسنة الناطقين بها كان له بالغ الأثر في مزاحمة الكثير من لغات العالم لها وإقصائها عن المرتبة التي تستحقها رغم الفارق الشاسع بين مرونتها واتساع آفاقها وبين جمود وضيق أفق غيرها من اللغات التي تتصدر لائحة الأكثر انتشارا وتداولا في العالم اليوم .

 

 

أولى مظاهر تقصير أبناء الأمة بلغتهم ذلك الفصل الغريب بينها وبين شؤون حياتهم اليومية التي هيمنت عليها اللهجات المحلية وما يسمى "اللغة العامية" التي طغت وفشت في جميع الدول العربية والإسلامية إلا ما رحم الله , لتصبح اللغة الفصحى حبيسة الكتب والمعاجم ومناهج التعليم والتدريس فحسب .

 

 

مظهر آخر يمكن التنويه عليه لبيان مدى إهمال أبناء الأمة بلغة القرآن ألا وهو ضعف مناهج تعليم اللغة العربية في جميع مراحل التدريس في مختلف الدول العربية والإسلامية , ناهيك عن اقتصار تعليمها على المراحل الأولى واستبعادها من التدريس في المرحلة الجامعية , بل والاستغناء عنها واستبدالها بلغة أجنبية أخرى لتكون لغة التدريس في بعض التخصصات العلمية كالطب مثلا .

 

 

قد يكون ما يسمى "اليوم العالمي للغة العربية" الذي يوافق الـ 18 من ديسمبر من كل عام فرصة للمفكرين والمربين والمهتمين لنشر الوعي بأهمية لغة الضاد وضرورة تكثيف الاهتمام بها والعناية بتعلمها وتعليمها للأجيال القادمة استنادا لكونها لغة القرآن الكريم وديننا الحنيف واللغة الأجدر بأن تكون لغة المعارف والعلوم .