الصلف الأمريكي في الأمم المتحدة
5 ربيع الثاني 1439
خالد مصطفى

لم تكتف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باتخاذ قرارها المنفرد بشأن القدس واعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني ولكنها استمرت في غيها واستخدمت الفيتو في مجلس الأمن لمنع معارضة القرار وعندما حولت الدول العربية والإسلامية القضية للأمم المتحدة كان موقف الإدارة الأمريكية مثيرا للدهشة والاستغراب فهي لم تكتف بالثبات على موقفها ولكنها هددت من يعارضها وبشكل علني مما أحرج العديد من الدول...

 

لقد وجه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تهديدًا صريحًا بقطع المساعدات المالية الأمريكية عن أي دولة تصوت لصالح مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين قراره باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني...

 

وقال ترامب، في تصريحات للصحفيين بالبيت الأبيض: "جميع تلك الدول التي تأخذ أموالنا ومن ثم تصوت ضدنا في مجلس الأمن أو الجمعية العامة.. يأخذون منا مليونات ومليارات الدولارات، ويصوتون ضدنا"...وأضاف: "حسنًا نحن نراقب أصواتهم.. دعوهم يصوتون ضدنا، هذا سيوفر علينا الكثير.. ولا يهمنا ذلك"...وتابع يقول: "الناس سئموا من الولايات المتحدة، الناس التي تعيش هنا، مواطنينا العظماء، الذين يحبون هذا البلد، تعبوا من هذا البلد الذي يتم استغلاله.. لكن بعد الآن لن يتم استغلالنا"...

 

وجاء تهديد ترامب بعد تهديد مشابه من قبل مندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة السفيرة، نيكي هيلي، والتي بعثت رسالة إلى عدد من نظرائها، تحذرهم فيها من إدانة القرار، محذرة من أنها ستقوم بإبلاغ ترامب بأسماء الدول التي ستؤيد مشروع القرار...وأضافت في الرسالة: "الرئيس سوف يراقب هذا التصويت بشكل دقيق وطلب أن أبلغه عن البلدان التي ستصوت ضده"...كما كتبت على تويتر "في الأمم المتحدة يطلب منا دائما أن نعمل أكثر ونعطي أكثر. لذا عندما نقوم باتخاذ قرار يعكس إرادة الشعب الأميركي حول تحديد موقع سفارتنا، فنحن لا نتوقع من هؤلاء الذين ساندناهم أن يستهدفونا"...

 

ورغم هذه التهديدات العلنية فقد صوتت غالبية الدول ضد القرار الأمريكي الجائر؛ فقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأغلبية ساحقة، قرارًا يؤكد السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وللسكان العرب في الجولان السوري المحتل، على مواردهم الطبيعية...

 

وقالت الأمم المتحدة في تغريدة نشرتها عبر حسابها على تويتر: "بتأييد 163 دولة، الجمعية العامة تعتمد قرارا يؤكد على السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وللسكان العرب في الجولان السوري المحتل على مواردهم الطبيعية"...من جانبه، قال المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة السفير رياض منصور: إن الجمعية العامة صوتت بأغلبية 163 دولة لصالح القرار، فيما صوتت 6 دول ضده، وامتنعت 11 دولة عن التصويت...

 

وقد اعتبر القرار صفعة للإدارة الأمريكية التي استهانت بحقوق الشعب الفلسطيني و رأت صحيفة "هآرتس" الصهيونية أن "تهديد الرئيس الأمريكي بقطع المساعدات عن الدول التي لن تدعم واشنطن (في قرار الجمعية العامة)، ومن ثم تكرار تلك التهديدات غير الدبلوماسية من قبل نيكي هيلي سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة، كانت كفيلة بأن ينظر لأي تصويت ضد إسرائيل على أنه هزيمة شخصية لترامب، وليس فقط تنديدًا بسياساته"...

 

كما قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية:إن التصويت يمثل توبيخا كبيرا لقرار الولايات المتحدة، خاصة أن القرار الأمريكي جرى التحذير من أنه يقوض آفاق السلام من قبل حلفاء وأعداء واشنطن على حد سواء...واعتبرت أن التصويت الذي جاء في جلسة طارئة نادرة يمثل عتابا معلنا للإدارة الأمريكية التي تقف وحيدة وسط العالم في قرارها المتعلق باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني...ورأت أن التصويت يظهر أيضا عبثية وعدم جدوى الحملة التي قامت بها واشنطن للتأثير على التصويت عبر التهديد بقطع المساعدات والتمويل...

 

الجميع يعلم أن نوايا واشنطن غير بريئة بشأن المساعدات التي تقدمها للعديد من الدول وأنها تهدف من ورائها للسيطرة على قرارات هذه الدول إلا أن أمريكا كانت دائما ما تعلن خلاف ذلك وتزعم أنها تقدم هذه المساعدات من أجل "دعم الشعوب النامية وتحقيق الاستقرارفي المناطق المضطربة" وغير ذلك من الشعارات البراقة التي سقطت جميعها اليوم أمام العالم أجمع وأصبح لزاما على الدول التي تقدم لها أمريكا مساعدات إعادة النظر في هذا الأمر حماية لاستقلالها.