9 رمضان 1430

السؤال

هل غسيل الكلى يفطر إذا كنت مضطراً لذلك في النهار؟

أجاب عنها:
أ.د. سليمان العيسى

الجواب

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فالغسيل الكلوي يحتاج إلى سحب الدم من المريض عن طريق الإنفاذ الدموي للعلاج, إذن يكون السؤال عن أثر سحب الدم بأي وجه على الصيام, فنقول: إن القول في هذا مبني على القول في أثر الحجامة على الصوم وهو محل خلاف بين العلماء على قولين:
الأول: وهو قول الجمهور: إن الحجامة لا تفسد الصوم، فهو قول الحنفية والمالكية والشافعية.
والقول الثاني: أنها تفسده وهو قول الحنابلة ولكل من القولين أدلة فمن أدلة القول الأول:
1. ما رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال: احتجم النبي _صلى الله عليه وسلم_ وهو صائم.
2. وعن أنس _رضي الله عنه_ أنه سئل: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_, قال: لا, إلا من أجل الضعف رواه البخاري.
وهناك أحاديث أخرى استدل بها أهل هذا القول تركناها للاختصار ويرجع إليها في كتب الحديث والفقه.
هذا وأهل القول الثاني: استدلوا بما رواه أبو داود وأحمد وابن ماجه وغيرهم أن النبي _صلى الله عليه وسلم_, قال: أفطر الحاجم و المحجوم، وقد رووه من حديث شداد بن أوس, هذا والحديث رواه عدد من الصحابة رضي الله عنهم أوصلهم في نصب الراية إلى ثمان عشرة نفساً وهو حديث صحيح, وواضح الدلالة على فساد صوم الحاجم والمحجوم بسبب الحجامة.
وقد أجاب عنه من لا يرى الحجامة مفطرة بأجوبة حاصلها جوابان النسخ أو التأويل.
قالوا فالنسخ بحديث ابن عباس وغيره لأن في بعض طرقه أن ذلك كان عام الفتح ثمان عشرة خلت من رمضان كما في حديث شداد, وابن عباس إنما صحب النبي _صلى الله عليه وسلم_, محرماً في حجة الوداع سنة عشرة من الهجرة ولم يصحبه محرماً قبل ذلك وزيادة, فهو ناسخ له.
هذا وقد أجاب ابن القيم رحمه الله عن ذلك في تهذيب السنن ج 3 ص 250 وما قبلها وما بعدها بعدة وجوه على القارئ الاطلاع عليها في المرجع المذكور.
أما التأويل فقد حملوا الخبر القاضي بفطر الحاجم والمحجوم على غير ظاهرة وأولوه بعدة تأويلات وقد استوعب العلامة ابن القيم في تهذيب السنن 3 ص 253 ص 255 تلك التأويلات وناقشها وأحيل القارئ إلى المرجع المذكور، للاختصار.
هذا والذي أراه أن القول بأن الحجامة تفطر الصائم قوي متجه وبناء على هذا القول فالغسيل الكلوي يفطر الصائم لأنه يحتاج إلى سحب الدم؛ هذا وليعلم أن هذا رأيي الخاص فهو وجهة نظر وكنت متردداً في ذلك لاسيما حينما اطلعت على بعض كلام أهل العلم ومنهم العلامة ابن عبد البر رحمه الله فقد جاء في الاستذكار ج10 ص125 قوله: (الأحاديث متعارضة متدافعة في إفساد صوم من احتجم فأقل أحواله أن يسقط الاحتجاج بها, والأصل أن الصائم لا يقضى بأنه مفطر إذا سلم من الأكل والشرب والجماع إلا بسنة لا معارض لها) انتهى كلامه رحمه الله. والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.