22 صفر 1426

السؤال

نحن في محضن تربوي وحصل تعلق بيني وبين أحد المتربين، وبعد انقطاع رسائله بدأت مكالماته الكثيرة والغريبة لغرض سماع صوتي، وكان يتأكد من حضوري للبرنامج قبل أن يأتي، أريد حلاً بلا أثر سلبي فالقسوة تنفر وتحطم.<BR>ملاحظة : المتربي عمره 15عاماً .<BR>

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : أخانا في الله السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بك، وشَكَرَ الله لك ثقَتَك بإخوانك في موقع "المُسلم"، ونسأل الله العلي القدير أن يجعَلَنا أهلاً لهذه الثقة، وأن يتَقَبَل منا أعمالنا وأقوالنا، وأن يجعلَها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظاً، وأن يرزقنا وإياك السداد والتوفيق، وأن يُجري الحق على ألسنتنا، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.. وبعد: اعلم أخي – حفظك الله- أن قضية التعلق بين المتربي والمشرف، هي قضية قديمة جديدة، لا يكاد يخلو منها محضن من محاضن التربية، وأنها أضحت ظاهرة أزعجت الكثير من المشرفين والمربين، مما أدى إلى تباين وجهات نظرهم في طريقة التعامل معها، وقد يتعلق المتربي بشخص المشرف، فيكون هذا تعلقاً سلبياً، وقد يكون التعلق بسبب تفوق المشرف في تخصصه وقدرته الفائقة على الشرح والتوضيح، وهو تعلق إيجابي. وقد أكبرت فيك حرصك عليه، واهتمامك بإصلاحه، والذي لاحظته من بعض العبارات التي وردت في رسالتك مثل :( أريد حلاً بلا أثر سلبي)، و (القسوة تنفر وتحطم)، كما حمدت لك ذكرك أن (عمره 15عاماً)، فلا يخفى عليك أن موضوع التعلق يختلف وفقاً لعدد من المعايير، منها: نوع التعلق، وأسبابه، كما أنه يختلف وفقاً لاختلاف عمر المتربي، وحسب طبيعة المشرف، والنظام التربوي المعتمد في المحضن، ومن ثم فإن لكل حالة حل يناسبها، وصاحبنا ما زال في مدة سنية لها أحكامها وخصائصها التي تميزها، وهو خلالها متقلب الرأي يحتاج للرعية والحنان الذي ربما يكون قد افتقده في أهله ويبحث عنه عندك . واعلم أخي الكريم : أن مواقف المربين تختلف من حيث المبدأ حول قبول من عدمه، ففيما يذهب بعض المربين إلى القول بعدم قبول مثل هذا الفرد في المحضن ابتداءً، خوفاً على المحضن أو على بقية الأفراد، وحرصاً على عدم حدوث المشكلات، أو لأن مثله يحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام، وربما بسبب صعوبة التعامل معه. يرى آخرون قبوله، مع عدم المبالاة به والإعراض عنه أو تهميشه، انطلاقاً من أن هذا هو الأسلوب الأمثل لتربيته، أو ربما لأنه يخشى عليه من الضياع وتلقف أهل الشر له ومحاولة إفساده، في حال عدم قبوله. وحتى أضع لك – أخي الفاضل - النقاط على الحروف وأكون أكثر تحديداً، فإنني أنصحك بمراعاة الآتي:- 1- أن تكون حكيماً في التعامل معه، و( الحكمة هي: وضع الشيء المناسب في المكان المناسب، في الوقت المناسب، بالقدر المناسب). 2- اجلس مع نفسك، وحاول رصد أسباب تعلقه بك، فإن معرفتك بأسباب المرض أول أبواب العلاج، فربما كان مفتقداً للحنان في أهله . 3- حدد نوع تعلقه بك بمنتهى الدقة، وذلك بمعرفتك هل هو متعلق بشخصك، أم أنه معجب بأسلوبك في التربية، وطريقتك في الشرح، ومنهجك في التقويم، فإن ذلك يسهل لك معرفة نوع تعلقه بك والحكم عليه : هل هو تعلق سلبي فنبحث له عن علاج أم إيجابي فنستثمره . 4- بعدما رصدت أسباب تعلقه بك ، وحددت نوع تعلقه، فإنه حري بك أن تبحث له عن الحل المناسب لحالته، مع الوضع في الاعتبار أن (الزمن جزء من العلاج)، فإن كان تعلقه إيجابياً فبها ونعمت و إلا فإنه يجب عليك أن تضع له برنامجاً خاصاً لإصلاحه. 5- إذا وجدته متعلقاً بشخصك، فعليك أن تضع له برنامجاً تربوياً خاصاً به، وتحدد له مدة معينة، على أن يحتوي البرنامج على بعض التكاليف الإيجابية التي تناسب حاله، كما أن عليك أن تقلل اتصالك به ولقاءك معه، وأن تقصر اتصالك به على اللقاء التربوي الجمعي. 6- بعد انتهاء مدة البرنامج، عليك أن تقف مع نفسك وقفة، لترى هل حقق هذا البرنامج الهدف المرجو منه، وهل أحرزت الحالة تقدما أم لا؟ فإن رأيت تقدماً فاحمد الله، و إلا فعليك بآخر العلاج . 7- اجعل آخر العلاج الكي، فإذا تأزم الأمر واستفحلت المشكلة يمكنك نقله إلى محضن تربوي آخر، مع مراعاة الحكمة الشديدة فيه حتى لا يؤتي هذا النقل آثاراً سلبية، بأسلوب غير مباشر كأن يقال له: إن المحضن الآخر بحاجة إليك أو أنه الأقرب إليك، أو بنقله إلى محضن أفراده كبار في السن إذا كان مقارباً لهم في السن، أو بتحويله إلى أحد المربين الذين يتقنون فن التعامل مع هذا النوع من الأفراد . وحتى تستكمل خطوات منهج العلاج السابق، فإنني أوصيك بعدد من الملاحظات الجديرة بالانتباه إليها، وهي :- 1- احذر أن تنتقل عدواه إلى الآخرين. 2- لا تنشغل به عن غيره من الأفراد. 3- احرص على ألا يحدث بسببه تفكك داخل المحضن. 4- احذر من تجرؤه عليك بسبب مخالطتك معه ولينك له. 5- كن وسطياً في التعامل معه، فلا تهمله فيكرهك ولا تبالغ في الاهتمام به. 6- لا تضيع وقتك معه في غير فائدة، بل نبهه إلى أهمية الوقت، وأنه رأس مال المسلم. 7- عليك أن تستشر المربين وأصحاب الخبرات كلما عنت لك مشكلة في التعامل معه. 8- كن حذراً في التعامل معه، مخافة إساءة الظن بك ، واحذر الجلوس والذهاب وحدكما، وحتى لا تفتح باب القيل و القال. 9- انتبه إلى تصرفاته التي قد يبدو منها إعجابه بذاتـه واغتراره بنفسه وتعاليه على زملائه. 10- اجعله يرى فيك القدوة في الزهد والتواضع، وبين له مقومات الصديق الصالح وعلمه كيف يختاره . 11- احرص على العدل في الاهتمام بينه وبين بقية الأفراد حتى لا يتشككوا في مصداقيتك وسلامة منهجك. 12- حاول أن تغرس فيه خلق التواضع والزهد، وأخبره المهم هو الباطن لا الظاهر، وأن الله لا ينظر إلى القالب بل إلى القلب. 13- عوده القراءة في سير السلف الصالح، ليعرف زهدهم، واصطحبه لزيارة الزاهدين من العلماء، وتأمل أحوال الفقراء والمساكين. 14- املأ وقت فراغه بتكليفات شرعية نافعة، كأوراد القرآن والذكر وصلة الرحم وقراءة كتاب موجه، على أن يقدم لك تلخيصاً له. 15- كلفه القيام ببعض الأعمال البدنية ليتعود الخشونة، والتحمل والصبر، وربما تقضي الحكمة أن تستخدم معه أسلوب الشدة أحياناً. وختاماً؛ أسأل الله ليّ ولك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، وأدعوه _سبحانه_ أن يهديك إلى صراطه المستقيم، وأن يرزقني وإياك الثبات على الحق، وأن يصرف عني وعنك شياطين الإنس والجن بحوله وقوته إنه رب ذلك والقادر عليه... آمين