9 ربيع الثاني 1426

السؤال

أنا أعجب بأشخاص أصدقاء أم معلمين لأسباب أعرفها أو لا، فما قولكم للمعجبين من أمثالي؟، وهل عملي خطأ؟، أرشدوني

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

يحسن بنا قبل الشروع في الإجابة على هذا السؤال، أن نستعين بالله ونوضح المقصود بمصطلح (الإعجاب)، ذلك أن ضبط المصطلح سيحدد لنا حجم المشكلة، فلابد أن يكون واضحا لدى السائل ماذا يعني بكلمة (إعجاب) التي أوردها في سؤاله؟، هل يقصد بها معنى (الانبهار)، انبهر بالشيء ينبهر انبهارا، ذلك أنه شيء مبهر تماما كالضوء المبهر، يأخذ اللب، أم أنه يقصد به ( الميل القلبي) و( الحب) الذي يحمل المرء على الارتباط العاطفي بالشخص المعجب به؟، أم أن المقصود به ( الإكبار) و(التقدير) الذي يبعث على الاحترام؟ هذه مقدمة أحسب أنها مهمة، ذلك أن تحديد المفهوم يعني تحديد المشكلة، وعليه فإن الإعجاب بمعنى الانبهار هو أمر لحظي سرعان ما يزول، أما الإعجاب بمعنى الميل القلبي والحب فإنه ما لم يكن مضبوطا بضوابط الشرع بأن يكون حبا لله وفي الله، نقيا من كل هوى أو غرض دنيوي فإنه يكون انحراف مرفوض وشذوذ محرم، أما الصنف الثالث وهو الإعجاب بمعنى الإكبار والتقدير الباعث على الاحترام والرغبة في التقليد فهو أمر محمود. واعلم أخي – حفظك الله- أن إعجاب المسلم بصديقه أو معلمه أمر محمود، طالما كان هذا الصديق أو المعلم أهلا لهذا الإعجاب، فلا غرور أن تعجب بأحد أصدقائك دون غيره، إذا كان أكثرهم حفظا لكتاب الله، أو أحرصهم على أداء الصلاة في جماعة بالمسجد، أو أعفهم لسانا، أو أحسنهم أخلاقا، أو أوقفهم عند حدود الله، أو أبرهم بوالديه، أو أكثرهم تفوقا في دراسته، أو لأنه أعلمهم بدينه وشريعة ربه، أو لأنه أتبعهم لسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، أو لأنه صادق لا يكذب محدثه، وفي لا يخلف عهده، أمين لا يخون من أستأمنه.إلخ.... كما أنه لا غضاضة أن تعجب بأحد معلميك، إذا ما كان ملتزما بدينه، مستقيما على هدي نبيه، وقد يعجبك فيه أنه قدوة في سلوكه، يتقي الله في شرح دروسه، ولا يضيع وقت تلامذته، أو لأنه أكثر المعلمين انضباطا في المدرسة، أو لأنه عفيف النفس، قوي الشخصية، أو.....إلخ. نعم- أخي الكريم- فمثل هذا الصديق، وهذا المعلم، حري بهما أن يكونا محل إعجابك ومحبتك وصداقتك، فهما أهل لتقديرك وإكبارك، ومثلهما نماذج يجب أن يحرص عليها المرء، وأن ينتقيها من بين أصدقائه ومعلميه كما ينتقي الإنسان أطايب التمر، وصدق نبينا إذ يقول: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيهم راحلة)، فقد يكون لك مائة زميل في المدرسة أو الجامعة أو العمل ولكنك لا تستطيع أن تخلص منهم بصديق!!! فإيجاد مثل هذا الصديق – الذي يستحق أن تخلع عليه لقب (صديق)، في مثل هذا الزمان، أمر عزيز، وإن لم يكن مستحيلا، لكنه يحتاج منك إلى جهد كبير وصبر جميل، فليس كل زميل يصلح أن يكون صديقا، وليس كل صاحب أهلا لهذه المنزلة الرفيعة والمكانة العالية، فليس صديقُك الذي يُصدِقُك على الدوام بل هو ذلك الذي يَصدُقُك في النصح . تماما كما يقول الأديب والمفكر المصري الأستاذ مصطفى صداق الرافعي في قصيدته الرائعة (الصديق) والتي يقول مطلعها ( لا أقصد بالصديق ذلك الذي يدور حولك طالما كان فيك طعم العسل ذلك أن فيه روح الذبابة....). وتعالى – أخي الكريم – نستنطق كتاب ربنا ودستور ديننا – القرآن الكريم – الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لنرى كيف نزن الأصدقاء وما هي معايير الإعجاب المحمودة ومقاييسه المذمومة، يقول تعالى وهو أصدق القائلين: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ)، هذا صنف من الناس قد يعجب به بعض الناس، فهل مثل هذا أهلا لأن نعجب به؟! لا والله. وحتى في الزواج وعند اختيار الزوجة أو الزوج، دعانا سبحانه إلى الانحياز للإيمان وجعل المرأة المؤمنة والرجل المؤمن خير من المشركة أو المشرك، وحذرنا من أن نغتر بالجمال بلا إيمان، فقال تعالى في محكم التنزيل: ( وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ، وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). ونهانا ربنا جل جلاله وتقدست أسماؤه عن أن نعجب بغنى الكفار أو أولادهم، وأعلمنا سبحانه أنه سيعذبهم بهذه النعم في الدنيا والآخرة، فقال جل شأنه:( فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)، وقال أيضا : (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ). وقد أكبرت فيك- أخي الكريم- حرصك على السؤال عن مثل هذا الشعور الذي ينتاب الكثيرين منا دون أن يستوقفهم فيقفوا عنده ليصححوا مفاهيمهم، ويضبطوا مشاعرهم، ويجعلوها وفق ما يرضي الله ورسوله، وحتى لا ينسي كثير الكلام بعضه بعضا، فإنني أجمل لك نصيحتي في النقاط التالية:- 1- أوصيك ونفسي بتقوى الله فإنها ملاك الأمر، واحرص على أن تكون في معية الصادقين، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ). 2- احرص على أن يكون عملك كله لله سبحانه وتعالى، وألا يكون منه لمخلوق – كائنا من كان – حظا، وامتثل قوله تعالى ( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ). 3- كن حذرا يقظا، وكيّسا فطنا، فارصد مشاعرك وادرسها جيدا وحلل أسبابها، وانظر : هل فيها ما تخشى أن يراك عليه احد، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن النواس بن سمعان رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، أنه قال: "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس". 4- صادق من إذا رأيته ذكرتك بالله رؤيته، وجالس من تفيد من علمه وخلقه، وابتعد عن قرناء السوء، وسفهاء الأحلام فإنه لا يصيبك منهم خير، وتذكر رواه الشيخان عن أبي موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال:"إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير. فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة. ونافخ الكير: إما أن يحرق [متفق عَلَيْهِ]." ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة 5- اختلي بنفسك وكن صريحا معها، واسأل نفسك: لماذا أنا معجب بهذا الصديق أو المعلم؟، واكتب ما يجول بخاطرك، وقل لنفسك : هل أنا معجب بشخصه؟، أم بقوله؟ أم بمكانته؟ أم بماله ؟ أم .......إلخ، حدد سبب إعجابك به، فإن كنت معجب بخصاله الحميدة وصفاته النبيلة فاحمد الله وتمسك به، وإن كنت معجب بظاهره مفتون بشهرته أو بغناه أو بأية خصلة غير حميدة فاستغفر الله وابحث لنفسك عن علاج. 6- كن صاحب شخصية مستقلة، ولا تتعلق بإنسان أو تعجب به لمجرد أن الناس معجبون به، أو أنه مثار اهتمام الجميع، وتذكر قول نبينا صلى الله عليه وسلم في حديث ما معناه :"لا يكونن أحدكم إمعة ، إن أحسن الناس أحسن وإن أساءوا أساءـ ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم". 7- أوصيك بالقراءة في سير السلف الصالح، لتتعرف على حياتهم، ولتعرف معاييرهم وموازينهم للرجال، وعلى أي أساس كانوا يصادقون، وبأي شيء كانوا يعجبون، وعلى ما كانوا فكن، و (قف حيث وقف القوم فإنهم عن علم وقفوا). وختاما؛ أسأل الله العظيم ليّ ولك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، وأدعوه سبحانه أن يهديني وإياك إلى وسائر المسلمين إلى صراطه المستقيم، وأن يرزقني وإياك الثبات على الحق، والحب فيه والبغض فيه، وأن يصرف عني وعنك شياطين الإنس والجن ..... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين...