السؤال
شاب يشكو من كثرة المنكرات، ولا يستطيع إنكارها؛ لأنه وسط تجمع غير متدين، ويشير إلى أنه متسرع و يخاف أن يفسد أكثر مما يصلح، يرجو الإفادة؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وبعد: فوجودك في مثل هذا الوسط الصاخب بالمنكرات، يستلزم منك مضاعفة المقاومة، والثبات على الاستقامة على هذا الدين العظيم. واعلم أخي الكريم أن ثباتك في التمسّك بشعائر دينك في مثل زمنك هذا ومجتمعك هذا، لهو من أجل القُرُبات، صحّ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "ويل للعرب من شر قد اقترب، فتناً كقطع الليل المظلم، المتمسّك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر" أو قال: "على الشوك"(1)، وصحّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "يأتي على الناس زمانٌ، الصابر فيهم على دينه، كالقابض على الجمر"(2). وما حصل لك، هو من الابتلاء الذي هو خير لك لو كنت تعلم، أما علمتَ أنه تكفير للسيئات، وكتْب للحسنات، ورفعٌ للدرجات، أما علمتَ أنه يُربِّي نفسك ويُروّضها على الثبات تجاه الأحداث، أما علمتَ أنه يَعُدُّ نفسك ويهيئها لتحمّل مسؤوليات أعظم، إنه لا شيء أفضل من ذلك، وعليك ألا تجزع وألا تصخب. وأوصيك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا تتردّدْ، لكن عوّد نفسك وألزمها الهدوء، مهما كلفك الأمر، وليكن بالقول اللين، والكلمة الطيبة، والدعوات الصادقة، وليكن حوارك هادئاً، خافضاً صوتك فيه، مظهراً أنك تريد الخير والمصلحة له، وإذا كنت لا تجيد هذه الأمور، فتعلمها على أيدي العلماء والدعاة، واحرص على قراءة بعض الكتب النافعة في هذا المجال، ومن الكتب المختصرة الميسرة [من أخلاق الداعية، لسلمان بن فهد العودة]، وقد صحّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "إنما العلم بالتعلّم، والحلم بالتحلّم، ومن يتحرّ الخير يُعطه، ومن يتوق الشر يوقه"(3)، وإن وجدتَ من الناس إعراضاً وتنكباً، فلا تتعجل واصبر على إعراضهم عن دعوتك حتى ترى أن بقاءك معهم لا يبدو منه طائل و حينها تنتقل عنهم إلى غيرهم، فقد أديت واجبك نحوهم، ولا تحزن عليهم، فقد قال تعالى: "أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" (فاطر:8). واعلم أنها حكمة الله تعالى، لا قِبل لك لها، فقد قال تعالى: "... وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ..." (المائدة: من الآية41). واستشعر أن مهمتك هي البلاغ والبيان، والنصح والتوجيه، أما النتائج فإلى الله تعالى، فقد قال تعالى: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) (الرعد: من الآية40). وأود تذكيرك بأمور: 1 – اهتمّ بالعلماء والدعاة وطلاب العلم في مدينتك أو المدن الأخرى القريبة منك، احضر مجالسهم، استشرهم، استفد منهم. 2 – ينبغي أن يكون لك صحبة طيبة خيّرة، تعينك على أمور دينك ودنياك، وتساندك وتقف معك في جميع شؤونك. 3 – ضرورة تعاهد نفسك بين الحين والآخر بالتربية والتزكية، ومن ذلك تعويدها على الصالحات أقوالاً وأعمالاً، وليكن لك عمل صالح لا يعلمه إلا الله عز وجل، سرٌّ بينك وبينه. 4 – شجّعْ نفسك وحبّب إليها الاقتداء بسير السلف، اقرأ في سير الصحابة والتابعين ومن بعدهم من العلماء والصالحين ونحوهم، فإذا علمتَ أخبارهم وأحوالهم، فهو حريّ أن تثبت على لأواء هذا الطريق، ومن الكتب النافعة المختصرة الميسرة [صفة الصفوة، لابن الجوزي / تهذيب سير أعلام النبلاء،لمحمد بن حسن بن عقيل موسى]. أسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين. _______________ (1) مسند أحمد رقم "9073" ج15 ص 33، الصحيحة، للألباني ج2 ص 682. (2) سنن الترمذي رقم "2260" ص 374، الصحيحة، للألباني ج2 ص 682 رقم "957". (3) تاريخ الخطيب، للبغدادي ج9 ص 127، الصحيحة، للألباني ج1 ص 605 رقم "342".