يحتاج الناس دائماً إلى النماذج الحية، النماذج التي تمثل القيم الإسلامية والأخلاق الإسلامية، واقعاً ملموساً يرونه أمامهم وينظرون إلى آثاره المباشرة، وبما أن العلماء هم ورثة الأنبياء، فهم النماذج التي تشرئب لها الأعناق ويتطلع إليها عامة الناس، يقول الشيخ البشير الإبراهيمي _رحمه الله_: "ما زلت أتمنى على الله أمنية شغلت عقلي وفكري منذ مِزْتُ الخير من الشر، وهي أن يسترجع علماء الإسلام ما أضاعوه من قيادة المسلمين، إن علماء الدين أئمة، فإذا لم يخدموا الأمم الإسلامية في جميع الميادين النافعة، ولم يقودوها في المقاصد الصالحة فلا معنى لهذه الإمامة..."(1).
تتميز الأمة الإسلامية على غيرها من الأمم بكثرة علمائها، وأنهم ممن يُتبعون العلم العمل، بينما نجد في الأمم الأخرى أن أحبارهم غالباً ما يكونون شرارهم، وقد عبّر عن هذه الأهمية لدور العلماء إمام الحرمين الجويني حين جعل أهم قسم في كتابه الشهير (الغياثي) هو: كيف يكون الشأن إذا فُقد العلماء؟ وكيف يتصرف المسلمون؟ فهو يعد أن فقد العلماء في غاية الخطورة.
إن مناهج التاريخ في البرامج التعليمية ضخمت التاريخ السياسي والصراع الداخلي، وغيبت تاريخ العلم والعلماء، تاريخ السمو الأخلاقي والرحمة والعناية بعامة المسلمين، صورت هذه المناهج التاريخ وكأنه صراع دائم على أهداف دنيوية، إما غالب أو مغلوب ولا يذكرون العلماء الأجلاء الذين كانوا منارات هدى في كل العصور لا يذكرون أمثال الإمام المازري محمد بن علي بن عمر التميمي، وقد جاء في ترجمته: "كان _رحمه الله_ من الأجواد كثير البذل للفقراء والغرباء وطلبة العلم، كان ينفق عليهم ويكسوهم ويزورهم، وكان يعين أهل العلم حتى لا ينشغل بالهم بغير نشر العلم الصحيح وبث السنة، وقد بعث إلى الفقيه أبي القاسم بن شبلون في مرضة مرضها بخمسين ديناراً ذهباً، وبعث إلى القاضي عبد الوهاب البغدادي بألف دينار؛ لأن القاضي كان يعيش في بغداد في ضائقة كبيرة(2).
ولا يذكرون أمثال الملك العالم المجاهد أبي بكر محمد بن عبد الله التجيبي، ملك مدينة بطليوس في شمال الأندلس، يقول الذهبي عنه: "كان رأساً في العلم والأدب والشجاعة والرأي، وله تفسير للقرآن، وله تأليف كبير في الآداب، وكان مع استغراقه في الجهاد لا يفتر عن العلم، ولا يترك العدل، صنع مدرسة يجلس فيها كل جمعة يحضره العلماء"(3).
______________
(1) الآثار الكاملة 2/308.
(2) الشاذلي النيفر، المازري الفقيه، 10.
(3) سير أعلام النبلاء 18/594.