جاء في (الاستيعاب) في ترجمة الصحابي الجليل عبادة بن الصامت: "وجهه عمر إلى الشام قاضياً ومعلماً، فأقام بحمص، ثم انتقل إلى فلسطين، وكان معاوية قد خالفه في شيء أنكره عليه عبادة بن الصامت، فأغلظ له معاوية في القول، فقال له عبادة: لا أساكنك بأرض واحدة أبداً، ورحل إلى المدينة، فقال له عمر: ما أقدمك؟ فأخبره، فقال: ارجع إلى مكانك، فقبح الله أرضاً لست فيها ولا أمثالك، وكتب إلى معاوية: لا إمرة لك عليه".
وفي صحيح مسلم عن عائذ بن عمرو أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي _صلى الله عليه وسلم_ فأخبره، فقال: "يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك" فأتاهم أبو بكر، فقال: يا إخوتاه، أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي(1).
لا أريد من ذكر هذين الخبرين أن تتحول الدعوة الإسلامية اليوم إلى تقديس الأشخاص، ولا أن يفرض الجيل الأول آراءه ولو كانت على غير السداد، ولا أن تتحول الدعوة إلى طريقة الشيخ والمريد، ولكن الذي نريده هو ألا تتنكر الأجيال التالية للأجيال الأولى، بل تقدرها وتستفيد من تجربتها وعلمها، وفي الأجواء التي نعيشها اليوم، وهي أجواء غير صحية فإن البعض يحمل عقلية الانقلاب والمؤامرة والتدبير في الخفاء وهذا حقاً مما يؤسف له، ومما يفسد الأمر كله، بل لا يبارك الله في هذا العمل أبداً لما يعلم ما في الصدور من أهواء قاتلة.
والصحيح هو قول الحق والمصارحة بأدب وصدق وعلى الأجيال الأولى أن تتقبل هذا وأن تفسح المجال لمن عنده القدرات والمبادرات والشباب أقدر على التنفيذ والعطاء ويتحملون في تسيير الأعمال فوق طاقتهم، ومن الخير الاستفادة من كلا الجانبين.
_____________
(1) صحيح مسلم 1/2504، باب فضائل سلمان وصهيب وبلال.