لم يكن يتصور المرء أن مؤامرة كفار قريش لقتل النبي _صلى الله عليه وسلم_ تعود مرة أخرى بهذه السرعة وبالمنوال نفسه وعلى أيدي الغربيين أعداء العرب والمسلمين، حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل.
يختلف الحدث والزمان والمكان وتتفق الحقائق "أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ" (الذريات:53).
لقد ابتدر أبو جهل تلك الفكرة الآثمة التي لم يبتدرها إبليس ولم يملك إلاّ أن يصفق لها قائلاً: "هذا هو الرأي"، فتآمروا قديماً على قتله -بأبي وأمي هو- وطلبوا من كل قبيلة أن تأتي برجل منهم حتى يتفرق دمه في القبائل –زعموا-.
واليوم وعندما تحمّلت الدنمارك كبر سبّ النبي _صلى الله عليه وسلم_، وكانت الوقفة المشرفة من الأمة ضد هذه الجريمة النكراء، وعندما بدأت تلك الدولة تترنح تحت وطأة آثار تلك الحملة، وبالذات المقاطعة الاقتصادية الشجاعة من لدن المسلمين، في دولة يعد ثدي البقرة أعظم من بئر نفط لدى ممالك النفط ، هنا هبّ الغرب في وقفة آثمة مع هذه الدولة الباغية من أجل تفتيت تلك المقاطعة، (حتى يتفرق أثرها في تلك الدول بدل دولة واحدة)، وهنا يقول بعض المسلمين: لا طاقة لنا بمحاربة هؤلاء القوم جميعاً؛ لأسباب لا تخفى على ذي عينين وعقل وأذنين.
ولذا كان لا بد من التيقظ والحزم وعدم الاستسلام لتلك المؤامرة، وهذا يقتضي أن تحصر المقاطعة في الدولة التي أيقظت الفتنة وهي نائمة "لعن الله من أيقظها" مع الاستمرار في المقاطعة وتفعيلها؛ لأنها بدأت تؤتي أكلها بإذن ربها، يقول رئيس تحرير تلك الصحيفة الآثمة: "علي أني أقول وأنا أشعر بالعار: إنهم انتصروا"، فحذار من إتاحة الفرصة لتفتيت هذه الوقفة الشجاعة بالتعجل بالدعوة لمقاطعة هذه الدول كلها، وهذا ما يريد أن يجرنا إليه الغرب الحاقد؛ لأنه يعلم أن من يقاتل فرداً ليس كمن يقاتل عشرة، ويدرك أنه بالدعوة إلى مقاطعة تلك الدول سينبري أناس من بني جلدتنا ضد هذه المقاطعات؛ لأنها ستمس مصالحهم مباشرة، وهنا يدب الخلاف ويكثر النـزاع، وتتحول المعركة ضد العدو إلى معركة داخلية، والنتيجة هي الفشل _لا سمح الله_ "وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" [الأنفال: من الآية46].
ولا يعني هذا براءة تلك الدول، أو عدم استحقاقها للعقاب، كلاّ، ولكن السياسة الشرعية تقتضي التعامل بحكمة مع الحدث، وعدم تفتيت الجهود، أو الاندفاع العاطفي غير محسوب النتائج، أو الدخول في معركة لا نملك أدواتها.
وعندما نحصر الحرب في الدولة البادئة فلأنها هي التي تولت كبر الحدث والبادي أظلم، وهي التي سنت تلك السنة السيئة، فعليها وزرها ووزر من عمل بها، وعلى نفسها جنت براقش، فاجعلوها عبرة لمعتبر، تصديقاً لقوله _سبحانه_: "يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ" [الحشر: من الآية2]، وتحقيقاً لقول الباري _تعالى_: "فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ" [الأنفال: من الآية57]، وسبيل النجاة يكمن في قوله _جل وعلا_: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا" [آل عمران: من الآية103].
وختاماً "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [آل عمران:200].