أنت هنا

المجروح!! (2)
3 ربيع الثاني 1427

أطراف الجناية، المتسببون لها:
وأطراف هذه الجناية والمصيبة، المتسببون لها على نوعين: قاصد، عامد.. وغافل، أو جاهل، أو مشتبه عليه.
فالأول: نوع تسبب في الجناية بعلم، وقصد، ودراية، ورضى بحصول العلاقات المحرمة.
وهؤلاء يحتملون من إثم معاناة هذا المجروح: طفلة، أو طفل. ما يحتملون، وهم:
- الزانية والزاني.
- الداعي للعلاقات المحرمة، والمروج لها.
- الذي أذن بالاختلاط، ومنع منه، وحماه، حبا في الفاحشة.

1- الزانية، والزاني. وهما يحتملان الوزر الأكبر؛ لأن بفعلهما المباشر، وهو فعل الفاحشة، كان هذا المولود.
إن ذنب الزنا في المرتبة يأتي بعد الشرك والقتل، فقد جاء في الأثر عن عبد الله بن مسعود:
- قلت: (يا رسول الله!، أي الذنب أعظم؟. قال: أن تجعل لله ندا، وهو خلقك. قلت: ثم أي؟. قال: أن تقتل ولدك، من أجل أن يطعم معك. قلت: ثم أي؟. قال: أن تزاني حليلة جارك)(1).
وعقوبة الزانية والزاني مقدرة، قال تعالى:
- "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" (النور:2).
الزاني والزانية يجلدان مئة جلدة، ويغربان عاما، إن كانا بكرين. أما إن كانا محصنين، فالرجم بالحجارة جزاؤهما؛ فلا عذر لهما في الحرام، وقد بسط الله لهما في الحلال.

والآثار التي تحذر من الزنا، تخبر أنه ذنب يزيل الإيمان، قال _عليه الصلاة والسلام_:
- (إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان، وكان عليه كالظلة)(2).
وفي الصحيح أن رسول الله رأى الزواني والزناة قال:
- (فانطلقنا إلى نقب مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع، يتوقد تحته نارا، فإذا اقترب ارتفعوا، حتى كادوا أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة)(3).
فهو ذنب: ليس أكبر منه إلا الشرك، وقتل الولد.. وهو يزيل الإيمان.. ويترتب عليه جلد وتغريب، أو رجم حتى الموت.. وعقوبته في الآخرة أن يحبس الزانية والزاني في تنور من نار.

وهذا الذنب قبيح عند العقلاء، حتى عند بعض البهائم، ففي صحيح البخاري عن عمرو بن ميمون قال:
- (رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة، قد زنت، فرجموها، فرجمتها معهم)(4). قال ابن تيمية: "ومثل ذلك قد شاهده الناس في زماننا، في غير القرود، حتى في الطيور"(5)

2- الداعي، والمروج للعلاقات المحرمة، بأية طريقة كانت، سواء: عبر الفضائيات، أو المجلات، أو الصحف، أو القصص والروايات. الذي يزين، ويحسّن هذا الإثم، سواء: بكلامه، أو بفعله، أو قلمه، أو بماله. الذين يحبون ذلك، ولا يتأثمون منه، بل يقصدونه، ويسعون في نشره.

وهذه فئة إلى النفاق أقرب، فقد أخبر تعالى عن المنافقين، أنهم يحبون شيوع الفاحشة في المؤمنين، قال تعالى:
- "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" (النور:19).

3- الذي أذن بالاختلاط، وحماه، ومنع منه، راضياً بكل ما يحدث فيه من إثم، عالما به، غير متأثم له، سواء كان مسؤولاً في عمل، أو تعليم، أو غير ذلك، أو كان ولي أمر المرأة:
- فأما الذي أذن بالاختلاط وحماه، عن رضى بكل ما يحدث فيه من الإثم، وعلم بما ينتج عنه من علاقات محرمة، فهذا يدخل في حكم الفئة الآنفة، وما جاء فيها من وعيد؛ فإنه من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
- وأما الولي الذي أذن لمحارمه بالاختلاط بالأجانب، مع علمه بما قد يحدث لهن، ورضاه بذلك، فهذا في مصطلح الشارع يسمى: ديوثاً. وعقوبته: أنه لا يدخل الجنة. قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: (ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخُبث)(6).
فهؤلاء يحتملون الإثم، وهم مشاركون في معاناة هذا الإنسان المجروح؛ لأنه من خلال الوصف السابق، هم يعلمون بأن نتيجة التقارب، والاختلاط بين الجنسين، وخروج المرأة في زينة ظاهرة، هو: العلاقة المحرمة.

وهم يعلمون أن ما يصنعونه من المقدمات، والمغريات الجنسية نتيجتها: العلاقات المحرمة. فهم راضون بذلك، ويحبونه، وإلا لما وقعوا في أمور، لا يجهل أحد أنها تدعو إلى الإثم والفجور، مصرين عليها. وبعضهم يعلن ذلك، ويستهجن ما يسمى بالعفة، وحفظ الأعراض.؟!!.

والثاني: نوع تسبب في الجناية بغفلة، أو جهل، أو اشتباه؛ أي لم يدرك أن قوله، أو فعله، أو قلمه يسهم في هذه المشكلة، ويتسبب فيها، وهم:
- ولي أمر فتاة سمح باختلاط بالأجانب، ظنا منه أنه لا يضرها.
- مسؤول سمح بالاختلاط، ظنا منه أنه لا يفضي إلى علاقات محرمة.
- متفقه اشتبه عليه الأمر، فزعم أن الشريعة تبيح الاختلاط.

1- الولي الذي أذن لمحارمه بالاختلاط بالرجال، بداعي التعليم، أو العمل:
هناك من أولياء الأمور من يظن أن التربية الصحيحة، والتوعية كافية لتجنب هذه المشكلات، وعليه فلا مانع لديه من الإذن لمحارمه في: عمل مختلط، أو السفر بدون محرم، أو الخروج من البيت دون ملاحظة.
فهذا مشكلته: النظر إلى قضية العلاقة بين الجنسين من زاوية دون أخرى. نعم التربية والتوعية مهمة، بتنمية جانب الخوف والخشية من الله _تعالى_، والتعريف بخطر العلاقات المحرمة من جهة: الضرر بالأسرة، والحياة الزوجية المقبلة، وما قد ينتج عنها من أمراض... إلخ.
لكن ليس هذا هو الأمر الوحيد الكافي لتجنب هذه المشكلة، هناك أمر مهم، دل على أهميته: عناية الشارع به. وهو: اجتناب الفتنة، والبعد عنها. فمن تعرض للفتنة تعرضت له، ومن تجنبها سلم منها.

وإن الفتنة هنا هي: الغرائز المشتعلة بين الجنسين. التي لا يمكن لأحد أن ينكرها، إلا إذا أراد أن يعبث بالحقيقة، وعقول من يقبلون العبث بعقولهم..!!.
أو أراد أن يكذب النبي _صلى الله عليه وسلم_ الذي يقول: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)(7).
وإذا أراد هذا الولي أن يعرف قدر هذه الفتنة، فعنده شاهد من نفسه، فليختبرها:
- كيف هي عند امرأة أجنبية، أعجبه جمالها، ودلّها ودلالها ؟.
فإن كانت نفسه ماتت لكبر سنّ، أو مرض، أو همّ، فليتذكر:
كيف كانت لما كان شابا، نشطا، خاليا من الأوهام، والأمراض ؟.
هذا الشاهد يعطيه فتوى بخطأ ما أقدم عليه، اتكالا على التربية، والتوعية وحدها؛ فالعقل والدين يقول:
- اجتنبوا الاختلاط. فإنه يفضي إلى المحرمات من العلاقات؛ لأن النفس تجوع إلى الجنس الآخر كل حين.

2- المسؤول الذي سمح بالاختلاط، في المكان الذي هو مسؤول عنه: مؤسسة، أو شركة، أو جامعة:
فهناك من هذا الصنف من يظن: أنه لا بأس بهذا الاختلاط. وأنه ينفع العمل، ولا يضره، ما دام قائما على الحشمة، والحجاب؛ يقصد تغطية الرأس.. مادام الوعي موجود، وهو في هذا:
- مأخوذ بقوانين الحضارة الغربية، يظنها مفروضة لازمة للتطور.
- مأخوذ بفكرة المساواة بين الجنسين، وأنه لا فرق بينهما.
فهذا يقال له ما قيل لولي أمر المرأة آنفاً: أن عنده شاهد من نفسه، فليختبرها عند فتاة أعجبه دلّها.
ويضاف إليه: أن التجربة كفيلة بالبرهان؛ فالمجتمعات الغربية بدأت بالاختلاط، في كل المجالات، ثم تبعتها مجتمعات عربية وإسلامية، فماذا جنت من هذا الاختلاط ؟.
- جنت وحصدت العلاقات المحرمة، وما ينتج عنها من اللقطاء، وما يتبعها من المآسي.
- جنت ظلم المرأة، وامتهانها، وسلبها كرامتها، وتحميلها ما لا تطيق، فعليها العمل في البيت والوظيفة.
- جنت الأمراض النفسية، والعصبية، حتى كثرت العيادات النفسية، وكثرت مراجعة النساء لها خصوصا.
ويكفي لبيان خطر الاختلاط ونتائجه السيئة: أن دولا من هذه بدأت تفصل بين الجنسين في المدارس والجامعات، وهذا موجود في أمريكا، وبعض دول أوربا.

3- المتفقه الذي زعم أن الشريعة تبيح الاختلاط، ولا تحرمه:
فهذا يقال له: انظر وتأمل في الشاهدين الآنفين: الشاهد الذي من النفس، والشاهد الذي من التجربة.
فإنه كاف في نقض ما زعمته، ومع ذلك فإن لديك شبهة، تظنها دليلاً معتمدا في دعواك:
- أن النساء كن يخرجن للأسواق، للبيع والشراء.
- وإلى المساجد للعبادة.
- وفي الجهاد، للعون والمساعدة، وتمريض الجرحى.
- وكن يختلطن في الطواف بالرجال.
فهذه أدلة يحتج بها هؤلاء، لكنها ليست محل النزاع، ولم يمنع منها أحد، والذي حرموا الاختلاط لم يقصدوا هذا النوع، إنما قصدوا:
- الاختلاط الذي يزول به الحجاب، والحاجز بين الجنسين: حتى تغدو العلاقة بينهما كالعلاقة بين الجنس الواحد. فتكون المرأة زميلة وصديقة للرجل، وكذا الرجل زميل وصديق للمرأة.. وكل اتصال بينهما ليس له حاجة شرعية.
فالمقصود بالمنع من الاختلاط: أن يكون للمرأة عالمها الخاص، وللرجل عالمه الخاص، فلا يتحد العالمان إلا بطرق مشروعة: محارم، زواج. ليس الالتقاء والاجتماع العابر، لسبب صحيح، يقبل به الشرع.
فإذا طبق هذا التعريف على ما ذكر من الأدلة المحتج بها: لم تنطبق. فلذا قلنا: إنها في غير محل النزاع.

ثم ليتأمل هذا المبيح للاختلاط في النصوص التالية:
- نصوص تأمر بغض البصر.
- نصوص تصف المرأة بأنها فتنة الرجال.
- نصوص تجعل صفوف النساء آخر المسجد، وتخبر أن شرها أولها؛ كونها أقرب للرجال، وخيرها آخرها؛ كونها أبعد عن الرجال.
- نصوص تجعل للنساء بابا خاصا في المسجد.
- نصوص تنهى عن مخالطة النساء الرجال في الطرقات، وتأمر النساء بالمشي في الحافات.
- نصوص تدل على أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ خصص للنساء يوما للتعليم.
- نصوص تبين أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ ما جمع الرجال والنساء في مجلس علم، أو شورى.
- نصوص تأمر المرأة بالقرار في البيت، وأن صلاتها فيه خير من صلاتها في مسجده.
- نصوص تأمر المرأة بالحجاب، وعدم اللين في الكلام مع الرجال.
كيف لكل هذه الأحكام أن تطبق مع الاختلاط، مع كون المرأة والرجل الأجنبي في غرفة واحدة، ومكان واحد يلتقيان دوما، كل يوم بداعي العمل، أو العلم ؟.
إنه الحق واضح، كالشمس في رابعة النهار، لا يزيغ عنه إلا هالك، وإن الشارع لا يأمر بالشيء ونقيضه..
وإذا كانت هذه النصوص مع كثرتها لا تفيد منع الاختلاط، فأي فائدة إذن في سوقها، وكثرتها ؟!.

بين الفريقين؟
فأما المفسدون، الذين يعلمون بثمرة عملهم، ويحبون ذلك، وهم:
- قلة من أولياء الأمور.
- وقلة من الذين يسمحون بالاختلاط في الأمكنة التي هم مسئولون عنها.
- وأولئك الذين يستغلون وسائل الإعلام لترويج الفساد.
فهؤلاء يحبون الفاحشة، ويعرفون أنهم متسببون في مآسي هؤلاء المساكين من الأطفال؛ لذا فهم ساكتون، وإن تكلموا فتعرف اللحن في كلامهم.
أما الذين تسببوا في الجناية بغير قصد، الذين لا يرضون بالإثم، وهم:
- بعض أولياء الأمور.
- وبعض الذين يسمحون بالاختلاط في الأمكنة، التي هم مسئولون عنها.
- والذين يفتون بجواز الاختلاط، من المشتغلين بالشريعة.

فإنهم قالوا: لسنا جزءا من المشكلة، ونحن لا نرضى بهذه العلاقات الآثمة. وإذ سمحنا بالجمع بين الجنسين فنحن نقصد تهيئة علاقات طبيعية بين الجنسين، ليس فيها شبق ناتج عن فصل متعسف، مبناها على الثقة المتبادلة والاحترام. فالمشكلة ليست في الاختلاط إذن، إنما في قلة الوعي، والتربية، وفي آلات الإعلام.

وقبل الجواب يقال: قد تبين أن السبب ذاته يرتكبه فريقان، يكون أحدهما: آثما. والآخر: مغفورا له. فأولياء الأمور الذين أذنوا لمحارمهم بالاختلاط بالأجانب، وأولئك الذين يأذنون بالاختلاط فيما يقع تحت مسؤولياتهم:
- فيهم من هو آثم؛ كونه يعلم بما يترتب عليه من الآثام، ولا يبالي.
- وفيهم من هو مغفور له إن شاء الله تعالى، غافل غير مدرك، اشتبه عليه، لو أدرك الحقيقة لما أذن.
ثم يقال لهذين الصنفين، اللذين عندهما كثير من حسن الظن، وقليل من الإدراك والوعي:
قد أقررتم بأن آلات الإعلام لها دور في هذه المشكلة. وأنتم لا تملكون منعها، أفلا منعتم ما تقدرون منعه، فامتنعتم من انتهاك جدار الحجاب، فتركتموه كما هو ؟.
فما حاجتكم إلى دفع المرأة إلى الاختلاط، وقد علمتم أن آلات الإعلام تفعل فعلها إذا حصل الاختلاط ؟
ثم من أين لكم أن التربية والتوعية وحدها تكفي في تجنب هذه المشكلة ؟.
هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه: ربى أصحابه فأحسن تربيتهم. وربى أهل بيته فأحسن تربيتهم.
- فهل رأيتموه جمع بعد ذلك بين: أصحابه، وأزواجه، وبناته، ونساء الصحابة في مجلس واحد: للشورى، أو للعلم، أو للعمل، أو للتحضير للغزو، أو في السفر، أو في الحضر ؟.
- هل رأيتموه يدعو إلى الجمع بين الجنسين ولو في نص واحد، بدعوى المساواة، وإعطاء المرأة حقوقها ؟
- هل رأيتموه يأمر المرأة أن تخرج من بيتها، لتشارك الرجل الأجنبي في بناء المجتمع المسلم ؟.
- أم رأيتموه يأمر بقرارها في البيت، حتى جعل صلاتها في بيتها خير من صلاتها معه في مسجده ؟.
- أم رأيتموه ينهى النساء عن التقارب مع الرجال حتى في الطرقات، ترسيخا لمبدأ الفصل ؟.
- أم رأيتموه يجعل للنساء مكانا في مؤخرة المسجد، وبابا خاصا، ترسيخا لمبدأ الفصل لا الجمع ؟.
- أم رأيتموه يخصص لهن يوما للتعليم ؟، أفلا جمعهن مع الرجال في الحلق كل يوم ؟.
ألم تقفوا على هذه النصوص، وأنتم تحتجون بالثقة، أفكان النبي _صلى الله عليه وسلم_ لا يثق في بناته، ونسائه، وقريباته، ونساء الصحابة ؟!.
كلا، وحاشا، بل عين الدين والحكمة: أن تمنع أسباب المنكر والفاحشة، مع التحصين منه بالتربية.
- فالتحصين نافع إذا تورط الرجل والمرأة في اختلاط لم يرغبا فيه، ولم يسعيا من أجله.
- والمنع نافع في قطع الفتنة والبلية من أصلها.
وليس العاقل من تعرض أو عرض غيره للمهالك، بدعوى الثقة والخبرة.
كمن خرج في سفر، فبدل أن يحث السير، اشتغل بالبحث عن جحور الحيات والعقارب، بدعوى أنه خبير بها، فاشتغل بها، فقد ضيع وقته، فيما لو أنفقه في السير، لكان أسرع وصولا، وربما لدغته حية، فعطلته عن سفره، وربما قتلته.. فهل ما فعله فيه شيء من العقل أو الحكمة ؟!.
نعم هناك فئات نياتها حسنة، ومقاصدها طيبة، لكن أعمالها فتنة عمياء، وجزء خطير من المشكلة، فكم من مريد للخير لم يبلغه..؟!!.

المانع من الجناية:
قد أصابنا ما أصابنا من الألم، في سماع هذه القصص، والأحوال المؤلمة لهؤلاء الفتية، وفيهم الفتيات كذلك، وما من أحد عاقل إلا يود لو منع حصول هذا من أصله، وإن أهم وسيلة لمنعه هو:
1- منع الأسباب المغرية بالعلاقات المحرمة، المنتشرة في: القنوات، المجلات، الصحف، الروايات، والقصص. والتي تغري إليها هذا الإثم، مثل: تكشف النساء، وميلهن، وما يمارس فيها من مقدمات النكاح علنا.
2- منع الاختلاط بين الجنسين، تحت أية دعوى كانت. فلا شيء مفيد ينتج عن الاختلاط، إنما ينتج عنه: طفلة أو طفل مجروح، وخراب البيوت، وفساد الأخلاق، وعلى قصير الفهم: أن ينظر في تجربة الدول المتقدمة.
3- منع المرأة من الخروج متزينة، في فتنة بادية، فليس كل عباءة اليوم تستر، بل فيها ما يغري ويزين.
4- قيام ولي أمر المرأة بواجبه مع محارمه، فلا يسافرن إلا بمحرم، وعليه أن يقوم بحاجتهن، وأن يخرج معهن.
فإذا تحققت هذه الأربعة، فانظروا: هل توجد مشكلة كهذه المشكلة بعدها ؟.
كلا، لن توجد، وإن وجدت فبصورة محدودة جدا، فما هذه المشكلة إلا من تلك الأسباب.

وإذا أردنا ترتيب الأسباب، من حيث الأهمية:
- فأهم وسيلة لمنع العلاقات المحرمة: منع الاختلاط.
فكل ما سبق من مسببات للمحرم لن يكون له أثر مباشر كالاختلاط. المصيبة كلها في الاختلاط. ؟!!.. فإن التقارب، والتعارف، والصداقة، والكون معا، في مكان واحد: مكتب واحد، وفصل واحد، ومختبر، وعيادة، ومناوبة، ورحلات المشتركة.. ونحو هذا.

ليس شيء مثل هذا في الخطر؛ إذ به تستيقظ الغرائز، وتستجيب لداعي الهوى، فالرجل والمرأة إذا اجتمعا اشتعلت الغريزة، وتجاوبت النفس، وفي هذه الأحوال: تنسى المواعظ، وتختفي الأخلاق، ويرتفع الإيمان، وتذوب القيم، وتتلاشى التربية، وتتحلل الثقة بالنفس.. فكم من أديب سقط، وكم من عفيفة واثقة سقطت، وما زال الحكماء يرددون، ويحذرون من اختلاط وتقارب كهذا.

وليحذر من كل غرّ مخدوع، أو ماكر مخادع يريد أن يقنع: أن لا شيء من ذلك يكون. فكما قال القائل:


وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

- تأتى بعدها في الأهمية: قرار المرأة في بيتها.
فإذا خرجت فلحاجة وضرورة، من غير زينة؛ فإن المرأة إذا قللت من خروجها، فلم تخرج إلا لضرورة، تاركة الزينة، كان تقديرها أعظم من الفتنة بها؛ لزوال الفتنة، وحلول أسباب التقدير والتعظيم.
- بعدها في الأهمية: قيام ولي الأمر بواجبه، في صون وليته،
فهو مسؤول، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة المؤمنة موصوفة بالغفلة، في قوله _تعالى_: "الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ..." (النور: من الآية23)؛ لأنها لا تدرك الشر الذي يراد بها، فإذا لم يقم الولي بواجبه ضيعها.
- آخر الوسائل أهمية في هذه المعنى: منع وسائل الإعلام من المشاهد الآثمة.
من خروج المرأة كاشفة ستر الله عليها، إلى المناظر والأفعال المحرمة.
ومع أن وسائل الإعلام خطيرة جداً، إلا أن تأثير لن يكون فعالا، ما دام أن المرأة لا تختلط بالرجال، ولا تخرج في زينة، والولي قائم برعايته. فإن الناس مهما رأوا في هذه الوسائل، فإن المتمني لن يستطيع فعل محرم، وهو لا يجد الوسيلة إلى ذلك، وإذا ما رأى امرأة تسير، فكانت محجبة بلا زينة، ولا فتنة، فإنه لن ينساق وراء شهواته، لشعوره أن هذه مصونة، ولا تصلح إلا للزواج، لا لشيء آخر.

وهكذا فإن تأثير هذه الوسائل حينئذ سيكون في الرغبة في الزواج السريع، لا غير ذلك.
أما إذا كانت المرأة هي الأخرى تتبدى بين الرجال، تصادقهم، وتزاملهم، مع كل تلك الوسائل المثيرة للغريزة: فهل يريد متذاكي أن يقنع الناس: أنه لا ضير من ذلك، وأن التربية كفيلة بمنع كل ما يخشى ؟!.

اعتراض:
قال قائل، اشتبه عليه ما لا يشتبه: هل تريد القول: أن كل اختلاط، ففيه علاقة محرمة ؟.
فالجواب: ليس كل اختلاط فيه علاقة محرمة، فالمعادلة ليست كذلك، بل كما يلي:
- كل اختلاط ، فبيئة ملائمة مهيأة، لعلاقة محرمة، قد ينتج عنها: وليد مجروح أبد الحياة.
فكونه بيئة يفيد أنه: ليس من اللازم حدوث علاقة. بل مظنّة قوية، وداع قريب غير بعيد، كما يقال:
- هذه الأرض وباء. ولا يلزم من ذلك مرض كل من فيه، لكن الكل معرض للمرض.
- الحرب مظنة الموت. وليس كل من ذهب فهو مقتول، لكن الكل معرض للقتل.
فكون الظن قويا: فإن من المعقول والحكمة إعمال هذا الظن، باجتناب ما يؤدي إلى الهلكة.
والناس يعرفون هذا، ويطبقونه في كل شيء، فإذا ما جاءوا إلى الاختلاط نسوا، وما تذكروا إلا الأغلوطات، وضيعوا كل القواعد والأصول..!!

قال القائل: ألا ترى أنك تبالغ في خطر الاختلاط، فقد صوّرته وكأنه كارثة محققة ؟.
فالجواب: ليست مبالغة، بل حقيقة. المبالغة هي التي لم تسند بأدلة، أما والأدلة كلها وتنطق بالخطر، فلا.
فهذا العالم يشتكي من الفجور وانتشار الزنا، بشكل لم يعرف، وإذا نظرنا إلى السبب الذي تغير فيما يتعلق بهذه المشكلة خصوصا: وجدناه خروج المرأة واختلاطها بالرجال. بصورة لم تكن معهودة من قبل.
فبان أن العلة هو: الاختلاط.
حتى البلاد الإسلامية تئن من هذا المصاب؛ ليعلم أن بلية الاختلاط وأثره: لا يحمي منه الانتماء إلى الإسلام.

حكمة العقوبة:
لقد كان من عقوبة الزانية والزاني، إذا كان محصنين: رجمهما بالحجارة حتى الموت.
ويمكن أن تلتمس الحكمة من هذه العقوبة، الشديدة البالغة: أن هذين بفعلهما، هدما بيتيهما، وأسرتيهما، فكانا في المثال، كمن هدم بنيان بيته، فشرد منه أهله وساكنيه، فاستحق بذلك أن يرجم بحجارته، فيُشّرد
بها كما شرد أهلها، فيذوق الألم، كما أذاقه.
فالمحصن هو: الذي تزوج، وأنشأ أسرة.
- فعلم وأدرك عظم حاجة الطفل إلى الأسرة، وأن يكون ذا أبوين.
- وفهم واستوعب الآلام والوحشة، التي يعانيها المحروم من الأسرة والأبوين.
- وعرف أن العلاقة الجنسية هي سبيل نتاج الأطفال.
فإذا جنح بعد هذا العلم والإدراك، والفهم والاستيعاب، والمعرفة: فاقترف جناية محرمة. فهو كمن يتعمد إيذاء وجرح إنسان في قلبه، وروحه، وعقله، هو ذلك الطفل الوليد، جرحا لا يلتئم، أبد الحياة.
فهل عرفنا لم استحق الرجم، ومثله تلك المحصنة الزانية ؟.
وإن كانا بكرين: فالجلد مئة، والتغريب عاما.
وفي هذا التغريب شعور بالوحشة، والوحدة، والكآبة، والبعد عن الإلف، والقرابة؛ لعله يتذكر حال مولود يجيء من هذا الطريق، فيعيش في: وحدة، وكآبة موحشة، وبعد، وغربة، وانفصال عن القريب.
ليتذكر كل من تمنى أو أراد فعل فاحشة: أن من الآثار الموحشة لفعله: الإساءة إلى طفل وإنسان، يعيش أبد حياته كسير النفس، مليء الحزن، يدعو باللعنة والانتقام على من تسبب في حاله.
ليتذكر هذا كل فتى وفتاة، وكل رجل وامرأة..
وليتذكره كل من أسهم ولو بشكل غير مباشر في هذا الجرح.

أيها المستهين بالأعراض، الهاتك لستر الغافلات: هل شعرت بألم هذا الطفل أو الطفلة ؟.
أيتها المستهينة بالعفة، المتلاعبة بنفسها: هل شعرت بألم هذا الطفل أو الطفلة ؟.
هل شعرتما بالجرح الذي في نفس هذا المجروح المسكين البريء، الذي سيكبر، ويكبر الجرح معه ؟.
هل علمتما من كان الذي جرحه، فحطّمه، فجعله كسير النفس، معذبا، يتلوى ألما ؟.
- أنتما..!!.

________________
(1) رواه البخاري في المحاربين، باب: إثم الزناة.
(2) رواه أبو داود وتمامه: (فإذا أقلع رجع إليه الإيمان)، انظر: السلسلة الصحيحة للألباني 509.
(3) رواه البخاري في الجنائز، باب: ما قيل في أولاد المشركين.
(4) كتاب مناقب الأنصار باب القسامة في الجاهلية، الفتح 7/156.
(5) الفتاوى 11/545.
(6) رواه أحمد، صحيح الجامع 3052.
(7) رواه البخاري في النكاح، باب: ما يتقى من شؤم المرأة وقوله: "إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ..." (التغابن: من الآية14).