أنت هنا

العدل.. العدل
2 جمادى الأول 1427

ما أعظم هذه الكلمة لو أن الناس يمارسونها في حياتهم العملية.. كم ستطمئن النفس، ويهدأ القلب، وكم سيرتاح الناس من العناء والغبن، قد لا يكون الظلم أو الإيذاء متعمداً، ولكنه الفهم السقيم لمعنى العدل والإنصاف، ومن الأمثلة الواضحة أنك تحتكم إلى أخ في قضية ما، فيكون حكمه المساواة بين الضحية والجاني حتى يظهر وكأنه لا يحيف على أحد، أو أنه ينصف الطرفين، فيقع في الظلم وهو لا يدري.

ومثله كمثل القاضي الذي رُفعت له قضية خصام بين أقربائه وآخرين، فيظلم أقرباءه حتى لا يقال أنه يحابيهم أو كما كان يُفعل في بعض المدارس قديماً عندما يرون طالباً مشاغباً مؤذياً لزملائه فينصبوه مسؤولاً عن الفصل حتى يحضر المدرس، إنها تربية فاسدة، فعندما يكافأ مثل هذا الطالب فإنه عندما يكبر سيتعامل مع الناس على الأساس نفسه.
هل هذا الظلم الذي بُطّن أنه عدل، هل هذا نتيجة ضعف في معرفة الناس ومعرفة نفسياتهم وما ينطوون عليه من لؤم وخسة، أم هو ضعف في فهم الشريعة وكيف يكون العدل بين الناس، قال _تعالى_: "أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ" (القلم:35).

وقد ضرب لنا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ مثالاً يحتذى ، وذلك عندما قال قبل مباشرة القتال في بدر: "إذا رأيتم أحداً من بني عبد المطلب فلا تقتلوهم فإنهم خرجوا مكرهين..." لم يبال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بما يتوقع من أناس تتغلب عليهم النوازع البشرية ويقولون: لماذا نقتل أقرباءنا ولا نقتل بني عبد المطلب.

يحفظ المسلمون من أقوال السلف أن كلام الأقران في بعضهم لا يلتفت إليه، فينزلون هذه المقولة في كل كلام يقال بين الأقران وهذا أيضاً من الظلم، بل يجب أن يلتفت إلى الكلام إذا كان صادراً من ثقة معلوم بين الناس بالصدق والنزاهة والعدل، وأما كلام الأقران الذي لا يروى ولا يؤخذ به فهو الصادر عن هوى وعصبية. وربما يقول قائل: وكيف نتحقق من ذلك؟ فالأفضل أن لا نأخذ كلام الأقران ونستريح، ولكن هل هذا من العدل، وهل نظلم الآخرين لأننا لا نملك الأهلية الكافية لمعرفة الناس!