ليس السياسي هو الذي يصف الحدث بعد وقوعه فهذا يتساوى فيه كثير من الناس، ولكنه الذي يتوقع ويستشرف المستقبل من خلال رؤية صحيحة للواقع وربط الماضي بالحاضر.
في أحداث لبنان الأخيرة وما فعله حزب الله من تدمير لبنان، قلنا يومها إن الحزب لا يضرب إسرائيل محبة لفلسطين، ولا من أجل عيون الفلسطينيين، فشيعة العراق هم الذين يقتلون الفلسطينيين ويطردونهم من العراق، مما يذكر بمذابحهم للفلسطينيين في مخيمات لبنان منذ عشرين عاما، ولكنها ( أجندة ) إيرانية سورية تريد إرسال رسالة إلى أمريكا يقولون فيها : نحن هنا، وإذا لم نأخذ الحصة الكبيرة من الكعكة في هذه المنطقة، وإذا لم يتم التفاوض معنا لمستقبل المنطقة فإننا نستطيع تخريب البلدان، وخلط الأوراق.
ويومها استغرب البعض هذه اللهجة، وهذا التحليل، واعتبر ذلك تشدداً وأدلجة للأمور، واعتبر أن شيعة لبنان غير شيعة العراق وهو يرى لغة الدبلوماسية والاعتدال إلى آخر هذه السذاجة السياسية.
ولكن الذي تابع ويتابع الأحداث منذ الصيف الفائت سيرى مصداق ما ذكر سابقاً، وأن هناك مخططا صفويا سائرا في طريقه لا يهتم باعتدال بالمعتدلين، كما لا يهتم بالبلدان سواء دمرت أم لم تدمر، وعنده استعداد للتعاون مع أمريكا وغير أمريكا كما فعل في أفغانستان والعراق، وما يفعل الآن في العراق من تهجير للسنة من مناطقهم في البصرة وبغداد وكل الجنوب.
ولوضوح المخطط ظهر بعد ذلك من تنبه إلى خطورة ما يجري على الأرض في بلاد الشام، ومحاولة تشييع أهله وبناء الحوزات والحسينيات. ثم جاءت الأحداث التي تجري اليوم في لبنان لتؤكد يقيناً بهذا المخطط. فالحزب الذي يرفع شعار المقاومة تحول إلى هدم الداخل اللبناني، حتى يكتمل المشروع، وحتى لا تتم المحكمة الدولية التي تطال النظام السوري وربما تطال رؤوساً أخرى، وفجأة أصبح شريك الأمس في الحكومة وعميلاً لأمريكا وإسرائيل (والاتهام بالعمالة نغمة معروفة في المنطقة مع الأسف) فإذا كان الحزب يعلم هذا، فلماذا يشارك في هذه الحكومة، أم هي (التقية) ؟. وتحول شعار حكومة وحدة وطنية إلى إسقاط الحكومة ولو أدى إلى حرب أهلية، وتدمير لبنان مرة ثانية.
نزلوا إلى الشارع وقالوا هذه مظاهرة سلمية، ولكنهم عندما لم يجدوا رداَ على هذه المظاهرة افتعلوا أحداث التخريب وتكسير زجاج السيارات حتى يكون هناك رد، وتبدأ حرب أهلية جديدة لا تنتهي. فالمهم هو تحقيق ما يريدون وتريده إيران وسورية، وبهذه المناسبة نقول : إن أمثال هؤلاء في القديم والحديث إذا كانوا أقلية فلا مانع عندهم من تدمير الأوطان، فهي في نهاية الأمر ليست لهم. فإذا جاءتهم فرصة للتنفيس عن حقدهم فلماذا لا يهتبلوها ؟ هكذا فعل القرامطة، وهكذا فعلت ثورة الزنج في البصرة في العصر العباسي الأوسط.
لقد انكشفوا على حقيقتهم والحمد لله، وبدأت بعض الأصوات التي انخدعت بهم تعود إلى رشدها. وقد تكلم العلماء في لبنان كلاما يدل على وعي بالمخاطر ومعرفة بالمخطط، وقد قال أحدهم : لا نريد أن نكون عراقاَ ثانياَ.
يقولون أنهم في مواجهة المشروع الأمريكي. والحقيقة أن أمريكا لن تتخلى عن الشيعة في المنطقة كقوة إقليمية أو كلاعب له حساباته وأطماعه. وفي الوقت نفسه لا تريد أن تكون هناك قوة شيعية كبرى كما تخطط إيران وتسعى له. فليست أمريكا مع السنة وهي تعلم أن السنة هم المحافظون على الأوطان، وهم الذين واجهوا دافعوا الاستعمار. فالسنة بين مشروعين أو بالأصح أمام مشروع واحد وهو تفجير المنطقة فلم يعد هناك شرق أوسط كبير بل شرق أوسط يغرق في المشكلات.
إن الأمر خطير، وخطير جداَ، ولابد أن يتصدى للمشروع الصفوي كل المخلصين، وكل الحريصين على الدين وعلى الأوطان. وقد بدأت الدول العربية تتحسس هذا الخطر وقد حاول الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إيجاد حل للخروج من هذه الأزمة المستفحلة ولكن بالتأكيد سيرجع خالي الوفاض لأنه سيسمع من أطراف حزب الله ومنظمة أمل كلاما معسولا، وبما انه لا يعرف أساليب الباطنية فقد يصدقهم، ويظن أن الأمور سهلة. ومشكلة بهذا الحجم لا تحل بالوساطات ولكن بالضغط السياسي وتكتل القوى المعارضة للمخطط الإيراني، فربما يتراجعون ويعلمون أن الأمر ليس كما يحلمون وان الساحة ليست خالية.