إن أسوأ ما يصاب به الإنسان أو تصاب به بعض المجتمعات والدول هو داء الغرور، حيث يتم التعامل مع الآخرين بالاحتقار والانتفاش، وتتكاثر الأوهام على من يصاب بهذا الداء فيظن المستحيل سهلاً وكأنه سيقع غداً.
بوش (الابن) جاء إلى البيت الأبيض حين خلت الساحة من أقطاب آخرين، جاء بمشروع هو مزيج من (المسيحية – الصهيونية ) ومن عقلية ( المحافظون الجدد ) الذي يتوهمون أن باستطاعتهم تغيير العالم من خلال نظرية السوق الاقتصادية، ومن خلال ديمقراطية يطرحونها كشعار غير قابل للتنفيذ، ولذلك وقعوا في تناقض صارخ بين هذا الشعار وبين ما تمارسه أمريكا في العراق وأفغانستان، فالشعب العراقي انتقل من ظلم يحمل العصا إلى ظلم يحمل الدساتير والمجالس المعينة.
وقد ذهبت الأحلام ببوش ومن حوله إلى حد التفرد وقيام امبراطورية تتحكم بشؤون العالم، ولكن الواقع صدم هذه الأوهام حين فشل في العراق فشلاً ذريعاً وكذلك في أفغانستان، وفي أمريكا الجنوبية بدأت بعض الدول تتفلت من القبضة الأمريكية بل تناهض سياسية بوش ورفاقه.
والتحدي الأكبر هو أمريكا من الداخل حين يقول (مستشار الأمن القومي سابقاً) بريجينسكي: " قد لا يكون انكشاف أمريكا في التحدي الملموس القادم من خصومها، بل التهديد غير الملموس الذي تفرضه ثقافتها التي شرعت تضعف وتفسد وتقسم أمريكا داخلياً" 1، ويتابع بريجينسكي محللاً نظرة المسلم إلى أمريكا: " على الغرب أن يتفهم أن المليار مسلم لن يتأثروا بغرب يرونه مبشراً بقيم استهلاكية وفضائل لا أخلاقية، وبركات الإلحاد، فرسالة الغرب خصوصاً أمركياً مرفوضة لدى كثير من المسلمين" 2.
التشابه كبير بين بوش ونجاد؛ فكلاهما مهووس بالأحلام الدينية، بل بالخرافات الدينية، وكلاهما يعتقد أنه صاحب رسالة؟! فالأول يجب أن يساعد إسرائيل استعجالاً لظهور المسيح، والثاني يستعجل خروج المهدي ( مهديهم الذي لن يخرج أبداً من السرداب ) وإذا خرج بزعمه فمهمته هي قتل أهل السنة والحكم بشريعة داؤود؟! نجاد مغرور أيضاً بتفرد إيران بعد ضياع العراق وسقوطها بأيدي الاحتلال وبمساعدة إيران. ويظن أنه يستطيع الهيمنة على المنطقة من خلال السيطرة على العراق، ومن خلال نشر التشيع، وإنفاق مئات أو آلاف الملايين على الدعاية وبناء الحوزات وإطماع ذوي النفوس الضعيفة. إنه السعي الدائب لإقامة امبراطورية فارسية تعيد مجد (قورش) و (دارا).
وأما ما يبدو في ظاهر الأمر أن نجاد يريد إلغاء إسرائيل فيجب على الذين ينخدعون بهذا أن يقرؤوا تاريخ العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية المميزة بالصفقات من وراء الكواليس، وأن يدققوا في استخدام نجاد للمعانات الفلسطينية سلعة في طموحات إيران التوسعية.
ليس غريباً على أمثال هؤلاء أن يجمح بهم الخيال، وتوسوس لهم نفوسهم بأمور بعيدة عن الواقع وقد يصلون إلى قناعة داخلية بأنهم مأمورون من الله برسالة معينة؟! وينقلب الأمر إلى هلوسة نفسية.
يجب أن يعلم هؤلاء أن العجرفة والغرور مؤشرين على بداية التراجع وانكشاف أمرهم داخل بلادهم قبل الخارج، وما فوز الديمقراطيين في أمريكا إلى دليلاً على ذلك.