الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد.
فقد اطلعت على ما نشر في عدد من الصحف حول المطالبة بالأندية الرياضية النسائية، وأن تكون تابعة للرئاسة العامة للشباب، وأن يكون لها المشاركة في الدوري الرياضي النسائي في كرة القدم والسلة والفروسية والتنس وغيرها، وأن مجلس الشورى سيناقش مشاركة المرأة في الدورات الأولمبية القادمة (عام 2010). وقد ذيلت كثير من هذه المطالب بقولهم: "وفق الضوابط الشرعية". أو: " ولا يوجد مانع شرعي من مشاركة المرأة".
ورأيت أن من الواجب الشرعي بيان الحق في هذه المسألة في الآتي:
أولاً: أن إنشاء النوادي النسائية ومشاركة المرأة في الدورات الرياضية المحلية أو الأولمبية محرم شرعاً؛ فمشاركتها من أعظم وسائل مشروع إفساد المرأة، ضمن مخطط دعاة التغريب في إبعاد شريعة الله تعالى عن الهيمنة في بلادنا. فكيف يرضى المؤمن أن يكون معيناً لهم في تطبيع المجتمع على تقبل هذا الانحراف.
المفسدة الثانية: أن مشاركة المرأة فيما ذكر ينافي القرار في البيت الذي أمرها الله تعالى به إلا لحاجة، والدوري الرياضي ليس بحاجة شرعية. قال الله تعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى }(الأحزاب 33). وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان " أخرجه الترمذي بسند صحيح. والشاهد في قوله فإذا خرجت، وهو يفيد أن أول ما يتحقق به ستر العورة هو القرار وعدم الخروج. والمنافقون تعتريهم حالة من القلق والتوتر حين سماعهم لهذه الآية وهذا الحديث.
المفسدة الثالثة: أن مشاركة المرأة فيما ذكر يلزم منه ترك الجلباب الشرعي الذي أمر الله تعالى به في كتابه العزيز، والجلباب هو الذي يسمى بالعباءة أو الملاءة التي توضع على الرأس. قال الله تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً " (الأحزاب 59).
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: " لَمَّا نَزَلَتْ "يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ" خَرَجَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنَ الْأَكْسِيَةِ " أخرجه أبوداود بسند صحيح.
المفسدة الرابعة: أن من لوازم مشاركتها غالباً، وقوعها في الاختلاط المحرم بالرجال، والأدلة على تحريم الاختلاط كثيرة جداً، ومنها:
1. حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت" متفق عليه.
2. حديث ابن عمر رضي الله عنهما - في تحديد باب للمسجد مختص بالنساء - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو تركنا هذا الباب للنساء. قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات " أخرجه أبو داود بسند صحيح.
3. وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: " أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال " أخرجه البخاري. قال ابن شهاب (وهو الزهري): "فأرى والله أعلم أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم".
وفي رواية للبخاري تعليقاً بصيغة الجزم أنها قالت:" كان يسلم فينصرفُ النساء، فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
ثانياً: تذييل المطالبة بمشاركة المرأة في الدورات الأولمبية بقولهم: وفق الضوابط الشرعية، ونحوها من العبارات: نوع من الاستهزاء بالشريعة. وينطلي ذلك على البسطاء والسذج من الناس.
ثالثاً: لا يجوز عرض هذا الموضوع للتصويت في مجلس الشورى؛ لأن التصويت إنما يكون في المباحات أما موضوع الأندية النسائية ومشاركة المرأة في الدوري الرياضي الأولمبي أو المحلي فهو محرم شرعاً لما فيه ذلك من المحاذير الشرعية الظاهرة. والأمر المحرم شرعاً لا يجوز عرضه للتصويت في مجلس الشورى ولا غيره وإلا لكان تشريعاً من دون الله.
ولو فرضنا أن المسألة محل اختلاف بين أهل الاختصاص الشرعي، فلابد من تحريرها ومعرفة الراجح فيها بالدليل من خلال عرضها على ذوي التخصص الشرعي كهيئة كبار العلماء، أو اللجنة الدائمة للإفتاء، أو المجمع الفقهي، أو الأقسام الفقهية في الكليات الشرعية فإذا ثبت حله جاز التصويت عليه. ومن الخطأ البين أن يكون المقرر للحكم الشرعي هم عوام الناس من كتاب الصحف أو غيرهم.
وعليه فإن عرض هذا الموضوع في مجلس الشورى مخالف للشرع، ومخالف كذلك لنظام مجلس الشورى.
رابعاً: أدعو كل من خطت يده، أو نطق بلسانه في نصرة مطالب دعاة الفساد والتغريب أو مناوأة العلماء والمصلحين، أو الاستهزاء بالدين، إلى التوبة إلى الله تعالى، وباب التوبة مفتوح حتى للمنافقين. وأن يتأملوا قول الله جل وعلا: "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً"(النساء147).
خامساً: استعمل بعض المطالبين بتغريب المرأة وسيلة الضغط على المجتمع السعودي بدعواهم أن اللجنة الأولمبية تشترط مشاركة المرأة السعودية لانضمام المملكة للدوري الأولمبي لعام (2010). فلو فرضنا جدلاً صحة هذا الخبر فإنه ليس مسوغاً لمشاركة المرأة، وإني لأتعجب من أقوام يقبلون بضياع الأعراض، وترك أوامر الله تعالى في مقابل المشاركة في الأولمبياد.
سادساً: كل مسلمة رغبت أو دعيت إلى ناد أو دوري رياضي، فلتحذر كل الحذر من المشاركة، وألا تكون طُعماً يَصطادون به وآلةً يستعملونها في معصية الله ورسوله، وعليها أن تقدم الخوف من الله جل وعلا على رغبات النفوس، قال الله تعالى:"وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً" (الأحزاب36).
أسأل الله تعالى أن يحفظنا وأن يحفظ علينا بلادنا ونساءنا بالإسلام والحمد لله رب العالمين.
-------------------
*أستاذ الفقه المساعد بجامعة الإمام