الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد
فيقول الله عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}]التوبة: 71[ ويقول سبحانه عن الفريق المقابل لهم :
{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ]التوبة: 67[ وهاتان الصورتان نراهما اليوم واضحتين ومع ذلك يحاول الملبسون أن يعكسوها، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :(سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة؟ قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) ]ابن ماجه (6304) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1623)[.
وأحسب أن زماننا اليوم ليشهد وبكل وضوح وجلاء قول الله عزوجل في وصف الفريقين ويشهد صدق نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم وإخباره عن ما يدور في زماننا من تلبيس وتدليس وقلب للحقائق وتسمية الأمور بعكس حقيقتها حيث يصدق الكاذب ويكذب الصادق ويخون الأمين ويؤتمن الخائن ويتكلم الرجل التافه في أمر العامة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكما نرى اليوم ونسمع في وسائل الإعلام المختلفة في بلدان المسلمين اليوم من قلب للحقائق وتضليل للناس ومن ذلك رمي بعض أهل العلم والدعوة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بأنهم دعاة فساد وفتنة وإزعاج للناس .في الوقت الذي يصفون أنفسهم بالإصلاح والمحافظة على الأمن وهذا يذكرنا بقول الله عز وجل في المنافقين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} ]البقرة: 12،11[ كما يذكرنا بقول فرعون لموسى عليه الصلاة والسلام: { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} ]غافر: 26[ أما عن نفسه فيقول:{ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} ]غافر: 29[ ففرعون في نفسه مصلح وموسى عليه السلام مفسد .
إذن فهي شنشنة وسنة فرعونية شيطانها واحد في قديم الزمان وجديدة. وإلا فما معنى هذه الحملة الظالمة على صمام الأمان والأمن في مجتمعات المسلمين أعني دعاة الخير والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ونبزهم بصفات هي الصق بالنابزين أنفسهم الداعين إلى الشر والفساد.
إن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم والله أشراف المجتمع ووجودهم منحة ربانية وفضل من الله عظيم إذ بهم تندفع العقوبات وبهم يحمي الله عز وجل أمن الناس في دينهم وأنفسهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم هذه الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة لحفظها وصيانتها .
ويا ليت الذين يتتبعون سقطات أهل الأمر والنهي ويوظفونها في مخططاتهم.يا ليتهم كانوا من الداعين إلى الخير وإلى حفظ أمن الناس في الضروريات الخمس السابقة الذكر إذن لكان الأمر أهون أما إنهم بالعكس من ذلك حيث بان في أفعالهم وأقوالهم أنهم أعداء لأمن الناس في هذه الضروريات كلها فكانوا كما قال القائل (رمتني بدائها وانسلت ) ، ومن كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بحجر .
ونحن نحاكمهم إلى كتاب الله عز وجل لنرى أي الفريقين أحق بوصف الإفساد والفتنه والإخلال بالأمن ؟
أهم الذين يحمون عقيدة الأمة وأمنها من الشبهات والأفكار المنحرفة ويحمون أمن العقول والأخلاق والأعراض من نار الشهوات التي تشعلها القنوات الإفسادية ووسائل الإعلام المختلفة مما يفسد أمن الأعراض والبيوت أم الذين يفسدون عقيدة الأمة بالشبهات والسخرية والاستهزاء ويخربون أمن أخلاقها وأعراضها بالشهوات والإباحية ونشر الرذيلة وإشاعة الفاحشة بين المؤمنين بالحملة المسعورة على المرأة المسلمة وحجابها وعفافها وإخراجها من بيتها ؟
إن الجواب واضح وجلي في كتاب الله عز وجل وذلك في قوله سبحانه { فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} ]الأنعام: 82،81[ وأيضاً في قوله سبحانه {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا} ]النساء: 27[ .
ثم هل هذا هو جزاء أهل الحسبة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر الذين يسهرون على أمن الناس في دينهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم؟
ولماذا لا ينظر في الأخطاء إلا إليهم ؟
إن أهل الحسبة بشر يخطئون ويصيبون وليسوا بمعصومين ولكن العبرة بالموازنة بين الحسنات والسيئات مع أن خطأهم غير مقصود والرجل الفاضل الشريف إذا كثرت حسناته وكثر خيره انغمرت سيئاته في بحر حسناته والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث فكيف وحسناتهم لا تقاس بالقلال وإنما يقاس بماء الغيث والمطر ثم أين هؤلاء المشاغبون هداهم الله من أخطاء بعض المؤسسات والمرافق الأخرى كمرافق البلديات والشرطة والمرور وغيرها أم أنهم كما قال القائل:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا
إذن فلابد أن وراء الأكمة ما وراءها في تقصد رجال الحسبة ومؤسساتها وهذا أمر واضح لا يخفى على أحد وهنا نقول لهؤلاء القوم
يا قومنا : اتقوا الله عز وجل وكفوا أقلامكم وألسنتكم عن حماة الأمن في مجتمعات المسلمين واعلموا أن هذه الدنيا متاع الغرور وإن هي إلا سنوات معدودة تتمتعون فيها مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم تبقى الحسرات وتذهب اللذات ويذهب مكر الليل والنهار قال الله عزوجل: {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ } ]الشعراء: 206،205[.
يا قومنا:ماذا يضركم إذا أنتشر الخير والأيمان وتدين الناس وخافوا ربهم المخافة الذاتية التي تحجزهم عن الشر وبها ينتشر الأمن والأمان بين الناس في ضرورياتهم
يا قومنا :اتقوا يوم يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور وتقفون بين يدي الله عز وجل فيحاسبكم على صدكم عن سبيل الله وسخريتكم من أهل الخير والدعوة والاحتساب فماذا أنتم قائلون وما هي حجتكم التي عليها تتكئون ولا تحسبون هذا بعيدا إنه ليس بينكم وبينه إلا أن تموتوا وتقوم قيامتكم وحينئذ سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
أسأل الله عز وجل أن يهديكم ويجعلكم مفاتيح للخير مغاليق للشر وأن يرزقكم توبة صادقة قبل نزول الموت في ساحتكم حيث لا ينفع الندم ولا تقبل التوبة .
كما أسأل الله عز وجل أن يبرم لهذه الأمة أمرا رشد يعز فيه وليه ويذل فيه عدوه ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنه سميع قريب والحمد لله رب العالمين.