الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن مما لا يخفى على المسلمين في هذه الأيام، تلك الهجمة العنيفة الظالمة التي يتعرض لها إخواننا المسلمون من أهل قطاع غزة في فلسطين، وهي الحملة التي خطط لها ورتب فصولها أعداء هذا الدين؛ من المحافظين الجدد، وساسة البيت الأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية، بالتعاون مع إخوانهم الصهاينة المستعمرين لأرض فلسطين .
فقد نشرت وكالات الأبناء - قبل أحداث غزة الأخيرة - العديد من التقارير التي تحدثت عن مخطط أمريكي صهيوني يهدف إلى عزل غزة عن بقية أرض فلسطين المحتلة، وممارسة الحصار عليها بشتى أنواعه وأشكاله، وتقسيم البلاد هناك إلى معسكرين أحدهما ينعم بالمساعدات الدولية وبالرخاء والأمن وعدم ملاحقة القاطنين فيه، والآخر يحاصر ويمنع من المعونات ويعزل سياسياً، تمهيداً لتصفية حركات الجهاد ورجال المقاومة الشريفة الذين يرابطون في ذلك الثغر العظيم.
ولم يعد هذا الأمر سراً، فهاهي ذي طلائع تلك الحرب الظالمة قد بدت للعيان، وهاهم إخواننا من أهل غزة يشهدون الغارات تلو الغارات، ويمارس بحقهم أقسى أنواع العزل والحصار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وتخرج الطائرات الصهيونية لتغتال من تشاء من أبناء تلك البقعة المباركة، ويستمر مسلسل التجويع وقطع المعونات ومنع التعاملات المالية، حتى وصل الحال بإخواننا هناك إلى وضع مأساوي عظيم، إذ عدمت الأغذية، وانقطعت الأدوية، وحل البلاء، ونزل الكرب، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، فهم في نازلة وضيق ليس لها من دون الله كاشفة.
وإن من أرقى جوانب العظمة في الدين الإسلامي الحنيف ما اشتمل عليه من خصال التآزر والتناصر وإغاثة الملهوف وإعانة الضعيف، وهي من أخص صفات نبي الله ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم- ومن دلائل نبوته، فقد وصفته زوجه خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها- بأنه يصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويكسب المعدوم، ويعين على نوائب الحق، وبمثل هذه الصفات وصف ابن الدغنة أبا بكر الصديق- رضي الله عنه-.
وحال إخوانكم اليوم في غزة وعموم أراضي فلسطين المحتلة حال عظيمة من البلاء، فقد مستهم البأساء والضراء وزلزلوا، وأحاطت بهم الأمم من كل حدب وصوب، ورماهم الناس عن قوس واحدة، وما ذاك إلا لأنهم وقفوا في وجه المحتل الغاصب لأرضهم، وأرادوا نصرة دين الله ورفع راية الجهاد في سبيله، وإحياء هذه الفريضة الغائبة.
ومن الواجب على المسلمين في هذا الشهر الكريم أن يتذكروا حال إخوانهم هناك، وأن ينصروهم نصراً مبيناً، بمد يد العون والمساعدة لهم، كل بما تجود به نفسه، وإن من أعظم مصارف الصدقة والزكاة التصدق على أهل الثغور المرابطين في سبيل الله، والسعي في تفريج كرباتهم، والوقوف معهم في محنتهم، وهو ما نهيب بإخواننا المسلمين كافة أن يفعلوه، وأن لا يحقروا شيئاً من المعروف، وأن يتذكروا حال نبيهم - صلى الله عليه سلم- فإنه كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فهذا من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله، ألا وهو الجهاد بالمال، وقد قدمه الله تعالى في كتابه على الجهاد بالنفس، فهو لا يقوم إلا به.
والدعم ليس مقصوراً على المال فحسب، بل يجب دعمهم سياسياً، وإعلامياً، ونصرة قضاياهم، والتعريف بحقهم في المحافل والنوادي، والسعي الحثيث إلى رفع الظلم عنهم، وكشف ما دهمهم من البلاء، فبمثل هذه الأعمال الصالحة يستدفع الشر والسوء، وتحل البركة وينتشر الخير، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
كما أن الواجب على إخواننا في غزة خاصة وفي فلسطين عامة أن يصبروا على ما أصابهم في سبيل الله، وأن يعلموا كذلك أن البلاء لا ينزل إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة، فإن هذه المصائب العامة لا تكون إلا بسبب الذنوب والمعاصي، ويعف الله عن كثير، فعلى إخواننا المسلمين في تلك البلاد المباركة أن يلجأوا إلى الله بالتضرع، وإظهار الندم والفاقة بين يديه سبحانه، مع الإلحاح عليه في السؤال والطلب، والإكثار من الاستغفار والمناجاة لاسيما في هذه الأيام والليالي الفضيلة، ليكشف عنهم ما أصابهم، ويصرف عنهم كيد عدوهم، وينصرهم على من بغى عليهم، ويمكن لهم في الأرض، ويحمي بيضتهم، ويحفظ بلادهم وديارهم.
ونوصيهم أيضاً بتقوى الله تعالى في السر والعلن، وبالتوكل عليه سبحانه، فهما مفتاح التفريج، قال الله تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدراً". كما نؤكد عليهم ضرورة اجتماع القلوب، والبعد عن أسباب الفرقة والتناحر، فهذا من أعظم أسباب النصر والتمكين، قال الله – تعالى-: "وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا إن الله مع الصابرين".
ولا شك أن الصبر مفتاح الفرج، والنصر مع الصبر، فقد أوذي الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون، فما وهنوا لما أصبهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا، بل صبروا واحتسبوا، حتى أتاهم نصر الله، وفي صحيح البخاري من حديث خباب بن الأرت -- رضي الله عنه- قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة، وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله، فقعد وهو محمر وجهه، فقال: لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله زاد بيان والذئب على غنمه ) .
نسأل الله - عز وجل- أن يرفع الضر والبلاء عن إخواننا وأن يجعل لهم من كل هما فرجا ومن كل ضيق مخرجا وأن يرد كيد الكائدين ويدحر أعداء الدين أجمعين إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .