أنت هنا

التجاوب أو التناغم مع اللبراليين
19 ذو القعدة 1428

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم القائل في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[المائدة/41]، والصلاة والسلام على الهادي الأمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين القائل كما في حديث حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ قلب أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ). صحيح مسلم - (ج 1 / ص 349)، أما بعد:
فإن هذه رسالة بعنوان: (التجاوب أو التناغم مع اللبراليين)، اجتهدت في كتابتها لأمور معتبرة من أبرزها الآتي:
1. ما يراه الراصد من تجاوب فج من شخصيات تحسب على التيار الدعوي والشرعي في بلادنا.
2. اتساع دائرة التجاوب بين الفريقين في الكمية والنوعية.
3. خطورة ذلك التجاوب على الحركة العلمية والدعوية في البلاد.
4. ضعف الصوت الناقد والناصح في هذا المضمار.

وأما أهمية هذه الرسالة فمن أبرزها الآتي:
1. القيام لله تعالى بواجب النصيحة الدينية.
2. الإرشاد إلى خطورة ذلك التجاوب الممجوج.
3. الحد من تفشي هذه الحالة المنكرة.
4. تعزيز دور العلماء والمفكرين الذين يتصدون لهذا التجاوب المقيت.

وكان من المستحسن تقسيم الرسالة إلى ستة محاور:
الأول: حقيقة التجاوب مع اللبراليين.
الثاني: حقيقة المتجاوبين مع اللبراليين.
الثالث: ميادين التجاوب مع اللبراليين.
الرابع: أسباب التجاوب مع اللبراليين.
الخامس: نتائج التجاوب مع اللبراليين.
السادس: حكم التجاوب مع اللبراليين.
السابع: علاج التجاوب مع اللبراليين.
هذا والله المسؤول أن يرشد في هذه الرسالة إلى أوضح طريق , وأن يرد بها ضال المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الكاتب



المحور الأول: حقيقة التجاوب مع اللبراليين.
إن اللبرالية في أقرب معانيها هي: التحرر والخروج عن الثوابث عموماً والثوابت الدينية على وجه الخصوص، واللبراليون في بلادنا هم ذلك الخليط العفن المتجانس نسبياً الذي يمثله فلول قديمة من بقايا الشيوعيين، والعلمانيين، والقوميين، والحداثيين، مع ثلة نفعية تتربص العير لا النفير، وبما أن هذه العصابة الفاسدة لها طروحاتها التي تتفق في إقصاء الدين وعلمائه ودعاته عن الحياة بعامة والدولة بخاصة، والتغيير عبر وسائل مرحلية تتفق والزمان والمكان الذي تعمل فيه، فقد عمدت كمرحلة أولى إلى استهداف الرموز العلمية والدعوية ذات المصداقية العالية والقبول الواسع عمدت وبكل وقاحة إلى استهدافها بالتجريح غير المبرر والاستعداء السافر عليها، للحيلولة بينها وبين الجماهير الغفيرة التي تفيد منها، بمثل مقالة أحدهم المشهورة قديماً في الرد على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله تعالى عليه حيث يقول كبيرهم المأفون عنه: "مشايخنا نرجوا بركتهم ولا نأمنهم على دنيانا" وبمثل تسويدهم الصحف حديثاً في النيل من فضيلة الشيخ صالح الفوزان، وفضيلة الشيخ عبدالله الجبرين، وغيرهم، وبما أن اللبراليين ينطلقون من مواقع إعلامية عدة ولكل وسيلة قراؤها ومستمعوها، وبما أن لكل عالم مهما علا قدرة حساداً ونقاداً بحق وبغير حق فقد كان لا بد لهم من آذان صاغية كما قال الله تعالى: (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [التوبة/47] وقد تمحض من السماعين لهم أفراد تجاوبت معهم في مرحلة أو أكثر، إن تجاوب بعض الشخصيات الثانوية المنسوبة للحركة العلمية والدعوية في بلادنا أصبح حقيقة مشاهدة للعيان كصدى للصوت اللبرالي النشاز، وهي تقل وتكثر من مكان إلى آخر بحسب القرب والبعد من مصادر اللبرالية.

المحور الثاني: حقيقة المتجاوبين مع اللبراليين.
إن المتجاوبين مع اللبراليين ممن ينسب إلى التدين لا يشكلون ظاهرة اجتماعية، بل هم قلة قليلة الآن، بيد إن المتمعن في هذه النوعية من الناس يجد الشريحة الأوسع منهم صغار المعلمين، وأدعياء الكتابة والأدب، والتأريخ، وأن الشريحة الأقل منهم شرعيون وإداريون، ولم أر أو أسمع بشريحة من التجار أو المهنيين، أو نساء محسوبات على التدين من المتجاوبين مع اللبراليين.

المحور الثالث: ميادين التجاوب مع اللبراليين.
المتتبع للحركة اللبرالية في بلادنا يجد أن اللبرالية أنواع وأن اللبراليين تبعاً لذلك التنوع أصناف:
الصنف الأول: لبراليون حرفيون تماماً كنسخة من اللبرالية الغربية الأشد.
والصنف الثاني: لبراليون متدينون أو اللبراليون الجدد.
والصنف الثالث: لبراليون وسط بين الفريقين السابقين.
والصنف الرابع: لبراليون نفعيون بالنكهة واللون فقط.

هكذا يمكن تصنيف اللبراليين في بلادنا والجميع يعمل بما تمليه عليه قناعاته اللبرالية ولكل حضوره وجمهوره والمتجاوب معه، والفاعلون منهم الأصناف الثلاثة الأول، وللفريقين الثالث والثاني قصب السبق، وتتفاوت ميادين التجاوب معهم وهي على النحو الآتي:
التجاوب الأول: تجاوب سياسي.
وأصحاب هذا اللون من التجاوب ناقمون على ما يرونه تردياً للوضع السياسي في بلادنا بعد أن انكشف لهم بما فيه من الظلم والاستبداد والاستئثار بالسلطة والثروات، وقصور أو انعدام اللوائح والأنظمة لبعض مؤسسات الدولة، و رأوا أن الحل الأسرع هو التجاوب مع الفئة التى أخذت بزمام المبادرة وهي اللبرالية واللبراليون مع بعض تحفظات نسبية، وفي هذا الميدان من التجاوب اللقاء الأكبر، ولعل بعضهم آثر جلد الفاجر على ضعف التقي. أو قولهم لنا الغنم وعليهم الغرم، وهنا لا يقف التجاوب عند هذا الحد بل سوف يتعدى لما بعد جرياً علي محبة التغيير والقائمين به، وأعجب التجاوب السياسي تجاوب بعض الساسة مع اللبراليين لما لهم من حظوة عند الإدارة الأمريكية والدول الأوربية.

التجاوب الثاني: تجاوب اجتماعي.
وأصحاب هذا اللون من التجاوب ناقمون على آثار الإصر والأغلال التي فرضت على المجتمع باسم الدين من عادات وتقاليد قبلية واجتماعية، كالتمييز العنصري والطبقية الاجتماعية، والنظرة الدونية للمرأة، والفدادة والغلظة في التعامل مع الآخرين وضعف الحس الحضاري عند بعض المتدينين والدعاة، كل ذلك عبارة عن مدخل للتجاوب الاجتماعي مع اللبراليين، تبعه تبني طروحات جريئة للبراليين حول المجتمع المدني، وحقوق المرأة، ورفع الوصاية الدينية عن المجتمع جملة أو الوصاية بمذهب واحد كدعوتهم لرفع الوصاية الوهابية عن المجتمع وغيرها من الطروحات الاجتماعية .

التجاوب الثالث: تجاوب ثقافي وأدبي وتأريخي.
وأصحاب هذا اللون من التجاوب غالبهم من ذوي الميول الثقافي والأدبي والتأريخي على تفاوت في القوة والضعف بينهم إلا أن القاسم المشترك بينهم هو غلبة النزعة العقلانية، والاهتمام الزائد بالنتاج الإنساني مع ضعف التأصيل الشرعي، وبتطوافهم في جنبات النتاج الثقافي والأدبي في بلادنا ووفقاً لمقاييسهم العقلانية وقواعدهم الشرعية المضطربة والقاصرة أعرضوا عن النتاج الثقافي والأدبي المحمود واستحسنوا بعض قبائح الحداثيين، باسم التجديد والإبداع والعصرانية والعقلانية، فلما حصل التجاوب بين الفريقين كان من لوازمه الدفاع عن اللبراليين ابتداء ثم تبني أفكارهم انتهاء مع بقاء بعض رسوم التدين عليهم، وفريق آخر من المتطفلين على الثقافة والأدب والتأريخ أظهر بواكير نتاجه الهزيلة على استحياء فلما وجد فيها اللبراليون صبغة أقل من القليل مما قد ينمى لصالحهم أسبغوا عليه من الثناء والمديح ما دغدغ عواطفه المتحرية لمثل هذا الإطراء والمديح الذي لم يجده عند العلماء والدعاة الربانيين فسارع فيهم وتجاوب معهم انتظاراً لنعتهم إياه بالكاتب الكبير والمبدع القدير ومن سمات هؤلاء المتجاوبين تلمس المتشابه واتخاذه طروحات في مقاعد الدرس وغيرها .

التجاوب الرابع: تجاوب ديني.
وأصحاب هذا اللون من التجاوب ناقمون حاقدون على العلماء والدعاة الذين يخلفونهم في مفردات علمية وأخر من فقه الدعوة وطرائقها وأدبياتها مما لم يظفر الناقمون بسعادة الدليل فيه، أو أن الدليل محتمل والخلاف فيه سائغ بين العلماء الربانيين، إلا أنهم لضيق العطن ورداءة التفكير يضيقون الواسع ويوسعون الضيق، ويسطنعون العداوات، لما يروا من قبول وانتشار لدعوات غيرهم مع قلة الناصر لهم، بسبب ضعف مكانتهم العلمية، أو الدعوية التي لم تمكنهم من الجماهير، أو أن مكانتهم العلمية والدعوية قد سقطت، أو قل الناصر لنوعية منهم بعد أداء الدور المراد منهم، فلما أدرك هؤلاء الناقمون الحاقدون ضعفهم، وقوة نفوذ اللبراليين في الوسط الإعلامي، وقربهم من موطن صنع القرار حدث نوع من التجاوب بين الفريقين بما يمكن من الصد أو الحد من نفوذ العلماء والدعاة الآخرين، وكان من أعاجيب التبريرات الآتي:
1. أن العلماء والدعاة المخالفين لهم يجرون المجتمع للتطرف والإرهاب وأهل هذا الرأي هم غالب المتجاوبين تجاوباً دينياً.
2. أن العلماء والدعاة المخالفين لهم مخالفون لطاعة ولى الأمر.
3. أن هؤلاء العلماء والدعاة بتلك المخالفة بزعمهم مبتدعة، واللبراليون عبر مذهب الإرجاء الذي يروجون له غاية ما يقال فيهم أنهم فسقة، والفاسق ترجى توبته خلافاً للمبتدع، فهم يدفعون بالفسقة في نحور المبتدعة.
4. أن العلماء والدعاة المخالفين لهم أقل مصداقية من اللبراليين في طروحاتهم الدينية.
وبالمقاربة والملامسة توسع التجاوب بين الفريقين مرة بعد مرة مما لا يمكن تحديده بحد.

التجاوب الخامس: تجاوب نفعي.
وأصحاب هذا اللون من التجاوب شخصيات نفعية وصولية ذرائعية، لا تتورع في ركوب أي وسيلة موصلة إلى الشهرة، والمناصب، والمال، وغيرها من الدنيوية، ما دام أنها تحقق لهم أهدافهم القذرة، وهم مزودون بحاسة دقيقة في معرفة من له الموجة والنفوذ الواسع عند الحكام والأمراء وأصحاب الرياسات، مهما كان قربه وبعده عن الدين، وحيث إن اللبراليين في هذه الفترة لهم النفوذ الأكبر حرصوا على التجاوب معهم،والتظاهر بالتعاطف مع اللبرالية حقيقة أو تقية للبقاء في مناصبهم أو للارتقاء في مناصب أو مصالح أخرى، فيظهرون على الساحة باسم دعاة التسامح ونبذ العنف والتطرف ومحاربة الإرهاب، وقبول الحوار والطرف الآخر، وقبول الرأي والرأي الآخر وهكذا، وهذه الشخصيات النفعية لها القدرة الفائقة أو تعتقد أن لها القدرة الفائقة في التلون وأرضى جميع الأطراف العاملة في الساحة ضماناً للغد القادم ، زاعمين أن هذا التجاوب من باب المداراة لا المداهنة حفاظاً على مصالح المسلمين وحراسة للدين وصدق الله تعالى حيث يقول: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ). [آل عمران/152].

المحور الرابع: أسباب التجاوب مع اللبراليين.
للتجاوب مع اللبراليين أسباب عدة وهي على وجه الإجمال كالآتي:
السبب الأول: تراجع خشية الله تعالى في القلوب.
السبب الثاني: الجهل بمقاصد الدين وقواعده الكلية.

السبب الثالث: الافتتان بالشعارات البراقة التي يرفعها اللبراليون والتي في بعضها شيء من الصالح العام مثل: العدل والمساواة والحرية واحترام المال العام، ومحاسبة الرئيس والمرؤوس، وإيجاد مؤسسات المجتمع المدني، والدعوة إلى إنشاء جمعيات تدافع عن حقوق الإنسان الفكرية والإنسانية، وحقوق المرأة، والحفاظ على الثروة وتوزيعها العادل، والدعوة إلى انتخابات حكومية تمثل الشعب بأطيافه، ومحاسبتها عن كل صغيرة وكبيرة، والدعوة للشفافية، والقضاء على الفساد الإداري والمالي، وتطوير التعليم، وغيرها .

السبب الرابع: العقيدة الراسخة لديهم بأن الدين مسيس لصالح الدولة، وأنها تستخدمه أحياناً لتخدير الشعب حتي يعيش أفراده للآخرة ويدعون الدنيا لهم.

السبب الخامس: الزعم بأن العلماء والدعاة يكرسون ظلم الحكام وجورهم، واستئثارهم بالسلطة والثروات .

السبب السادس: الهوى والميل للشهوات. كما قال تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا).[النساء/27]

السبب السابع: الإعجاب باللبراليين والإكبار لهم. كما قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ). [المنافقون/4]). وقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)).[البقرة/204-206].

السبب الثامن: إتباع المتشابه من أي القرآن الكريم ونصوص السنة المطهرة وضرب بعضها ببعض، ومحاكمة النصوص الشرعية محاكمة عقلية، كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ). [آل عمران/7]

السبب التاسع: ردات فعل لمواقف دعوية لم يكتب للداعية التوفيق في إنجاحها.

السبب العاشر: الحرص الشديد على تحقيق منافع شخصية كمحبة الشهرة والظهور والجاه، والمال، يمكن تحقيقها عبر التجاوب مع اللبراليين.

السبب الحادي عشر:اللحاق بركب التنوير والعصرانية، والواقعية والعقلانية، وصدق الله تعالى حيث يقول: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا). [النساء/51].

السبب الثاني عشر: الدفع باللبراليين في وجوه العلماء والدعاة الصادقين الناصحين المخالفين لمناهج المتجاوبين، بقصد الحيلولة بين العلماء والدعاة الصادقين الناصحين وبين المجتمع أو الحد من نفوذهم.

المحور الخامس: نتائج التجاوب مع اللبراليين:
يدرك أصحاب البصيرة أن التجاوب والتناغم مع اللبراليين ممن يحسبون على التدين له نتائجه المذمومة، والتي يمكن تقسيمها إلى قسمين:
القسم الأول: نتائجه على مستوى الفرد المتجاوب مع اللبراليين، وهي كالآتي:
1. البعد عن المنهج الحق الذي ارتضاه الله تعالى ورضيه لعباده والذي من شأنه تعريض من أعرض عنه إلى التردي دركات في الزيغ والضلال بعد الهدى، كما قال تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ). [الصف/5].

2. الوحشة والضيق والضنك الذي يجده المتجاوب مع اللبراليين في قلبه، والذي أحدث له أنواعاً من الأمراض النفسية، كالكأبة والشعور بالعزلة وغيرها، وصدق الله تعالى حيث يقول: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى). [طه/124- 127].

3. العدوانية الفكرية والنظر إلى العلماء الربانيين والدعاة الناصحين بالدونية، التي من شأنها حمل المتجاوب مع اللبراليين على سلاطة اللسان والقلم لكل من خالف رأيه فهو لا يتورع من ترتيب الأحكام الجائرة والأوصاف الفجة على من خالفه أو أراد النصح له.

4. الاشتغال بسفاسف الأمور دون مكارمها، مع ضعف النتاج العلمي والمهني النافع للفرد نفسه وللجماعة .

القسم الثاني: نتائجه على مستوى الجماعة، وهي كالآتي:
1. القدوات السيئة التي يمثلها المتجاوب مع اللبراليين في المجتمع، بما يحدثه من بلبلة فكرية تزعزع القناعات في أحكام المسائل الراجحة.
2. تعطيل المجالس والنوادي واللقاءات من النافع وإشغال الناس بما لا يعود عليهم بالفائدة لا في دينهم ولا في دنياهم.
3. المساهمة في إسقاط مكانة العلماء والدعاة من قلوب المجتمع، وهدر حقوقهم، والنيل من مصداقيتهم، وإغراء السفهاء بهم.
4. المساهمة في تراجع أفراد من المجتمع عن المساهمة الفاعلة في مسيرة الحركة العلمية والدعوية في بلادنا.
5. المساهمة في استعداء الحكام على العلماء الربانيين والدعاة الناصحين.
6. إشغال العلماء الربانيين والدعاة الناصحين بعداوات جانبية، استغلها اللبراليون لتمرير مخططاتهم.

المحور السادس:حكم التجاوب مع اللبراليين:
يحرم التجاوب مع اللبراليين مطلقاً، لأنه إما أن يكون تجاوباً فيما ظهر مخالفته للدين، أو تجاوباً غلب على الظن مخالفته، أو تجاوباً يخشى إن يكون ذريعة للمخالفة الدينية، وكل ذلك دائر ضمن التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله تعالى عنه بقوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). [المائدة/2].

المحور السابع: علاج التجاوب مع اللبراليين:
التجاوب مع اللبراليين داء من الأدواء التي يمكن معالجتها بالحكمة والموعظة الحسنة، لمن أراد الله تعالى به خيراً، ومن تلك المعالجات يمكن الآتي:
1. محبة هدايتهم والحرص عليها.
2. الإفادة من تجارب العلماء السابقين الذين تصدوا لمثل هذا التجاوب في البلاد الإسلامية، كمصر والشام والمغرب العربي ودول الخليج.
3. عدم اليأس من استجابتهم ورجوع جملة منهم للحق.
4. توطين النفس على قبول ما معهم من الحق.
5. العدل والإنصاف في التعامل معهم.
6. الترفق بهم واستصحاب المداراة لا المداهنة معهم.
7. التفريق بين اللبراليين الأصليين وبين المتجاوبين معهم، من حيث الطرح وأهدافه.
8. معرفة نفسيات المتجاوبين مع اللبراليين وعلاج كل حالة على حدة بما يصلح لها.
9. الوقوف مع الشريعة عند تعارضها مع مصالح الساسة والكبراء.
10.عدم المجادلة والمخاصمة عن الأنظمة القمعية والاستبدادية، وإن كان أخف الضررين بقاؤها.
11.التركيز الشديد على مثالب اللبراليين التطبيقية وازدواجية المعايير في تعاملاتهم، كمن أصبح تبريرياً للدكتاتوريات في البلاد الإسلامية.
12. فضح علاقات اللبراليين مع الكيانات الاستعمارية، وانصرافهم عن قضايا الأمة المصيرية.
13. تعرية اللبراليين من الوطنية التي يزعمون ويتشدقون بها، والإبانة عن سعيهم الحثيث للتغيير التغريبي على الطريقة اللبرالية العراقية.
14.التركيز في الحوارات معهم على معرفة معاقد الأدلة وتنوعها وطرائق استخداماتها.
15. البعد كل البعد في الطرح الدعوي عن الخيالات والقصص الخرافي، والمبالغات التطبيقية، وكثرة النوادر، والتندر بالمرأة، وأصحاب المهن، والجنسيات .
16. تحرير المسائل الفقهية المطروحة في الساحة من الغلو والتجاوز إن وجد.
17. الأخذ بزمام المبادرة في كل ما من شأنه تحقيق العدالة المطلقة، والمساواة المشروعة، والحرية المنضبطة بالضوابط الشرعية، والدعوة لاحترام المال العام وترشيد استهلاكه، والحفاظ على الثروة وتوزيعها التوزيع العادل، ومحاربة الفساد المالي والإداري، ومحاسبة الرئيس والمرؤوس، وإيجاد المؤسسات الاجتماعية التي ترعى مصالح الناس، وحقوقهم الشرعية، وحقوق المرأة على وجه الخصوص، وتطوير التعليم التطبيقي ودعم مؤسسات البحث العلمي بما يمكن من القوة.
18. تحرير الدين وإعلان براءته من الظلم والجور، والاستئثار بالسلطة والثروات .
19. الدعوة إلى عمارة الأرض بالنافع والإفادة من تجارب الإنسانية المحمودة.
20. البراءة وإعلان النكير على العلماء والدعاة الذين يكرسون الظلم والجور، والاستئثار بالسلطة والثروات .
21. الإفصاح بشدة عن مفردات النظام السياسي في الإسلام ومحاسنه، والدعوة إلى حق الأمة في البيعة لمن توافرت فيه شروط الإمامة وانتفت موانعها عن رضاً واختيار.
22. أن يحرص العلماء والدعاة على التعامل الحضاري مع الحياة بعامة .
23. التفريق بين الفتيا والورع عند الطرح، مع التوسط في باب المصالح والمفاسد وسد الذرائع، فلا يضيق ما وسعه الشرع، ولا يحمل الناس كلهم على العزائم ما دام في الأمر فسحة.
24. تشجيع القدرات الثقافية والأدبية على القيام بواجبها، والمساهمة في تذيل الصعاب التي تواجهها.

هذا بعض ما تيسر في هذا الباب الذي أعلم أنه بحاجة إلى مركز بحث متخصص يجلي الحقيقة كما هي ويدفع غوائلها عن الأمة، ولعلها خواطر تفتح الباب أمام الغيورين من إخواني، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ). [يوسف/21]. وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على الهادي الأمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.