أي إسلام يريدون .. والمزايدة على المقدس .. !؟
16 جمادى الأول 1424

قرأت التعليق الساخن الذي تفضل به الأخ د. محمد العتيق في هذا الموقع تحت عنوان ( الذين يزيدون النار اشتعالاً : أي إسلام يريدون ..!؟ ) ولم أعلم به إلا متأخراً , حيث جاءني عبر البريد الإلكتروني , ثم سافرت بعد ذلك , وعموماً التأخير في الرد يساعد على الهدوء أكثر، ويتيح لنا البحث عن الصورة الحقيقية للواقع الذي يحاول مثل هذا العنوان الصارخ ( أي إسلام يريدون؟ ) حجبها , ولعلها فرصة مناسبة لإزالة بعض الأوهام طالما أننا سنقدم حسن النية في كلام الأخ وأمثاله ، وبما أن اسمي أشير له بذلك التعليق في الهوامش , فلعله من أبسط الحقوق أن يتيح لي الإخوة التعقيب في الموقع نفسه الذي جاء فيه التعليق . <BR>لا أستطيع الوقوف عند كل ما جاء في ذلك التعقيب الساخن والبحث عن قراءة لما يتضمنه من منهج غير منصف في تحديد مكامن الأخطاء الشرعية التي يدعيها، لكنها لمحة موجزة، ولدي الاستعداد لأي حوار علمي مكتوب أو مشافهة مع الأخ أو غيره , ومن واجبهم أن يدلونا على الحق الذي عرفوه وخفي علينا .<BR> <BR>* هناك درجة من التدليس إذا قدمنا حسن الظن أو أنها من عدم الدقة الموضوعية في النقد , فالكاتب ربما يوهم القارئ بأن عريضة التهم الدينية التي قدمها لها وجود حقيقي ، ويبدو أن الخلط بين موضوعين ومقالتين لكاتبين ,أيضا الحديث عن ظاهرة فكرية جديدة في الساحة مع موضوع العنف أحدث هذا القدر من التجني والتساهل في حساب الكلمة حتى من الناحية الشرعية ، ولست هنا مدافعاً عن أي فكر أو تيار , وإنما سأبحث عن الحقيقة حول ما كتبه الأخ واتهاماته الكبرى، سواء جاءت بصورة مباشرة أو مبطنة، وأنا أطالبه أن يحدد مكان هذه الأخطاء الشرعية في كل ما كتبت ليس في المقالة المشار إليها وإنما في كل ما كتبت في السنوات الماضية . يقول الكاتب: " يندفع قائلوها لا بهول الصدمة فحسب، بل جراء مخزون متراكم من أفكار وملاحظات ذات طابع شخصي في بعضها لما يدور في المجتمع من ممارسات وتطبيقات طرحت أسئلة في عمق المخزون الفكري والعقائدي للمجتمع. <BR>وطرحت تساؤلات بدأت في التطبيقات الفرعية للممارسات الدينية لأبناء المجتمع، ولم تلبث طويلاً حتى تناولت المسائل الكبرى في الدين؛ كتحكيم الشريعة، والجهاد، وكالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا أدري هل قرأ الكاتب فيما كتبت أي تشكيك في هذه القطعيات في الدين , وليحدد أين وجدها ..!؟ <BR>* حاول الكاتب أن يعالج موضوع أحداث سبتمبر بصورة ساخرة " إن بعضا ممن كتب جعل من أحداث 11 سبتمبر صنماً يحتكم إليه في النظر إلى الأحداث حتى الساعة، فمصيبتنا أننا جميعا لم نبك على ضحايا سبتمبر، ومصيبتنا وأصل الداء فينا أننا لم نقدم تعازينا لبوش وقومه " مثل هذا الحديث مغالطة كبرى , وأنا طرحت وجهتي نظري في الأحداث منذ الأسبوع الأول , وفي مقالات متعددة ولم يكن طرحي في هذا الشأن يناسب الذائقة الصحوية , وأيضاً الاتجاه الرسمي في البدايات، حيث انخرط الأغلبية بما فيهم الكتاب الرسميين في الدفاع والتشكيك في التهم الموجهة لنا، ويستطيع الكاتب أن يتفضل علينا في تحديد الخطأ الذي كتبناه دينياً أو سياسياً أو ثقافياً، ويمكن أزوده بالمقالات إن أراد ذلك، والآن نحن نواجه ما حاولنا التلاعب به في السابق ,أصبحت الفكرة داخل بيوتنا , واستنكارنا يوماً لم يكن على الدماء الأمريكية بقدر ما كان على تأثيره على الإسلام وتأثيراته السلبية في السياسة والاقتصاد والمقاومة، وأن يفتح لغزو العالم الإسلامي وهذا ما يحدث , وابن لادن ومن حاول مجاملته سابقاً والآن .. ليسوا أبرياء من هذه الكوارث التي وصلنا إليها . يقول الكاتب: " لا ندري إلي أين سيصل بنا خطاب دعاة( التنوير) - كما وصفتهم إحدى المجلات اللندنية مؤخراً- الذين يريدون وأد أو تمييع مفاهيم الولاء والبراء والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أي إسلام يريدون ؟ وما الذي يمكن أن تنتهي إليه عقولهم .." لا أدري حقيقة من أين جاء بهذه التهم؟ وهل فعلاً تكلمت عن حقيقة الأمر بالمعروف وشككت فيه؟ , وهل الولاء والبراء تحدثنا عنه وميعناه؟ ثم يقول لا يدري إلى أين تنتهي عقولهم .. هذه المسألة أكثر غرابة شرعاً وعقلاً , وهل أنت تدري إلى أين سينتهي عقلك، وماذا سيختم لك به؟ أما حكاية التنوير فلست من أنصار الشعارات ، هي مجرد مصطلحات بشرية ليس بالضرورة تعبر عن واقع حقيقي , فمن الممكن أن ندعي التنوير ونكون ممن يبعث الظلام الفكري , ومن الممكن أيضاً أن ندعي اتباع السلف ونحن في الواقع نسيء لهم بطرحنا وفكرنا، وما كتبته في مقالاتي ليست وليدة تطورات لحظية , وملاحقة موضات فكرية لتقليد هذا التيار أو ذاك , وأنا قد تعمدت ألا أكتب في سن مبكرة في الصحافة تجنباً لمثل هذه المراهقات التي نراها ورأينها حتى من طلبة علم ومشايخ في توريط مجتمعنا بأفكار التطرف، وأنا لست مسؤولاً عن أي تيار أو مجاملة أي رمز ديني أو غيره . أكتب ما أرى أنه صواب ووصلت قناعتي العلمية له , ولدي الاستعداد عن التراجع عن أي خطأ , فلم أفكر يوماً بصنع جماهيرية , وطريقها سهل وأعرف كيفية تحقيقها .<BR> <BR> تحدث الأخ في بعض المقاطع عن مستوى الإدانة لأحداث العنف، ففي اختزال عجيب يرى الكاتب أن البيانات الفكرية والسياسية ليس لها أن تخرج عن بروتوكولات رسائل التعازي، فإن خرجت عن ذلك فهي نوع من الانتهازية وسوء الأدب . إن البحث وطرح الأسئلة له إطاره المنهجي والعلمي الذي لا يقوم الحق إلا به، أما أن تكون المسائل الكبرى موضوعات لمقالات صحفية عابرة ( تسلق ) فيها القضايا ( سلقا ) ثم ينتهي الأمر عند هذا الحد فهذا ما لا يمكن القبول به .<BR>هنا كلام عام يصلح لأي موضوع كمقدمة لمن يريد التظاهر بالعلمية، حيث يكفي أن تكرر الرفض للاختزال وادعاء أن ما يطرحه الآخر مجرد سلق للموضوعات ، لقد كنت أطرح وجهة نظري في أدب وأخلاقيات الإدانة , ولم أكن أكتب عن نظريات كبرى ومسائل عظمى في تلك المقالة, ثم إن البيانات التي أدنت طريقتها لم تكن في مجلدات ومراجع ضخمة، فهي الأخرى لم تكن أطول بكثير من هذه المقالة أو غيرها.<BR> هذا مجرد تنبيه حتى لا نقع في التهويل والمبالغات , والمقال من الوضوح بحيث لا يستحق هذا التباكي على الحقيقة، وجعله مدخلاً لكل هذه الحسابات التي أتحفنا بها الأخ في هذا التعليق، فالمقال كان يتحدث عن أهمية أن يكون لكل مقام مقال .. وعندما ذكرت مثال التعازي والتهاني، وقد أشرت فيه أنها لتقريب الفكرة وليست هي الفكرة ذاتها .. لهذا رفضت التحفظ والدخول في شرح الأسباب والمبررات، ولم أرفضه مطلقاً، وإنما قلت: يمكنه وضعه في مكان آخر تحت دراسات وتحليل يقول فيه المرء ما يريد، فالمسألة كانت وجهة نظر في التبويب، والصياغة التي لم يوفق لها البعض، ليس بالضرورة أن يكون رأيي صائباً , لكن ليس هناك قطعية في صحة رأي الرموز العلمية والدعوية التي جعلتك تكتب مثل هذا التعليق الساخن وكأننا أسأنا لهم ..!<BR>كانت النقاط السابقة بعضاً مما ورد في ذلك التعليق الساخن من أخي محمد , ولست هنا أكتب من أجل البحث عن تحسين سمعة , والدفاع عن الذات بقدر ما أريد التنبيه على أن النقد الذي يقل فيه الذوق الشرعي قبل العلمي هو أزمة _مع الأسف- تلبس بها قطاع من المحسوبين على التيار الإسلامي، وكنا نأمل أن يكونوا هم الأنظف في هذا الشأن .<BR>ليست المشكلة أن يرى البعض خطأ كل ما أكتبه، وجميع وجهات النظر التي أقدمها في الشأن السياسي والثقافي والإعلامي، فهذا من حقهم ويجب علينا أن نتقبله ونستفيد منه، لكن الشيء غير المفهوم هنا أن يحاول البعض دمج فكرته بالمقدس والمزايدة عليه، ويضع نفسه في مقام الدفاع عنه ومحاولة التشكيك في الآخرين بمثل تلك الأسئلة الفضفاضة، فيأتي الصراخ أي إسلام يريدون؟! <BR>الكتابة أمانة والبعض لا يستطيع مخالفة رموزه الفكرية والعلمية , وقد يكون ذلك مبرر له شرعاً حيث يسعه التقليد والمتابعة؛ لأنه يجهل بعض التفصيلات، وليس لديه المقدرة على الاجتهاد , لكن هذا لا يجب تعميمه، وعندما نخطئ بعض الرموز فهذا لا يعني أن إسلامنا أصبح مشكوكاً فيه , ولا يعني أننا ضد هذه الرموز، وأننالا نحترمها، وإنما هذه الرموز يجب عليها تشجيع النقد وتقبله , وإذا كنا نعيب على المثقف ألا يكون مستقلاً يجامل الرموز السياسية كمرتزق، فإن اتباع الرموز العلمية والدينية بدون تمحيص وبحث عن الدليل لا يقل خطراً، والتحذير النبوي في تفسير آية التوبة في اتخاذ الأحبار والرهبان أرباباً ِمن دون الله يوضح ذلك ..<BR> والله الموفق ...<BR><BR><br>