كان الدستور الإيراني الذي سبق الثورة يتضمن نصاً يصف الشاه السابق بأنه حامي المذهب الجعفري في العالم (مع العلم أنه كان بهائياً في عقيدته ومنهجه) واستناداً إلى هذا كان يتدخل في شؤون الحوزة الدينية للشيعة في النجف فيبعد عالماً من علمائها ويقدم آخر.<BR>مثال ذلك: عندما توفي المجتهد في إيران (البروجردي) الذي كان الشاه متضايقاُ من اعتراضاته وتدخلاته في شؤون الدولة، قام الشاه بتعيين آية الله محسن الحكيم في النجف مرجعاً للشيعة، بأن أرسل إليه برقية تعزية بوفاة البروجردي، وكان هذا إشارة منه بأن الحكيم أصبح مرجعاً للشيعة في العالم.<BR>ومنذ ذلك التاريخ جرت العادة بتعيين مرجع الشيعة في النجف بهذا الأسلوب، وعندما قامت الثورة في إيران ورفعت شعارات وحدة المسلمين، والسعي لتحقيق وحدتهم السياسية، وعدم التمييز بين الشيعة وأهل السنة، وصدر الدستور الإسلامي يحمل هذه المعاني توقع المسلمون أن إيران ستنهج نهجاً جديداً يختلف عن نهج الشاه، ولكنهم أصيبوا بخيبة أمل عندما علموا أن إيران الثورة خانت الشاه في التدخل في شؤون العراق الداخلية وتحيزها للشيعة وإثارتها للطائفية.<BR>لقد كانت صدمتنا شديدة عندما قمنا بزيارة إيران في عهد الثورة يرافقنا (سفير إيران في لبنان) محمد صالح الحسيني، الشاب المعتدل الذي أكمل دراسته في جامعة بغداد، واختلط بالجامعيين السنة، وتأثر بهم كثيراً، إذ استقبلنا في مطار طهران مع مجموعة من الحرس الثوري الذين بدؤوا يسألوننا عن مذهبنا، وهل نحن شيعة أم سنة، فأحرج السفير وذاب خجلاً، وكان ممن شاركوا في الثورة، وحاول تهدئة الخواطر معتذراً أن الثورة حديثة عهد لا تزال الرواسب التاريخية موجودة فقبلنا الاعتذار على استحياء.<BR>كانت زيارتنا تهدف إلى مباركة القائمين على الثورة، بعد أن رفعت شعارات الوحدة بين المسلمين، ثم التداول على تشكيل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، إلا أننا فوجئنا أن الإيرانيين يشترطون أن يتكون المجلس من خمسة عشر قيادياً يرأسه باقر الحكيم ابن مجتهد الشيعة السابق، الذي عينه الشاه بالطريقة المشار إليها، وقد حجزت خمسة مقاعد لأهل السنة في المجلس المقترح مقابل عشرة للشيعة وأكثرهم كان من جملة الجنسية الإيرانية، فرفضنا المشاركة على هذا الاختيار الطائفي، وقلنا لهم: إن عملية الفرز الطائفي لا تخدم الإسلام، وإنما سيكون بداية للخلاف والاحتراب بين المسلمين، وستتحمل الثورة مسؤولية ذلك.<BR>وأضفنا: إننا نقبل أن تكون قيادة المجلس من الشيعة على ألا يكونوا طائفيين، وأن يكون المجلس عراقياً، وإذا تم ذلك فسنؤيد المجلس ونبارك له عمله من دون الاشتراك في قيادته، إلا أن الإيرانيين أصروا على التكوين الطائفي للمجلس الذي تحول إلى أسير لهم، إذ كانت لا تعقد اجتماعاته إلا بحضور من يمثل الاطلاعات (أي: المخابرات) الإيرانية الذي كان الحكيم لا يتكلم كلمة ولا يبدي رأياً إلا بعد أن يستلم إشارة من مندوب المخابرات.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4"> موقفهم من محمد باقر الصدر وتسببهم غير المباشر في قتله: </font><BR>عندما قرر السيد باقر الصدر التصدي لحكم صدام حسين، أعلن الوحدة بين السنة والشيعة، وأصدر بيانه المشهور مخاطباً العراقيين بأنهم أتباع علي وعمر – رضي الله عنهما – غضب عليه الإيرانيون، وأخذوا يتعرضون له بالسر ويتهمونه بالتقرب إلى أهل السنة ومساواتهم بالشيعة، وهناك من أتباعه من يتهمهم بأنهم كانوا وراء قتله من قبل صدام بإرسالهم الرسائل إليه تحرضه على الثورة على نظام حكم صدام الذي عدها دليل إدانة له اتخذها ذريعة لقتله.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4"> مقتل مهدي الحكيم: </font><BR>مهدي الحكيم هو الابن الأكبر للسيد محسن الحكيم (المرجع الشيعي في النجف)، فقد قامت المخابرات العراقية باغتياله عندما كان في السودان، وقد أرسلت إيران هيئة تحقيقية من الإيرانيين للتحقيق في مقتل المذكور لكي تؤكد هيمنتها على العراق، ولم يجرؤ المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق على إرسال مندوب عنه للمشاركة في التحقيق، مع العلم أن رئيس المجلس هو أخ شقيق للسيد مهدي الحكيم.<BR><BR><BR><font color="#0000FF" size="4"> فيلق بدر: </font><BR>قام المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بتشكيل ما يُسمى بفيلق بدر بتوجيه من الإيرانيين ليكون درعاً حصيناً وقوة فاعلة للمجلس المذكور، وقد قام الحرس الثوري الإيراني بتدريبه على مختلف أنواع الأسلحة تدريباً عالياً، وقد تكون هذا الفيلق من المهجرين العراقيين الذين هم من أصول إيرانية، وكذلك أسرى الحرب العراقيين الشيعة فقط، وأبعد السنة من الدخول فيه لكيلا يطلعوا على أسراره ونواياه وما يطرح فيه من أفكار وثقافات طائفية.<BR><BR><BR><font color="#0000FF" size="4"> باقر الحكيم وفيلقه على الحدود العراقية: </font><BR>اجتاح صدام الكويت بضوء أخضر من أمريكا، وبعد وقوعه في المصيدة، جندت أمريكا بعض دول العالم لإخراجه من الكويت، إضافة إلى تحريض الشعب العراقي في الثورة على النظام عن طريق وسائل الإعلام، وكذلك رمي ملايين المنشورات تدعو الشعب على الثورة والانتفاضة على الحكم، وبالفعل استجاب الشعب العراقي المسكين لهذا الخداع الصليبي، وأثناء الانتفاضة هيأت إيران على حدودها فيلق بدر مع رئيس مجلس قيادة الثورة ليدخلوا العراق حاملين معهم سلاحهم ومئات الآلاف من صور الحكيم، مطالبين به رئيساً لجمهورية العراق.<BR>ولكن أمريكا مثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر، فلما خرج الشعب العراقي منتفضاً سمحت أمريكا بموجب اتفاقية خيمة صفوان لصدام باستخدام كافة أنواع الأسلحة بما فيها الطائرات السمتية لإجهاض الانتفاضة بعد هزيمتهم في معركة (أم المهالك).<BR><BR><BR><font color="#0000FF" size="4"> بيان شيعة العراق الصادر في لندن: </font><BR>بتشجيع من إيران صدر بيان الشيعة العراقيين في لندن، يتضمن المطالبة بأن ينص الدستور العراقي الجديد على أن الشيعة هم أكثرية الشعب العراقى، وكان ممن وقعوا عليه الدكتور موفق الربيعي والدكتور إبراهيم الجعفري، والأخير عضو في مجلس الحكم القائم في العراق والمعينين من قبل المحتل الأمريكي، وهذا النص لا يوجد له مثيل في دساتير الدول إلا في الدستور الإيراني الذي يشترط أن يكون مرشد الثورة ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشورى من أتباع المذهب الجعفري الذي هو المذهب الرسمي في إيران.<BR>وقد لاقى هذا البيان الذي جرى التوقيع عليه من قبل مائة عراقي استنكاراً من قبل الشيعة العراقيين، واتهموا القائمين عليه بأنهم مدفوعون من قبل إيران، كما استنكره السيد محمد حسين فضل الله، وحذر من نتائجه خارج العراق إذ إن أي قلب طائفي للشيعة في العراق سيدفعون ثمنه في الأقطار الأخرى، وسيعطي الذريعة لغيرهم التعامل معهم تعاملاً طائفياً، خصوصاً في البلاد التي يمثلون فيها أقلية بين السكان.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4"> زيارة مقتدى الصدر لإيران: </font><BR>المذكور هو ابن محمد الصدر العالم الشيعي الذي اغتاله صدام في العراق، وبعد غزو أمريكا للعراق تصدى لهذا الاحتلال، وحمل شعار المرجعية الناطقة، رداً على مرجعية (علي السيسياني) الإيراني الأصل والتي سماها بالمرجعية الصامتة، فسبب لهذه المرجعيات إحراجاً كبيراً في صفوف الشيعة.<BR>وكذلك اتُّهم المذكور باغتيال السيد عبد المجيد الخوئني (وهو ابن مرجع سابق) لتعاونه مع المحتلين والذي دخل النجف تحت حرابهم.<BR>إلا أن بعض مراجع المذهب طلبوا منه الذهاب إلى إيران للمشاركة في احتفالات مناسبة وفاة الخميني، إلا أنه عاد بوجه غير الوجه الذي ذهب فيه، حيث خفف لهجته في نقد المرجعية الصامتة، إضافة إلى عدم اندفاعه في نقد الاحتلال الأمريكي للعراق، وكأن إيران قد غسلت دماغه، وطلبت منه التريث حتى لا يحسب على المثلث السني الذي يحمل راية الجهاد ضد الغزاة المعتدين، إضافة إلى تأصيله في إعطاء الحكم للشيعة.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4"> الشيخ حسين الصدر: </font><BR>المذكور محسوب على رجال الدين الشيعة في العراق، إذ المعروف عنه عدم قبوله بالهيمنة الإيرانية على العراق، وأن أكثر ولائه للأمريكان، وأكثر صراحة في الترحيب بهم والدعوة إلى تأييدهم وعدهم محررين وليسوا محتلين، رغم أنهم استصدروا قراراً من مجلس الأمن يعدهم محتلين، وهذا الرأي ينسجم مع ما قاله الشيخ محمد بحر العلوم في محاضرته التي ألقاها في بغداد، حيث رحب بدخول قوات الاحتلال العراق، وأن دخولهم كان يوم عُرس للشعب العراقي.<BR>أما الشيخ باقر الحكيم الذي كان يقدم خطوة ويؤخر أخرى في علاقته بالأمريكان تبعاً لموقف إيران من أمريكا، بالرغم من ترشيحه لشقيقه عبد العزيز الحكيم الذي يشغل منصباً في مجلس الحكم الذي عينه بريمر، كما أن المذكور لم يبلغ الجرأة التي يملكها حسين الصدر في إعلانه الولاء للأمريكان من دون قيد أو شرط، وقد بلغت به الجرأة تقبيل كل من وزير خارجية أمريكا (باول) والحاكم المدني (بريمر) على مشهد من الناس، وبحضور المستقبلين لهما في النجف، مع أن الشيعة يعدون نجاسة غير المسلمين نجاسة عينية خلافاً لأكثرية المذاهب الذين يعدون نجاستهم نجاسة معنوية، بسبب عقيدتهم الفاسدة.<BR>كما أن الأمريكان عدوا حسين الصدر وهو بصراحته هذه عصا يلوحون بها على من قد يتمرد عليهم أو يتردد في خدمتهم أو يخرج عن الدائرة المرسومة له، ولهذا سارع الشيخ بحر العلوم بالعودة إلى مجلس الحكم بعد تعليق عضويته فيه لمدة وجيزة؛ لشعوره أن الصدر سينافسه على موقع يطمح فيه كلاهما، كما أنه أقدر على كبح جماح مقتدى الصدر الذي ينادي بتحريم الاحتلال وتحريم التعاون مع المحتلين، ويهاجم مجلس الحكم ويتهمه بالخروج على أحكام الإسلام، إلا أنه ينادي بأن تكون المقاومة سياسية فقط، لكنها قد يفلت الزمام منه وتتحول المقاومة إلى مقاومة مسلحة في صفوف بعض الشيعة الذين ضاقوا ذرعاً بدعوة علمائهم إلى التريث، وبدؤوا يتشككون في نواياهم.<BR><BR><BR><font color="#0000FF" size="4"> اتجاهات إيران من الاحتلال: </font><BR>يتنازع السياسة الإيرانية من الاحتلال الأمريكي للعراق اتجاهان، وكلاهما لا يبغيان وجه الله.<BR>الاتجاه الأول:<BR>هو ترك الأمريكان وشأنهم في العراق، وإشغالهم بأهل السنة الذين يقاومونه بالسلاح، وبذل الجهد لإقناع شيعة العراق بالتعاون مع قوات الاحتلال لتحقيق مكاسب طائفية مقابل كسب رضا الأمريكان والتقرب منهم لضمان عدم ممارسة ضغوط على إيران.<BR>وهذا الاتجاه يدار ويجري من قبل بعض علماء الشيعة في العراق، والذين لهم علاقة بإيران.<BR>وأما الذين يديرونه في إيران فهم الذين يوصفون بالإصلاحيين والتغريبيين واللادينيين، والمنادين بالحلول التوفيقية بين الإسلام الكهتنوني وبين مفردات الحضارة الغربية، والمتهالكين على العودة إلى أحضان الشيطان الأكبر بذريعة الانفتاح والاقتباس منها، ويترأس هذا الفريق رئيس الجمهورية محمد خاتمي، لذلك سارع في إرسال وفد رسمي إلى العراق للاعتراف بمجلس الحكم قبل اعتراف الجامعة العربية إرضاءً للأمريكان.<BR>الاتجاه الثاني:<BR>يرى أصحاب هذا الاتجاه التدخل المباشر في العراق وإسناد الشيعة فيه وتحريضهم على مقاومة الاحتلال لكي لا يفوتهم الركب الذي يقود المقاومة المسلحة والمعارضة السياسية الرافضة للاحتلال، واتخاذ الوضع في العراق ورقة ضغط على الأمريكان، ومن خلال ذلك تبدأ المساومة معهم للتخلي عن ضغوطهم على إيران.<BR>ويتزعم هذا الاتجاه مرشد الثورة (علي خامئيني)؛ لأنه يرى أن المقاومة التي يكاد أن ينفرد بها أهل السنة تشتد يوماً بعد يوم وتحقق انتصارات وترفع معنويات في العراق والعالم الإسلامي مما يجعل الشيعة على الهامش في كل مكان، وأن الظروف الدولية والضغوط الشعبية حتى داخل أمريكا وحلفائها سوف تضطر الأمريكان على الرحيل عاجلاً أو آجلاً – بإذن الله-.<BR>كما يرى هذا الفريق أن النجف والأماكن المقدسة لدى الشيعة في العراق هو أمر مهم للوجود الشيعي في إيران، وأن السكوت عن الاحتلال الأمريكي والتعاون معه سيفقد إيران نفوذها في العالم.<BR>إن إيران الشيعية لا تقل خطورتها على العراق بتدخلها الطائفي من الاحتلال الأمريكي، وهي في هذا الاتجاه تقف في خندق واحد من تريد أو لا تريد مع الصليبية واليهودية الذين يستخدمون سلاح الطائفية لإشاعة الإضراب بين المسلمين وإشغالهم بأنفسهم عن التصدي لها، ولكن إيران تلعب بالنار، وقد حذرهم من هذه السياسة الشيخ حسين المنظري الذي كان مرشحاً ليكون خليفة الخميني، وكذلك السيد فضل الله الذي حذر من هذا الاتجاه الطائفي. "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال: من الآية30).<BR><BR>وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.<BR><BR><BR>---------------------------------<BR>(*) د . محمد الألوسي (ممثل الكتلة الإسلامية العراقية في الخارج).<BR><br>