بعد أسر صدام....هل تكسب أمريكا سياسيا ؟
22 شوال 1424

قبل بداية الحرب الأمريكية على العراق قال الكاتب والمحلل الأمريكي أناتول لايفن: " وإذا كنت سأراهن على نتيجة هذه الحرب فإني أقول: إن احتمالات النجاح السريع في تدمير النظام العراقي تبلغ 5 إلى 1 أو أكثر بالنظر إلى التفوق العسكري الأمريكي ، والطبيعة السيئة لحكم صدام حسين ، وعدم إمكان الاعتماد على صواريخ بغداد ، والانقسامات العميقة في العالم العربي، ولكن مكاسب الولايات المتحدة في المدى الطويل تبدو محدودة في حين أن نتائج الفشل ستكون كارثة، وستكون تلك الحرب النهاية السياسية لأصحابها النهاية التي لا قومة بعدها".<BR>المتابع للأحداث منذ الاحتلال الأمريكي للعراق يرى صدق ما توقعه الكاتب والمحلل الأمريكي أناتول لايفن، فكل الإنجازات التي بشرت بها الإدارة الأمريكية شعبها والعالم أصبحت بفضل المقاومة العراقية سراب...! فلا العراق بخيراته ونفطه أصبح مِلك اليمين ولا منطلقاً لإحداث التغيير لعالم جديد!!! بل ما حدث هو العكس تماماً... حصاد مر لبوش وجنوده داخلياً وخارجياً !!<BR>فعلى المستوى الداخلي هاهم الخبراء يؤكدون أن الاقتصاد الأمريكي يتدهور يوماً بعد يوم، والفضائح المالية لإدارته تزكم الأنوف، والمعارضون للحرب وللاحتلال صوتهم يعلوا ويعلوا ، وتوابيت الموتى تتوالى على واشنطن ، وأن إعلان انتهاء الأعمال العسكرية بالعراق لم يكن إلا تزويراً للحقائق !<BR>أما على المستوى الخارجي ، فها هي أمريكا هائمة في العراق تسير من انتكاسة إلى أخرى ، وهاهم سفراؤه يجوبون العالم يستغيثون ولا مغيث.<BR> وأما في أفغانستان فهاهي طالبان تعود للساحة بقوة وعزيمة وتشكل تحدياً متزايداً للحكومة ومن وراءها !!!! أما خارطة الطريق التي أعلنها بوش لحل المشكلة الفلسطينية فقد فشلت لاكتشاف أبو مازن أن الطريق إليها مسدود.<BR><BR> هذا المأزق الداخلي والخارجي بدون الدخول في التفاصيل أصبح قريباً مما توقعه أناتول لايفن من أن الحرب الأمريكية على العراق في حال فشلها ستكون "النهاية السياسية لأصحابه، االنهاية التي لا قومة بعدها"<BR>ولإدراك الإدارة الأمريكية لهذه الحقائق ولاقتراب موعد الانتخاب لم يكن أمام بوش وعصابته من مخرج سوى الهروب من العراق إن كان يريد أن يعود سليماً معافى .... ولكن كيف يتم الهروب ؟ <BR>هنا بدأ مسلسل التنازلات مرة بعد مرة، وحاول كولن باول أن يحصل على مساندة أوربا والأمم المتحدة دون جدوى فلم يجد أذناً صاغية ولا يداً حانية تحفظ له ماء وجهه؛ لأن الثمن المطلوب كان أكبر مما يتحمله بوش وعصابته.<BR>وعليه فإن الهروب لن يتم إلا بتسليم الأمر للعراقيين بصيغة تحقق لهم ما يريدون، وهذا يمكن أن يتحقق وفق النموذج الأفغاني ، لماذا؟ لأن النموذج الأفغاني يضمن لهم بقاء حكومة عراقية عميله وبقاء قواتهم العسكرية أيضاً في معسكرات بعيدة عن يد المقاومة بما يضمن تحقيق مصالحه على المستوى البعيد في حين يشعر الجميع خارجياً وداخلياً بأن الاحتلال انتهى، وبالتالي تنتقل الحرب من حرب بين قوات الاحتلال والعراقيين إلى حرب داخلية بين العراقيين أنفسهم !!<BR>وتقضي الخطة الأمريكية بتشكيل مجلس على غرار ما يعرف بـالـ "لويا جيرغا" الأفغانية نهاية مايو 2004م، ويقوم المجلس المذكور بانتخاب حكومة عراقية مؤقتة ذات سيادة _كما يزعمون_ وهي التي ستمنح شرعية الوجود لقوات الاحتلال بصفتها قوات صديقة تساعد العراقيين على تحقيق الأمن والسيادة. <BR>فهل يقبل العراقيون بهذا ؟ وهل يمكن تنفيذ ذلك على أرض الواقع؟ <BR>على الرغم من قبول ما يسمى بمجلس الحكم الانتقالي وعلى لسان رئيسه آنذاك جلال طالباني بالخطة الأمريكية إلا أن تطبيقها على أرض الواقع لم يكن ممكناً، حتى أعضاء ما يسمى بمجلس الحكم العراقي انقسموا على أنفسهم حول آلية نقل السلطة، وكذلك المرجع الشيعي السيستاني أعلن عن رفضه لهذه الخطة ودعا إلى التسريع بالانتخابات دون الحاجة لإحصاء سكاني جديد، إذ إن الانتخابات يمكن أن تتم ببطاقة التموين المتوافرة حالياً !!<BR><BR> فضلاً عن ذلك تبقى عملية الانتخابات وتولي مقاليد الحكم مغامرة لمن يقوم بها، فمن هو المقامر الذي يقبل الحكم وصدام حسين حر طليق يقود المقاومة كما يزعم هو والأمريكان !! <BR>من هذا المنطلق يمكن لنا أن نفهم لماذا تم الإعلان عن أسر صدام في هذا الوقت بالذات ؟!! وقد يقول قائل: هل تقصد أن صدام أسر منذ زمن؟ فما الدليل، ولماذا تخفي أمريكا هذا الأمر، ولماذا تعلنه الآن؟<BR>من الأرجح أن صدام أسر منذ زمن فأي مشاهد للصور التي عرضت لصدام عبر الفضائيات والمكان الذي اعتقل فيه يدلان على أن صدام أسر منذ زمن فلا يعقل أن يأتي صدام إلى مكان على طريق رئيس يتحكم فيه الأمريكان، وأمام أحد قصوره السابقة والمسكونة من قبلهم ليختفي فيه ، ومن ناحية أخرى من الذي بنى هذا القبو وبهذه المواصفات في بيت طيني ؟ والصور التي عرضت له وهو أشعث كريه المنظر ما يعني أنه عاش في زنزانة بدون خدمات لمدة من الوقت ؟ أما الصورة المقابلة والتي تظهره بعد حلاقة لحيته لا يوجد فيها أثر لهذا الجرح !! وهل يعقل أن صدام يسلم نفسه دون مقاومة تذكر؟ أم أن الأمر تم نتيجة خيانة وغدر من أحد المقربين منه، وهذا ما صرح به الأمريكان، وهذا هو المقبول منطقياً ، وأما الصور التي ظهر بها مستسلماً، فهذا أمر مقصود لذاته من قبل الاحتلال، وكما أفادت التقارير أن حركات صدام في هذه اللقطات تدل على أنه قد تم تخديره بطريقة أو بأخرى!! <BR>بهذا يمكن لنا أن نقول: صدام وقع في الأسر منذ زمن بعيد !!! ولم يتم الإعلان عن ذلك في حينه لعدة أسباب لعل أهمها:<BR>* اعتقاد الإدارة الأمريكية أنه بسياسة العصا و الجزرة ستتمكن بمرور الوقت من القضاء على المقاومة العراقية بحجة أنهم من أنصار الرئيس السابق، وأن هؤلاء ما هم إلا شرذمة قليلة غير منظمة يسهل القضاء عليها، مما يحقق لها أحلامها في العراق، في حين أن الإعلان عن اعتقال صدام سيشجع حتماً قوى أخرى للانضمام للمقاومة؛ لأنها كانت تخشى من عودة صدام ولا تثق في وعود الأمريكان فعدم الإعلان عن أسر صدام يصب في صالح الأمريكان لوقوف بعض هذه القوى على الحياد، بل إن الخوف من عودة صدام دفع ببعض القوى وخاصة الشيعية للتعاون مع قوات الاحتلال!! ومن ناحية أخرى فإن هذا الإعلان سيزيد من ضغط القوى المحلية والإقليمية والدولية على الإدارة الأمريكية للخروج من العراق وتسليم الحكم لحكومة منتخبة!! خاصة بعدما أعلنت أنها لن تخرج من العراق إلا بعد العثور على صدام بعد فشل كل فرق التفتيش في العثور على أي نوع من أسلحة الدمار الشامل، فما هو المبرر لاستمرار الاحتلال؟<BR>لماذا إذن تم الإعلان عن اعتقال صدام الآن؟ هل الوضع تغير؟!! نعم الوضع تغير 180 درجة لعدة عوامل، أهمها: <BR>* أن المقاومة العراقية تزداد صلابة وشراسة رأسياً على المستوى التنظيمي وأفقياً باتساع مسرح عملياتها القتالية ضد قوات الاحتلال ومن تعاون معها، وأنه لا أمل في القضاء عليها، وأن أخبار القتلى والجرحى الأمريكان أصبحت لا تخفى على أحد برغم الجهود التي تبذلها الإدارة الأمريكية في منعها مما يهدد مستقبل بوش وعصابته. <BR>* إن التعويل على مساعدة الدول المجاورة للعراق والدول الغربية والعالم أجمع في إنقاذ أمريكا من المستنقع العراقي أصبح صرخة في واد وأملاً في سراب من الناحية العملية والواقعية، على الرغم من التنازلات التي قدمها بوش لهم !!<BR>* إن تسليم السلطة للعراقيين المتعاونين مع الاحتلال هو المخرج الوحيد أمامهم وليس فيه أي تهديد لمصالح الاحتلال وأهدافه، بل سيحققها؛ لأن سياسة (لبننة) الوضع في العراق وتأصيله كهدف للاحتلال بدأت تؤتي ثمارها كما هو مشاهد، فمصالح ومكتسبات بعض التيارات والطوائف أصبحت مرتبطة بوجود الأمريكان، وتسليم الحكم لهؤلاء سيخلق صراعاً على الحكم يكون السند فيه بوش وعصابته ، وإذا كانت المقاومة قد تبنت توجيه أسلحتها نحو قوات الاحتلال والمتعاونين معها، فإن نقل السلطة للعراقيين سيجعل المعركة بين الحكومة العراقية العميلة وبين المقاومة .... هذا الوضع سيؤدي في جميع الأحوال إلى استمرارية قوات الاحتلال بالعراق تحت أي مسمى لتحقق أهدافها على المدى البعيد ولتنفيذ هذا المخطط وضمان نجاحه كان لابد من الإعلان عن أسر صدام بهذه الطريقة المشينة وتقديمه للمحاكمة، وهذا بحد ذاته سيؤدي إلى :<BR>* خروج قوات الاحتلال بما يحفظ لها ماء وجهها أمام العالم، فقد قبضت على صدام مما يرفع أسهم بوش وعصابته في الانتخابات القادمة لاستكمال ما خططوا له .<BR>* تشجيع العملاء العراقيين على استلام السلطة بعد أن أفرغت حجتهم باعتقال صدام ومحاكمته بما يضمن عدم رؤيته للنور مرة أخرى، و إكمال اللعبة حتى نهايتها بما يحقق أهداف أمريكا على المدى القريب والبعيد!! <BR>ولعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل ستأخذ أمريكا بالسياسة مالم تأخذه بالحرب؟<BR>لا شك أن إعلان أمريكا عن أسر صدام يعد مقامرة، فهذا الأمر سلاح ذو حدين، فهذا هو آخر أوراق اللعبة فإما أن ينجح بوش وعصابته في مخططهم فتستمر الحرب بين العراقيين أنفسهم إلى أمد ليس بقريب!! بما يضمن للأمريكان تحقيق أهدافهم ويعود بوش إلى البيت الأبيض ليستكمل مسيرته!!<BR>أو أن يكون ذلك هو النهاية السياسية لبوش وعصابته النهاية التي لا قومة بعدها أبداً !!<BR> ويتوقف النجاح والفشل على مدى إدراك العراقيين لأبعاد المخطط الأمريكي ووقوف كل القوى العراقية في خندق المقاومة للاحتلال وأعوانه سياسياً وعسكرياً، وأنه لا حجة بعد اليوم لمن يتخلف عن الركب بعدما ذهب صدام، وهذا ما نتمناه وتبشر به الكثير من الشواهد. <BR>و هو ما يخشاه بوش وعصابته !! وإن غداً لناظره قريب،<BR>ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.<BR><BR><br>