قراءة في رسالة الظواهري الجديدة
26 شوال 1424

لم يكن يدور بخلد الدكتور أيمن الظواهري (الرجل الثاني في تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن) أن إطلالته على شاشات التلفزة العالمية مساء اليوم سينكأ جرح الفشل الذي سعى الرئيس الأمريكي جورج بوش للملمته منذ ستة أيام عبر الإعلان عن أسر الرئيس العراقي صدام حسين . <BR>فما إن أخذ الرئيس الأمريكي راحة من عناء فشله على الصعيد العراقي بعد ظفره بصدام حتى عاد الظواهري يقرع مسامعه بكل قوة مذكراً العالم عموماً، وأنصار الحزب الديمقراطي الأمريكي بأن ثمة آخرين لا يقلون "خطورة" عن الرئيس العراقي مازالوا خارج القفص الأمريكي مستنكفين عن "التنعم بعدالته" !!<BR><BR>الشريط الذي بثته الجزيرة للظواهري منذ سويعات يترجح أنه لم يتم تسجيله بعد اعتقال صدام ولا حتى قبل منتصف رمضان، فهو لم يقف مطلقاً عند هذا الحدث، بل لم يقف عند أحداث مهمة جرت في العراق أو في تركيا، كمقتل ضباط الاستخبارات الأسبان أو الهجوم على مقر الوحدة الإيطالية في الناصرية ما خلف عشرات القتلى والجرحى ، وتفجير الكنيستين اليهوديتين والقنصلية والبنك البريطانيين في اسطنبول ما أدى إلى مقتل العشرات وإصابة المئات معظمهم من الأتراك .<BR><BR>توقيت التسجيل إذن لم يكن ذا اعتبار كبير سوى أنه قيل أثناء الشهر الفضيل الذي كانت السهام فيه تترى على الأمريكان في العراق وأفغانستان على حد سواء ،غير أن القيمة الفعلية للشريط أتت في توقيت بثه، والذي لا يعرف ما إذا كان تنظيم القاعدة مسؤولاً عنه أو فضائية الجزيرة ذاتها. <BR>ومرد هذه الاعتبارية ـ فيما نظن ـ في كون هذا الشريط سرق النصر المعنوي من يد بوش سريعاً بعد أيام قلائل من اقتناصه له باعتقال صدام ، وبدوره زج بورقة رابحة في حافظة الحزب الديمقراطي الأمريكي مانحاً إياه فرصة لانتقاد إدارة الرئيس الأمريكي مجدداً لفشلها في اعتقال كل من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري (قائدي تنظيم القاعدة) بالإضافة إلى الملا عمر (زعيم طالبان وحاكم أفغانستان السابق المختفي قبل صدام بأكثر من عام ونصف العام) .<BR> <BR>ومردها أيضاً إلى أن توقيت بث الشريط ومحتواه ؛ من جهة أخرى مغايرة تماماً قد منح بوش وإدارته مبرراً شعبياً في الداخل الأمريكي لاستمرار القوات الأمريكية في العراق ؛ إذ جاء في الشريط أن المقاومة الموجودة الآن في العراق هي محض "جهاد" لا علاقة له بـالنظام السابق _على حد قول الظواهري_ وبالتالي فإن مطالبة القوات الأمريكية بالرحيل لانتفاء مبرر وجودها في العراق بسبب أسر صدام، وفشلها في العثور على أدلة حول امتلاك النظام السابق لأسلحة "دمار شامل" هو سبب غير كاف لوجود "إرهاب" مازال يطل برأسه في العراق باعتراف مفجريه !!<BR><BR>وهذه النقطة التي ذكرها الدكتور الظواهري عن المقاومة العراقية تعد بالغة الأهمية، فالقيادي المصري معروف بمواقفه المتصلبة حيال المخالفين له في الرؤى والطرح، ويكفي الاطلاع على كتابه (الحصاد المر) لاستبيان مدى تصلبه حتى مع فصائل إسلامية كجماعة الإخوان المسلمين لا تشاطره رؤاه وأطروحاته في تغيير واقع العالم الإسلامي، وإن كان لا يمكن الجزم تماماً بأن الرجل لا يزال هكذا بالنظر إلى ما تضمنته رسائله الصوتية الأخيرة من إشادة بحركة حماس ذات الجذور الإخوانية . <BR>ومن ثَم فإن هذه الرسالة تشي بأن الرجل لا يطلق الأمور على عواهنها ولا يستخدم لغة تفاؤلية وهو يتحدث عن "جهاد" في العراق، وإنما يمسك بتلابيب حقيقة معينة مفادها بأن هناك في العراق فريقاً لا يستهان به يتماهى مع طرح الظواهري، ويقوم بتنفيذ عمليات في العراق، ولا يفوتنا في هذا الصدد أن الطبيب المصري حاول أن ينأى بالمقاومة العراقية عن صدام حتى قبل أن يلقى عليه القبض. <BR><BR>ولعل هذا من غير ما يحتسب الظواهري قد أعاد الدماء حارة في سواعد من يبغضون الاحتلال والوجود الأمريكي في المنطقة حتى أولئك الذين يبغضون الظواهري بنفس الدرجة لكنهم يفرحون لمصاب الـC.I.A !!<BR><BR>أمر آخر جدير بالملاحظة تضمنته رسالة الظواهري، وهو أنها قد حاولت أن تبث خطاباً مفعماً بالتفاؤل حول تحول الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق والاحتلال الصهيوني لفلسطين من حالة الهجوم إلى الدفاع مقرنة بين حال الحصار الذي لاقته القاعدة في تورا بورا قبل عامين وحال الحصار الذي بات الأمريكيون يعانونه في أفغانستان والعراق. <BR>وهو نوع من الخطاب أراد به نزع روح اليأس من طول الطريق لدى أنصاره وتعبئة المتعاطفين معه لمرحلة جديدة من الصراع تبدو إرهاصاتها تلوح في الأفق . <BR><BR>وقد بدا الظواهري متوافقاً تماماً مع ابن لادن في تحميل الشعب الأمريكي تبعات اختياره لقادته (عبر آلية الانتخاب الحر المعمول بها في الولايات المتحدة)، ومن ثم توعده بمزيد من الهجمات للأمريكان "المطاردين في كل مكان" _على حد قوله_ <BR>وإذا أخذنا بالاعتبار أن كل رسالة للظواهري تتبعها هجمات قوية لزم أن نلتفت جيداً إلى هذه العبارة القصيرة التي أسمعها للشعب الأمريكي : "بماذا نعذرك بعد كل التحذيرات التي وُجهت إليك فاحصد الشوك الذي مازلت تزرعه". <BR><BR><br>