المقاومة خيار الأمة.. لا ثقافة الهزيمة
13 ذو القعدة 1424

المتابع لوسائل الإعلام وللصحف والإصدارات في عالمنا العربي الذي انتشر في ثناياه الكثير من المثبطين والمهونين من إمكانات الشعوب في أمتنا وطاقاتها يصاب بالغثيان من الكم الهائل من الكتابات والتحليلات والدراسات، التي لا تفعل شيئاً سوى إظهار أكبر قدر من ثقافة الهزيمة والانكسار، <BR><BR>وصولاً إلى دعوات وقحة لإعلان الاستسلام الكامل؛لأن الأمة لا تستطيع المقاومة وقدرتها على الانتصار معدومة وأصحاب هذه الدعوات لا يتعمدون الإقفال على الذاكرة والفهم وحسب، إنما يتغافلون عن عمد الإشارة إلى أية نقطة مضيئة في تاريخ الأمة، حتى إذا دعوتهم لقراءة التاريخ، قالوا:لا تقل: أصلي وفصلي.. مشكلتنا هي الوقوف على أطلال التاريخ، كان هناك شيء وانتهى، والحقيقة أنهم لا يكتفون بالابتعاد عن قراءة التاريخ، بل إنهم لا ينظرون حواليهم بالمرة إذ لو وقفت هذه النظرة لألجمت ألسنة دعاة ثقافة الهزيمة والدعوة إلى الانكسار، والتي بلغت حد أن يدعو بعضهم إلى أن يقوم الأمريكيون باحتلال بلادنا، وألا يتركوها حتى يعلمونا فن العيش على الطريقة الأمريكية.. وإلا أصبح كل بلد من بلاد العرب والمسلمين (صومالاً آخر )!!! <BR><BR>سبحان الله..! ألم يشعروا بتأثير صمود الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الأولى، التي بلغت من الفعالية في التأثير حداً دفع مؤرخاً عسكرياً استراتيجياً صهيونياً (مارتن فان كريفلد) لأن يصرح عام 1988م: " إننا نغامر بأن نبقى دون جيش" حولت الانتفاضة جيش الاحتلال الذي يحسب من ضمن القوى العسكرية الرئيسة في العالم إلى قوة شرطة هائلة تطارد الأطفال في الأزقة، وقبل أن تنحسر الانتفاضة بفعل اتفاق أوسلو، كان الحديث عن جحيم غزة يومياً من قبل جنود وضباط جيش الاحتلال الصهيوني، أما اسحق رابين فكان يصرح ( أتمنى أن استفيق فأجد غزة وقد ابتلعها البحر).. <BR>لم تهزم الانتفاضة، وتجددت بروح جديدة و أصبحت (انتفاضة الأقصى المباركة)، متحررة من الأوهام والضعف والانكسار، والأمثلة في الخمسين سنة الأخيرة أكثر من أن تحصى على أية حال، فيما لو التفت المرء وتبصر قليلاً فيما يجري حوله من أحداث وشواهد على فعالية إرادة الشعوب في الصمود والتحدي واستنزاف المعتدين مهما بلغت قوتهم وبأسهم.<BR> وحتى بعد الصمود الأسطوري لمخيم جنين، لم يكلف دعاة الهزيمة أنفسهم قراءة العبر من معنى صمود المخيم، وبدلاً من ذلك طلعوا علينا مرة أخرى بمقولة: ( لقد هزمنا.. علينا الاعتراف !) . <BR>أهكذا تحسب الهزائم والانتصارات؟ أليست هناك قوانين لحساب القوى والظروف ومعطيات المعركة، قبل القول بالاستنتاج المتحصل عن قراءة كل ذلك وصلته بظروف المعركة؟ وعندما تجددت أنشطة المقاومة، وفشلت عملية( السور الواقي ) الصهيونية لم يأت هؤلاء ليعترفوا بخطأ الاستنتاج، وإنما احتسبوا المقاومة على اليأس والإحباط!!<BR><BR> ولا يسعنا إلا أن نقول لهؤلاء العميان المحرومين من نعمة البصيرة: إن الشعب المقاوم ليس شعباً يائساً، اليائسون هم أولئك الذين لا يريدون الاعتراف بأن من حق الشعب الواقع تحت الاحتلال، ومن واجبه أيضاً أن يقاوم وإن كلفه ذلك المهج والأرواح.<BR><BR> ثم جاء سقوط بغداد، فشاعت تلك الأجواء التي سيطرت على مناخ قطاعات واسعة من النخب بعد عام 1967م وفي هذه المرة جاءت الدعوة أكثر قوة لإعلان الاستسلام والقبول بالاحتلال.. هذه المرة أيضاً يجري تغييب القانون الأساسي قانون التحرر الوطني، الذي يصوغه الواقع ويعبر عنه مثقف عربي كبير بالقول: "من حسن الحظ أن التاريخ المعاصر محمل بخبرة شديدة الوضوح، مما أسميه بقانون التحرر الوطني، وجوهره أن أي مشروع استعماري أو احتلالي لا بد أنه سيفضي إلى تناقض مع الشعب الخاضع للاستعمار أو الاحتلال، الأمر الذي ينتهي بظهور المقاومة الوطنية لهذا الاحتلال أو ذلك الاستعمار ولو بعد حين، ولم يوجد حتى الآن في تاريخ العالم المعاصر أي استثناء من هذه القاعدة، وليس لدي سبب واحد يدعوني إلى الاعتقاد بأن الشعب العراقي سوف يكون هو هذا الاستثناء" .<BR><BR> سوف يرد أنصار ثقافة الهزيمة بطبيعة الحال بحجج موضوعية وحسابات دقيقة عن الخلل الفادح في ميزان القوى بين الولايات المتحدة والعراق، بما يعني أنه ليس ثمة أمل في المقاومة وما ستفضي إليه، غير أن التاريخ يقف لهم ولمنطقهم بالمرصاد، فكافة حركات التحرر الوطني المعاصرة بدأت في ظل موازين للقوى غير مواتية على الإطلاق، غير أنها أبدعت من الأساليب ما عوّض الخلل المادي في موازين القوى وابتكرت ما يسمي (توازن الرعب) الأمر الذي أوصلها في نهاية المطاف إلى الاستقلال. إن الهزيمة الحقيقية هي هزيمة الإرادة والعقل، ولعل ما تحاوله ثقافة الهزيمة، هو أن تجعل الأمة مسلوبة الإرادة، وقانعة بـنصيبها في الهزيمة من هذه الدنيا، بأن تحتل أرضها وتنهب ثرواتها، وتشظي بلادها وتستلب هويتها وتنتهك أعراضها... الواقع يقول بغير ذلك، ومن أراد بناء استنتاجات صحيحة من الواقع فلينظر حواليه، ولكن بعينين مفتوحتين و قلب سليم ولا عزاء لمروجي الهزيمة.. "فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور".<BR><BR><br>