حرب الخرافات أو : الوثائق السرية
14 ذو القعدة 1424

[email protected]<BR><BR>نبتعد قليلا عن ضجيج برويز مشرف في باكستان لنتناول ظاهرة أمريكية سياسية جديرة بالاهتمام ، وهي جنون السيناريوهات والتصورات التي تعاني منها الإدارات الأميركية المتعاقبة ، فهؤلاء القوم يعانون من تخمة حقيقية في مراكز البحوث والدراسات والمعاهد السياسية والاستراتيجية ذات الانتاج الغزير المتزايد ، وهذه في الأصل مزية تمنح صاحبها معلومات وافرة ورؤية ثاقبة وخطط مؤثرة ، لكنها في المقابل سلاح ذو حدين يمكن أن يُوقع صاحبه في دوامة لا متناهية من الاحتمالات والبدائل التي تؤدي إلى التخبط و الخلل واتخاذ القرار السيئ ، بينما يفغر السُذج أفواههم عجباً من العقلية الأميركية الشمولية ..<BR><BR>ولو تأملنا في ثنايا الظاهرة يمكن أن نلحظ بوناً شاسعاً بين وجود سيناريو لدى الإدارة الأميركية تجاه قضية أو حدث أو جهة ما ، وبين احتمال حدوثه أو تنفيذه والذي ربما لا يتعدى 1% ، لكن في المقابل فإن تخمة البدائل تجعل السياسة الخارجية الأميركية تأتي غالباً متطابقة مع أحد السيناريوهات المطروحة قبل عام أو عدة أعوام أو عقود ، ولذا يمكن القول إلى حد كبير: إن كل مجتهد في تخمين السياسة الأميركية مصيب ، ومن ثم كما أكدت في مواطن أخرى فإن تحليل السياسة الأميركية اعتماداً على هذه الدراسات و البحوث والتصورات المسبقة أمر محفوف بالجزافيات إلى حد كبير خلاف ما يظن كثيرون .. <BR><BR>نقول ذلك كله تعليقاً على ما أثير في كثير من وسائل الإعلام من حديث عن وثيقة سياسية سرية أفرج عنها في بريطانيا بعد مرور ثلاثين عاماً ، وتتحدث عن خطة أميركية وضعت عام 1973م لاحتلال دول الخليج النفطية رداً على سياسة منع النفط إبان حرب أكتوبر ، وجليٌ أن الوثيقة سُربت أو رُوجت إعلامياً في هذا الوقت بالذات لأسباب غير خافية ، والمضحك أن مجرد طرح فكرة احتلال دول النفط في هذه الآونة يعد ضرباً من الجنون في ظل توازنات دقيقة مع الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى وقتها،والذي لم يكن ليقف ساكناً وهو يرى القوات الأميركية تكثف وجودها العسكري في الخليج العربي فضلاً عن احتلال بعض دوله ..<BR>وقد سبق أن نقل المرشح الرئاسي الديمقراطي الأميركي ويسلي كلارك في كتاب له ضمن هذا السياق وجود خطة لاحتلال خمس دول بعد العراق من بينها مصر وسوريا وليبيا ، ولا نعلم من وضع هذه الخطة العبقرية ولا أين تبخرت ؟ بينما تعاني القوات الأميركية وضعاً لزجاً في العراق .. <BR><BR>ومن المواقف المعبرة في هذا الصدد أن زبجنيو بريجنسكي (مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الأسبق كارتر) كُلف من قبل إدارة الرئيس ريجان بتشكيل مجموعة تضم عشرات الخبراء و المختصين لوضع تصورات و سيناريوهات لسقوط الاتحاد السوفيتي ، و تفتقت الأذهان و دبجت الدراسات و البحوث التي لم يفلح واحد منها في التنبؤ بما حدث بالفعل بعد سنوات قليلة ..<BR><BR>قد لا أبالغ إذا قلت: إن المنقب في دهاليز أجهزة المخابرات الأميركية ربما يجد سيناريو لصد غزو من المريخ أو الهجوم على زحل ، وكي نكون منصفين فنحن نعترف بالقدرة الاميركية في وضع سيناريوهات هوليودية مشوقة للمستقبل البعيد ، ولكنهم دون شك خائبون جداً في وضع تصورات للمستقبل القريب ، و الشاهد ماثل أمامنا في العراق ، لا يوجد أي تصور واضح لكيفية الخروج من المأزق العسكري السياسي في هذا البلد ، و لم يكن أمام إدارة بوش إلا أن تطبق قاعدة " الحروب بالنيات " وما لم يبلغه العمل قد تبلغه النية و الإشاعة في المذهب الأميركي ..<BR><BR><BR>* ينشر بالتزامن مع جريدة المحايد <BR><br>