يد الله فوق أيديهم
26 ذو الحجه 1424

[email protected] <BR><BR>طارت الجماهير التونسية فرحة بفوز فريقها الكروي لأول مرة بكأس الأمم الإفريقية ، وغصت شوارع العاصمة بسيارات المحتفلين ، سعدوا وسعدت، وبين السعادتين مسافة تفصل بين الزائل والأبدي.<BR><BR>وإذا كانت فرحة الجماهير التونسية متفهمة في ظل أجواء حزن وضيق وهزائم عربية متلاحقة تجعل الناس يتشبثون بأي نصر يحققونه ولو كان نصراً كروياً أو عبثياً ؛ فإن مبلغ سعادتنا جلبه لنا تقرير لصحيفة الحياة اللندنية قبل المباراة النهائية بيومين اثنين يتحدث عن الفريق التونسي وما اعتراه من حالة "إيمانية" تبدت ملامحها في حرص الفريق على الصلاة بوقتها، وحرصهم على صلاة الجمعة وسجودهم العفوي الجماعي لدى إحرازهم أهدافاً في مرامي الخصوم ، نلتقط من هذا التقرير تلك العبارات : "نلتقي بعد صلاة العشاء]" هكذا خاطبني أحد لاعبي منتخب تونس عندما قابلته لإجراء "دردشة صحافية" في معسكرهم المغلق والقلعة المحصنة في أحد فنادق زهرة المدائن السياحية التونسية "الحمامات". <BR>ربما بدا الأمر عادياً في الثقافة اليومية، ومواقيت المواعيد في المنتخبات والمجتمعات العربية - الإسلامية الأخرى... إلا أن الحرص على الجهر بالتدين وسط النخبة الكروية لـ"منتخب تونس القومي" ربما كان مؤشراً إلى تحول في بنية المجتــمع العربي الأكثر تمسـكاً بالعلــمانية، "عندما تبحث في جذور التدين التي هبت على المنتخب القومي تكتشف أن أبرز لاعبيه أصبحوا من المحافظين على الصلاة في وقتها كما يقال هنا، حتى إن رئيس نادي الترجي التونسي الذي هو عميد الأندية المحلية والأكثر تتويجاً بالألقاب عربياً وقارياً سليم شيبوب صار من المواظبين على أداء صلاة الجمعة في أكبر مساجد العاصمة التونسية، يبدو أن رحلة أبرز لاعبي المنتخب المدافع خالد بدرة والمهاجر رياض الجلاصي للاحتراف في الخليج العربي مثلت منعطفاً حاسماً في هذه العودة إلى التدين، وقد حلق اللاعبان لحيتيهما اللتين اطلقاهما بعد العودة، <BR>ويحظى اللاعب رياض البوعزيزي باحترام كبير داخل معسكر منتخب تونس، ويعدونه "مجاهداً" على المستطيل الأخضر وقدوة خارجه لالتزامه الديني بلا تعصب، ويروى عن زملائه إصراره على الصيام في مباريات ناديه التركي اوزي تاب برغم معارضة مدربه، ولا أحد يعلم بالتحديد، هل صاحبت زوجة اللاعب حاتم الطرابلسي لاعب أجاكس امستردام في رحلته الحالية إلى تونس. فقد توشحت بالحجاب منذ بداية مغامرته الاحترافية في هولندا، وتلك مسألة حساسة هنا، وحصن المقاومة الأخير للعلمانية في تونس." (الحياة :12/2/2004).<BR><BR>ومرد فرحنا ليس حفاظ اللاعبين على الصلاة فذلك أمر من المفروض أن يكون طبيعياً وتلقائياً في أي دولة تحمل اسم الإسلام، ولا مرده هذا السجود الذي يتجادل بشأنه المتدينون ، وإنما مرده كرامة هذا الدين وعلو قدره للحد الذي لا يجعل معاول الهدم الصلبة تأثر في مكنونات نفوس منتسبيه.<BR>أثمة معول قادر على محو أركان الإسلام الراسخة ؟ لا وربنا وإن تناخرت بطارقة التغريب ودهاقنة الانحراف وجلاوزة العسكر. إنه دين الله العظيم ينساب جدوله العذب رقراقاً في النفوس المؤمنة فلا تحده أنظمة قمعية ولا يقهره غطاريس طغام.<BR><BR>ولن يفلح أقوى جهاز أمني بالعالم في أن يحجب نور أذن الله له أن يتم وينتشر "يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون" <BR>فمن مفارقات الغيظ لأعداء الدين والبشرى لأنصاره أن هذا البلد لم يشهد في تاريخه مثل هذا التدين في منتخبه الكروي الوطني كمثل ما شهد في ظل هذه العتمة العلمانية، ونحن لا نريد أن نروج لأكذوبة وجود "صحوة إسلامية عارمة" في تونس !! لكننا ـ ونحن نتفهم حال تونس الحزين ـ نرى نوراً في الأفق يوشك أن ينسكب ضياؤه في أزقة بلاد القيروان والزيتونة المظلمة ؛ بل وفي كل بلاد الإسلام التي نسمع فحيح ثعابين العلمنة التغريبية في جنباتها ، ونوقن راشدين أن معية الله مع المصلحين القابضين على الجمر في تلك الأجواء الغائمة ومع الدعاة العاملين برغم لأواء الحيف ووعورة الطريق ، فتلك سنة الله مع الناهضين القائمين بدينه من يوم أن نهض الصحب الكرام مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يبايعونه على الموت فأمضى الله بيعهم وتقبل منهم بذلهم، ورضي عنهم أجمعين ، بل وكانت "يد الله فوق أيديهم" (ومن قبل ذلك) إلى يومنا هذا.<BR><BR>إن في المشهد التونسي لعبرة لا ريب .. دولة عربية مسلمة حرمت نساءها من الستر والحشمة والحجاب بقوة القانون والقهر والجبروت فلا يسمح لمحجبة بالتعليم أو العمل في هيئات الدولة الرسمية، والحجاب في قانونها الرسمي "زي طائفي" يحض على الفرقة البغيضة برغم أن تونس لا تحوي طوائف غير إسلامية (اللهم إلا الجهات اليسارية والفرانكفونية المتعفنة في النظام التونسي) ، وقد "استلهم" الرئيس الفرنسي جاك شيراك عدوانه على الحجاب الإسلامي من التجربة التونسية التي ثمن دورها "النهضوي" قبل قراره المشين بأيام أثناء زيارته لتونس في قمة الخمسة، وأخلت تعليمها مما يدعو إلى عالمية الدين وشموليته، وناصبت لغته العربية العداء ، وزجت بأكثر من 25 ألفا من خيرة رجالها وشبابها في السجون لأكثر من 13 عاماً معظمهم رهين محبسه دون "التمتع بمحاكمة عادلة" للحيلولة دون يتحول حنين التونسيين إلى دينهم فعلاً نهضوياً (وهو رقم كبير جدا إذا ما قورن بعدد سكان تونس الحالي الذي يبلغ نحو 9.6 مليون نسمة نصفهم تقريبا من النساء).<BR>ووقف زعيمها و"المجد الكروي" يحوطه وكلمات الثناء تشنف أذنيه، وإذا الجميع من فرقته الكروية سجود لله الواحد القهار .. عبرة إذن وأي عبرة لمن كان له قلب، أفيسوغ بعد ذلك أن يسترخص الناس هذا الدين العظيم !! <BR><BR>إن الحجاب عائد في تونس يجلل رؤوس المؤمنات العفيفات الكريمات، وإن الدين بات من جديد يستحوذ على عقول وقلوب أحفاد مشاعل القيروان (ومساجد تونس تشهد إرهاصات ذلك ونساؤها يبدين ـ نصرهن الله ـ تحديا لافتا لقوانين العار والعري) ؛ شريطة أن يعي المؤمنون الأكرمون أن معية الله لا تبرح نفس داعية مخلص سبح ضد تيار العولمة والعلمنة والتغريب، وأن أجدادهم لما عز إسلامهم في قلوبهم ورخصتهم أنفسهم في عيونهم وربح بيعهم كانت "يد الله فوق أيديهم" <BR><br>