المخابرات الأمريكية.. تواجه الخطر أم تصنعه؟
25 محرم 1425

يقول راي كلوز (أحد المخضرمين في السي آي إيه): "الرئيس شخص قوي جداً، وعندما تحس بما يريد، فمن الصعب ألا تخرج بحثاً عنه وتجده"، هذه العبارة تحدد بدقة استراتيجية العمل الحالية لأضخم جهاز مخابرات في العالم وربما في التاريخ، لم تعد المعلومات تتجمع لينتج عنها تصور ثم يتفرع عن التصور قرار تنفيذي، بل أصبح التتابع عكسياً، هناك تصور موجود وقرار قيد التنفيذ، والمطلوب البحث عن معلومات تثبته وتؤيده، ومن ثم أصبحت المهمة الرئيسة للمخابرات الأمريكية مهمة دعائية وإعلامية أكثر منها مخابراتية..<BR>ولعل ما يدعم ذلك مستويات الفشل التي تحققت منذ هجمات سبتمبر على كافة الأصعدة، وهو ما اضطر الكونجرس الأمريكي إلى تشكيل لجنة خاصة للبحث عن أسباب هذا التدهور، وأصدرت اللجنة تقريرها الخطير، وكان من أهم بنوده حقيقة عجز المخابرات الأمريكية عن السيطرة على الأجهزة ذات التكنولوجيا المتفوقة، ويعلق جون بيري (صحفي أمريكي النيوزويك) على ذلك بالقول: "كيف تنفق الولايات المتحدة على إدارة الأقمار التجسسية وأجهزة التنصت فائقة السرية أكثر من إجمالي الناتج المحلي للكثير من الدول، ثم لا تملك حتى مجرد تلميحات عما كان يجري داخل ديكتاتورية صدام"..<BR>والجواب على ذلك يسير، وهو أن محور المخابرات الأمريكية إبان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي كان كشف مخططات وقدرات العدو والحفاظ على أمن الولايات المتحدة، ولكن الآن أصبح هدفها الرئيس باعتبارها أحد مفردات اللوبي الأمريكي السري: الحفاظ على قوة المخابرات كجهاز يمتلك ميزانية هائلة كان آخر أرقامها المعلنة أكثر من 26 مليار دولار، بالإضافة إلى اضطلاعها بدور المحرك المعلوماتي الرئيس للحروب التي يخطط لها أعضاء اللوبي العسكري الاقتصادي، ويمكن التعبير أكثر عن هذه الحقيقة بذكر وصف متخصص أمريكي في الشؤون السياسية لدونالد رامسفيلد أحد صقور الإدارة الأمريكية الذين لهم تأثير بالغ على الأداء الاستخابارتي: "إنه أيديولوجي، فهو لا يبدأ بالحقائق على الرغم من ذكائه الحاد، إن لديه نقطة جوهرية، ويقوم بجمع الحقائق لدعم هذه النقطة الجوهرية"، وقد اتضحت هذه الحقيقة في قضيتي الحرب على الإرهاب وادعاء امتلاك أسلحة الدمار الشامل كمبرر للحرب على العراق، ومعنى ذلك أن مهمة الاستخبارات شهدت تحولاً استراتيجياً إضافياً من مواجهة الخطر إلى صناعته، والدليل القريب أنها أولاً نجحت في تضخيم خطر القاعدة إلى مستوى أسطوري – ولا تزال-، وثانياً نسجت ببراعة أكذوبة أسلحة الدمار الشامل العراقية، لكنها فشلت بجدارة في مواجهة خطر المقاومة بعد الغزو..<BR>وهذه الحقيقة تعني أن نشاط المخابرات لم يعد يقتصر فقط على تقديم معلومات لتدعيم قرار تم اتخاذه، بل إنه في حالة عجز العدو – المفتعل – عن تقديم حجة مقنعة، فإن السي آي إيه تتدخل لتقديم ما يدعم ذلك، فتؤدي بعض ما عجز عنه ذلك العدو ثم تنسبه إليه، وهذا ما جعل أقلاماً كثيرة تتهم إدارة بوش بسابق معرفتها بهجمات سبتمبر، وكان أبرز هؤلاء جون كيري (المرشح الديمقراطي للرئاسة)، إذن الأمر ليس مجرد تخمينات، فكيري لن يغامر بإطلاق مثل هذا الاتهام بدون أن تكون هناك مؤشرات مقنعة عليه، على الأقل بالنسبة للنخبة..<BR>ومن المثير للسخرية أن جورج تينت (مدير السي آي إيه) مثل أمام لجنة التحقيق المنبثقة من الكونجرس، وكان من بين الأسئلة التي وجهت إليه: لماذا لم تستفد المخابرات المركزية بالمعلومات التي قدمتها المخابرات الألمانية عن مروان الشحي (قائد طائرة البرج الجنوبي) والتي تضمنت اسمه الأول ورقم هاتفه، وهي معلومات كافية جداً لجهاز مخابرات في إحدى دول العالم الثالث وليس الولايات المتحدة، لكن تينت كان له رأي آخر، فقد أجاب ببرود: "إنهم لم يقدموا لنا إلا اسمه الأول، ورقم هاتف"..!<BR>هل هناك من يفهم أمريكا!!<BR><br>