الفلوجة البطلة.. ومسلسل الخديعة الأمريكية في العراق
17 صفر 1425

ربما كان آخر ما تتمناه إدارة بوش في واشنطن والعراق أن تؤول الأمور على ما هي عليه الآن، فعلى مدى سنة كاملة مضت، حاول الاحتلال تسيير الإعلام العالمي لخدمة هدف واحد بشأن المقاومة في العراق، وهو حصر مسمى المقاومة بـ(أنصار الرئيس المخلوع، وأنصار حزب البعث). <BR><BR>هذا الهدف الذي رصدت له أمريكا الكثير من خبرات إعلامها المملوك والموالي لها، كان يهدف إلى إرساء فكرة واحدة وأساسية، وهو أن الشعب العراقي يساند الاحتلال الذي يعده (فاتحاً) أنهى مأساة الحكم البعثي لصدام حسين، وأن المقاومة ما هي إلا بقايا وأنصار الحزب والرئيس السابقين الديكتاتوريين.<BR>وهو ما قد يخلق بيئة مناسبة لقبول دولي وعربي بأي عمل تقوم به القوات الأمريكية في العراق ضد المقاومة.<BR><BR>وعندما تم اعتقال الرئيس العراقي السابق في شهر أكتوبر الماضي، صفق الأمريكيون وغيرهم طويلاً لإعلان الاعتقال، ورسمت الإدارة الأمريكية ابتسامة واسعة على ثغرها، قبل أن تجند إعلامها وقادتها في إصدار مقارنات ودراسات الكثيرة تصر على تراجع أعمال المقاومة في العراق.<BR><BR>إلا أن هذا لم يفد كثيراً، فقد تزايدت أعمال المقاومة بشكل لم تستطع إدارة الاحتلال إخفاءه طويلاً، ليبدأ مسلسل إعلامي جديد يدّعي أن المقاومة العراقية أصبحت (إسلامية أصولية) تشنها عناصر من خارج العراق، هدفها مقاومة الأمريكيين حتى في قعر دارهم.<BR>وفي هذه المدة كان لا بد أن يظهر اسم جديد تعلّق عليه القوات الأمريكية أحداث الهجمات الكبيرة والمتنامية، ووجدت ضالتها في أبي مصعب الزرقاوي، الذي يعد أحد قادة تنظيم القاعدة الموجودين في العراق.<BR>وبات التركيز الإعلامي يتحدث عن مناطق المقاومة باعتبارها (المثلث السني) كإشارة واضحة على مذهبية الدين الإسلامي السني في المقاومة.<BR><BR>وبهذا بدأت القوات الأمريكية من جديد حملات عسكرية وإعلامية في العراق، مستفيدة من الإرث العدائي للأمريكيين والأوروبيين تجاه التنظيم، ما ساهم في استمرار صمت المجتمع الدولي عن انتهاكات القوات الأمريكية، والدعاء لها بالنجاة من الهجمات المتلاحقة للمقاومة !!<BR><BR>أما الدول العربية، فقد حظيت هي الأخرى بحملات أمريكية (من نوع آخر) لإشغالها عما يدور في العراق.<BR>فبدأت حملة واسعة من أجل إجبار الدول على القبول بالتغييرات الأمريكية الداعية لمسمى (الإصلاح)، والذي يهدف إلى بعثرة وحدة الصف العربي (المبعثر أصلاً) وإشغالهم عن العراق المحتل.<BR><BR>وبإيعاز من الولايات المتحدة، مارست بعض الدول العربية دوراً بارعاً في زيادة الفتنة العربية، كما فعلت تونس مؤخراً في إلغاء القمة العربية، على الرغم من رئاسة البحرين لها، واعتبار تونس دولة مضيفة لا أكثر، متجاوزة بذلك صلاحياتها، رغم وجود الأمين العام لجامعة الدول العربية على أراضيها وقت إعلان الإلغاء.<BR><BR>كما قامت قطر، بدعوة قادة الدول العربية إلى لعب دور (التلميذ النجيب)، وقبول المقترحات الأمريكية (الإصلاحية .!!!) ، <BR>فيما دعت ليبيا قبل ذلك الدول العربية إلى انتهاج الطريق الذي سارت عليه ليبيا في السير خلف واشنطن وقبول أوامرها.<BR>وكل هذا أدى إلى إرباك غير منطقي بين الدول العربية، تحاول بعضها جاهدة الآن استرجاع ما يمكن استرجاعه من وحدة الصف، ولو بالكلمة (وهي أضعف الإيمان).<BR><BR>إلا أن ما لم يكن في حسبان واشنطن، هو تنامي مد المقاومة العراقية في عدة أماكن، وظهور جبهات جديدة ضد الاحتلال، ليس من السهولة القضاء عليهم أو إسكاتهم.<BR><BR>المقاومة الجديدة التي تمثلت في الشيعة العراقيين، دهورت الأوضاع فجأة في العراق، وظهرت إدارة الاحتلال وكأنها تراهن على ورقة خاسرة.<BR>فقد انكشف -فجأة ودون سابق إنذار- أن المقاومة العراقية لم تتمثل فقط في أهل السنة، بل شملت أيضاً الشيعة الذين بدو وكأنهم قد انفجروا بعد طول احتقان وعداء للأمريكان.<BR><BR>أما في الفلوجة، فإن ما يحدث لم يكن إلا ليحدث.<BR>فعلى الرغم من الجبهة الجديدة التي فتحها شيعة العراق بوجه الاحتلال، وما يلزمه من تضييق الجبهات الداخلية لمواجهة المقاومة الشيعية الواسعة، قررت إدارة الاحتلال البدء بعملية إبادة ضد أهالي مدينة الفلوجة.<BR>وهو ما عزز ضعف الاحتلال الذي بدأ يقاتل على جبهتين، رغم قلة عدد جنوده، وتجنب قوات الدول الأخرى الدخول في مواجهات مع المقاومة العراقية.<BR><BR>لذلك فقد فضلّت قيادة الاحتلال اللجوء إلى (القصف الشامل) في إضعاف البنية التحتية للمدينة المقاومة، عبر القصف الصاروخي للطائرات والدبابات، وإلقاء القنابل العنقودية والقنابل ذات الـ1000 رطل.<BR><BR>لذلك فإن الحقيقة التي تشهدها المدينة الآن هي مواجهتها لحملة إبادة، وتدمير كاملة من قبل القوات الأمريكية، في محاولة لإثبات الوجود بعد عام من الاحتلال، وفي محاولة لتلقين الشيعة درساً قبل استفحال خطرهم، وفي محاولة لإسكات المقاومة السنية التي بدأت تحرج الإدارة الأمريكية بشكل واضح وخطير، مهددة بإسقاط بوش في الانتخابات الرئاسية القادمة.<BR><BR>ولكن ما لم يكن في حسبان قوات الاحتلال هو ما يجري الآن من مقاومة شرسة لأهالي الفلوجة الذين رصدوا كل طاقاتهم في سبيل التصدي للاحتلال، منزلين خسائر فادحة بهم.<BR>فعلى الرغم من التعتيم الإعلامي الذي يخدم مصلحة الأمريكيين، إلا أن ما يتم كشفه بين الحين والآخر، وما تجبر أمريكا بالاعتراف به (كإسقاط مروحياتها) يقدم دلائل واضحة بأن ما يقوم به المدنيين من أبناء الفلوجة وعناصر المقاومة فيها، يفوق ما قامت به جيوش صدم حسين وأنصار الحزب الحاكم السابق، ذلك أن ما كان يحرك الجيوش هو الخوف من صدام، فيما يحرك الإيمان وحب الشهادة والجهاد والتمسك بالأرض أهالي الفلوجة البطلة.<BR><BR><br>