ماذا يحدث في الفلوجة
22 صفر 1425

عندما تتسمر عيوننا أمام التلفزيون، وتستسلم عقولنا لهذه الفضائية أو تلك، نفقد إحساسنا بالزمن، وينعدم إدراكنا لمن حولنا، وتبدأ هذه الفضائية أو تلك بعرض بضائعها المتعفنة وأكاذيبها المتكررة، وموادها السمجة - إلا من رحم الله - تبدأ نظرتنا للأشياء تتشكل، و عقولنا تستسلم، ومواقفنا تتحدد.<BR>إن تطور وسائل الاتصال والإعلام في هذا العصر هي نعمة من الله _سبحانه وتعالى_ هدى البشر إليها، جعلهم يتابعون الأحداث في العالم بكل تفاصيلها أولاً بأول، ولكن المصيبة في استخدام هذه التكنولوجيا في جعل الحق باطلاً والباطل حقاً في جعل المظلوم معتدياً ومجرماً، والمحتل المغتصب مخلصاً ومبشراً بالسعادة والخير، ينقل الحدث باللون والصورة التي يريدها، أو من يسيره ويسيطر عليه، أو يقع ناقل الحدث تحت خوف أو بطش من أصابه الغرور والنرجسية، فأراد الهيمنة على العالم، فأحياناًَ يكذبون، وأحيانا يجرؤن، وأحياناً يبترون، فيصبح الحدث الإعلامي كما يريد هو لا كما هو على حقيقته. </br> </br>لقد قال أحد القادة اليهود الإسرائيليون يوماً: "العرب لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يفهمون" واليوم أصبح العرب يمضي عليهم الليل والنهار، وهم يتابعون الأحداث العالمية، عبر الفضائيات الإعلامية، أحداث تهز الجبال لكن كما قال الشاعر: </br> </br><DIV align=center> <TABLE width=450 align=center border=0 cellPadding=0 cellSpacing=0> <TBODY><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA">لقد أسمعت لو ناديت حياً</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"> </br> ولكن لا حياة لمن تنادي</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"> </br> ولو ناراً نفخت بها أضاءت</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"> </br> ولكن أنت تنفخ في رماد</SPAN> </TD> </TR></TBODY> </TABLE> </DIV> </br> </br>لقد شكل هذا الإعلام عقول بعض أبناء المسلمين، فأصبح يرى الأحداث كما نقلت إليه، لا يستطيع أن يميز بين ناقل الخبر وحقيقة وواقع الحدث، لا يستطيع أن يجمع المجزأ، ولا يربط بين الوقائع بعضها مع بعض، يصب الحدث في عقله و فكره كما هو في لحظته ويتعامل معه على صورته الذي نقل إليه دون تمييز وتمحيص، وإن كان هذا المصدر كاذباً غاشاً، لا يريد بالمسلمين خيراً، وهنا يصدق فينا ما قاله هذا القائد الإسرائيلي اليهودي. <BR>بل إنك تجد من بعض الإعلاميين المسلمين من ينكر أن يكون هناك كيد إعلامي من الأعداء أصلاً، ويقول: إن هذه خرافة في عقل من أصابه داء المؤامرة، بل إن من يقول بالمؤامرة والكيد من أعداء المسلمين هو مريض لا يصلح أن يعيش في هذا العالم، العالم الذي عمته العولمة (الأمركة)، وأصبح الناس والعالم عقل واحد، يفكر كما يريد العم سام. إن من يتابع الأحداث هذه الأيام في العراق، وخصوصاً ما يحصل لأهل السنة، ليعلم أن العدو لم يتغير حقده وكيده لم يتبدل، وأن المسلمين مازالوا لا يقرؤون الأحداث قراءة صحيحة، وإذا قرؤوا لا يفهمون. <BR>إن المتابع للأحداث الأخيرة في العراق ليعجب عندما يشاهد أن هناك تهديداً أمريكياً لأهل الفلوجة الصامدة، بسبب هدر الكرامة الأمريكية زعموا، بعد أن مثل بالمدنيين الأمريكيين، وأن أمريكا ستقبض على الفاعلين وتقدمهم للمحاكمة، في الوقت الذي يصاحب هذا التوتر، إغلاق صحيفة رجل الدين الشيعي الصدر، الناطقة لحزبه فتخرج المظاهرات، ولكنها محدودة، بعد ذلك يتم القبض على نائب الصدر (اليعقوبي) وكأن الأمريكان يريدون زيادة النار اشتعالاً، وهنا تبدأ المصادمات والعنف المسلح من أتباع الصدر، ويعلن المحتل في الوقت ذاته، أن هناك مذكرة إيقاف للصدر؛ لأنه متهم بقتل الخوئي، في هذا الوقت يبدأ الجيش الأمريكي حصار الفلوجة وقتال أهلها. <BR>وهنا يرد سؤال لرجل الشارع البسيط العاقل، هل هذا التوقيت مقصود، وما المقصود منه يا ترى، وإذا كانت الأحداث جاءت بدون قصد، إذن لماذا تفتح قوات الاحتلال هذه الجبهات، وهل هذا من مصلحتهم أن يفتحوا الجبهة الشيعية في هذا الوقت الحرج، بعد أن أعلنوا الحرب على الفلوجة العنيدة؟ وهل هذه الصحيفة المخالفة لقانون المحتل الغاصب لم يعرف عنها هذه المخالفات إلا في هذا الوقت، وهل بريمر رأى في منامه أحداً أخبره أن الصدر هو الذي قتل الصدر بعد عام كامل من البحث والتحري. <BR>من ناحية أخرى هل الذي يحصل لأهل الفلوجة من دمار وخراب مثل ما يحصل للصدر وأنصاره الذي لديه جيش يملك السلاح والرجال، والفلوجة لا تملك شيئاً من هذا البتة حتى تحشد لها هذه الحشود من الجنود والمقاتلات؟ وهل العنف الذي تصبه قوات الاحتلال على الفلوجة مثل ما يصب على الصدر وأنصاره في الكوفة وغيرها من بلدات الجنوب العراقي.<BR>بل إن مدارات القوات الأمريكية للصدر وأنصاره كبيرة جداً، حيث إن قوات المحتل انسحبت من النجف احتراماً للأماكن المقدسة، بل إنها انسحبت من بعض الأماكن كالكوت وغيره، أما في الفلوجة فقصف للمساجد، وقتل للأبرياء بالمئات، وقصف بالطائرات المتنوعة حتى إف 16، قتل للأطفال، والنساء والشيوخ، وهدم للمنازل.. <BR>في المقابل لو قارنا بين بسالة وتفاني المدافعين عن الفلوجة، وجيش المهدي التابع للصدر لوجدنا أن لا مقارنه، في الفلوجة، عجزت القوات الأمريكية من دخول البلدة، مع إثخان في العدو، وإصرار على الصبر والشهادة. <BR>وعندما نتابع الإعلام العالمي وفي مقدمته طبعاً الإعلام الأمريكي، نجده يركز على مشهد الصدر وأتباعه، وكأنه هو الحدث الأبرز والمهم، أما الفلوجة المكلومة، الصامدة، الصابرة، يمر خبرها باستحياء، وكأنه حدثاً هامشياً طارئاً، مع أن صمود الفلوجة وما سطرته من ملحمة - و سيذكرها التاريخ ـ و عدد في القتلى أكبر وأعظم من الذي يحدث في الجنوب على الأقل عند العرب، إنه تغييب إعلامي مقصود، هدفه تغييب مشهد البطولة والتضحية، وتغييب الجرائم الأمريكية البشعة. <BR>والغريب في هذا كله ما أكده الرئيس الأمريكي (إن ما يحصل في العراق الآن مخطط له من قبل)، وما قاله وزير الدفاع الأمريكي في مؤتمره الصحفي: "إننا خططنا لمثل هذه الأزمة" إذن هذا الأمر قد بيت له بليل.<BR>لا أقول: إن الصدر وأتباعه متورطون مباشرة في المؤامرة والكيد للفلوجة وأهل السنة في العراق، ولكن قد يكون الصدر استخدم من حيث يدري أو لا يدري، وذلك باستخدام الأحداث التي أقحم فيها لتغطية الجرائم التي تحصل في الفلوجة الصابرة المجاهدة، وتصفية لكل عثرة قد تعيق السلطة العميلة المنتظرة. <BR>إن الذي يجب على المسلم اليوم أن يتابع الأحداث، وينظر إليها، بناء على ما ذكره الله _سبحانه وتعالى_ في كتابه العزيز من قواعد ومبادئ ونصوص، تجاه الآخر الكافر، وما ذكره _سبحانه_ من سنن جعلها في هذا الكون تسير عليها الأحداث والتغيرات. <BR>أقول: يا ليتنا نتابع الأحداث ونجمع شتاتها لنعرفها على حقيقتها لا كما تملى علينا، فلا تخدر إحساسنا، ولا تشكل عقولنا، يا ليتنا نرى الأحداث كما حدثت وكما حصلت، بأسمائها ومعانيها الحقيقية، لا كما يزين لنا، ويمرر علينا بالكذب والغش والخداع من أجل ألا نخدع مرة أخرى.<BR><br>