هل تصبح الفلّوجة: "غزة" العراق!!
23 صفر 1425

الأحداث الأخيرة في العراق مليئة بالألم والأحزان مما يلاقيه إخواننا هناك على يد قوات الاحتلال والعدوان الأمريكي، كما أنها فاضحة ومعرِّية لهمجية الأعداء. </br> وتسارع التطورات هناك يجعل من الصعب الخروج برؤية واضحة هل هي تسير بعفوية وانفعالية غير متوقعة، أم أن جزءاً منها – على الأقل – سعت إليه وخططت له القوات الغازية. </br> ومن المهم لإخواننا السنة في العراق، أن يتأملوا في هذه الأحداث ويتدارسوا فيها بعمق، ليتبينوا طريقهم ومسارهم بعد سنة من الاحتلال، وإلى أين ستوصلهم القوى الرئيسة المتحكمة بأوضاع العراق الآن. <BR>بدأت الأحداث مع إغلاق الصحيفة الناطقة باسم الزعيم الشيعي "المشاكس" مقتضى الصدر، في توقيت لا يزال غير مفهوم لكثير من المراقبين. إذ إنه أتى قبل شهرين تقريباً من الموعد المحدد لنقل السلطة، وقبل أيام من وصول مبعوث الأمم المتحدة للعراق الأخضر الإبراهيمي. </br> وفُسِّر هذا القرار التصعيدي على أنه خطوة مقصودة لتصفية الحسابات مع هذه المجموعة المشاكسة التي رفضت كل اقتراحات التفاعل والاندماج مع مستقبل العراق الذي يرسمه المحتل الأمريكي بكل وضوح، مما جعل التخلص من هذا الطرف مطلباً ملحاً بالنسبة لهم، وجعل اتهامه المفاجئ بمقتل الخوئي مستنداً قانونياً مهماً كذلك. </br> لكن تبقى المناطق السنية وخصوصاً في الفلوجة الأكثر معارضةً لأي صورة من صور الوجود الأمريكي المحتل، واحتجاجاً على التفاعل معه أو الثقة به، وسيكون مهماً لقوات الاحتلال والمجلس التابع لها أن ترتب أوضاع السنة وبشكل عاجل قبل نقل السلطة.<BR>في هذه الأثناء وبصورة غامضة، يدخل "مقاولون" أمريكيون إلى داخل الفلوجة المستعصية على القوات الأمريكية والخالية من مراكز الشرطة العراقية، ليتم استهداف سيارتهم بكل سهولة وينتج عن ذلك احتراق جثثهم، ثم يندفع بعض الأهالي الذين أحاطوا بالمشهد لسحب الجثث وتعليقها. <BR>البعض الآن يتصور أن المكر والدهاء الأمريكي هو الذي أوقع هؤلاء " المقاولين" في الفخ، وسواءً خطط لهذا الإخراج الدرامي للحادثة أو لم يخطط، فلقد استغل هذه الحادثة وارتكز عليها في شن هجومه البربري على مدينة الفلوجة، وكأنه كان ينتظر مثلها ويخطط لها حتى يتمكن كذلك من تصفية الحسابات مع السنة عموماً وأهل الفلوجة خصوصاً، وفي هذا التوقيت بالذات، وليحاولوا كذلك – كما يتوهمون - تحطيم معاني الإباء والصمود التي يتميز بها أهل السنة هناك، من خلال قصفهم الهمجي غير الإنساني. <BR>وحاولوا في البداية أن يغطوا على قصفهم الغاشم للفلوجة وعقابهم الجماعي لها الذي لا يمكن أن تبرره تلك الحادثة، من خلال إثارة الأحداث في مناطق نفوذ مقتضى الصدر وإشغال الإعلام بها، لكن جنونهم وعدوانهم كان من الصعوبة أن يمر دون تصوير وتسجيل. <BR>ومع الإكبار المتواصل والاعتزاز بصمود أهالي الفلوجة وصبرهم وبسالتهم، فلا ينبغي أن نغفل عما يدبر ويكاد لأهلنا هناك. <BR>إذ المطروح الآن في مفاوضات الهدنة ووقف إطلاق النار، يقوم على انسحاب القوات الأمريكية واستبدالها بقوات شرطة عراقية وتعهد من المقاومة العراقية بوقف أعمالهم المسلحة ضد قوات الاحتلال ومعارضتهم لمجلس الحكم. <BR>وبعض أعضاء الحزب الإسلامي في مجلس الحكم الانتقالي، كانوا هم الأنشط في هذه المفاوضات، وقال أحدهم في لقاء متلفز: إن هذه الهدنة فيها خير لنا وللفلوجة!!(...). وفي خطوات ذات توقيت لافت، تمت استقالة وزيرين شيعيين من مجلس الحكم واستبدالهما بوزيرين سنيين، فيما وصف علانية بمحاولة تحقيق للتوازن الطائفي في المجلس ..!!. مما يلقي بظلال من الشك على حقيقة وغايات الأحداث المتسارعة هناك، إذ توحي بأنها قد تكون وسيلة "دراماتيكية" لاحتواء الفصائل السنية وامتصاص معارضتها وإقحامها في اللعبة السياسية بطريقة ماكرة. إذ فضلاً عن تأخر هذه الخطوة وخداعيتها، فهي محل شك من غالبية القوى السنية في العراق فيما عدا الحزب الإسلامي المتحالف مع المحتل. <BR>في ظل هذه التطورات، يرى بعض المراقبين أن العراق تشبه في مشهدها الراهن أوضاع الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكنني أحسب أيضاً أن واقع مقاومتها السنية السياسية والعسكرية يشبه واقع فصائل الجهاد الفلسطيني وإن كان يختزل الكثير من مراحلها ليصل للنهايات، ومجلس الحكم بأطيافه المختلفة يشبه واقع السلطة الفلسطينية. <BR>بل إنك تجد في انسحاب العدو الأمريكي من الفلوجة واستبدالهم بالشرطة العراقية، شَبهاً كبيراً بانسحاب العدو اليهودي من غزة واستبدالهم بالسلطة الفلسطينية. <BR>والغرض من الحركتين هو تحجيم قوة ونفوذ المقاومة السنية في المنطقتين، وحرمانهم من مواقعهم الاستراتيجية ومنطلق حركتهم الأساسية، وبدلاً من ذلك بسط نفوذ السلطة المتعاونة مع المحتل وخلق نوع من الصراع الداخلي تتنازع فيه الأطراف المحلية، ويبقى المحتل خارج الصورة، وبطبيعة الحال الانسحاب يتم من مناطق غير مهمة اقتصادياً ولا سياسياً للأعداء، كما أنها لا تحمل "قداسة" بالنسبة لهم. <BR>ويتم بكل سهولة – حينذاك – تصوير المقاومة على أنها تخرق الإجماع الوطني وتسعى لهدم المنجزات. <BR>هذه الأهداف البعيدة للاحتلال وللمتعاونين معه يجب أن تكون محل اعتناء إخواننا في العراق بالذات، وأن يستفيدوا من تجربة إخوانهم الفلسطينيين الذين أجادوا كثيراً في مواجهتهم للمكر والعدوان الأمريكي الصهيوني، وبنوا خبرةً كبيرة في ذلك. <BR>وعلى إخواننا السنة في العراق أن يسعوا إلى توحيد فصائلهم المسلحة في فصيلين أو ثلاثة، لا أكثر، حتى لا يخترقهم الأعداء، وأن يعملوا على ربط هذه الفصائل العسكرية بالواجهة السياسية الموحدة فيما يخص رسم السياسات والقرارات العامة، مع منحها مرونة في العمليات الميدانية شرط أن يلتزموا في ذلك بالضوابط الشرعية للجهاد والتعامل مع الأعداء، وخصوصاً فيما يتعلق بأحكام الأسرى والعمليات داخل المدن العراقية. <BR>وأن يعملوا على تشكيل واجهة سياسية حقيقية، تحسم أمرها بسرعة وبكل وضوح من مجلس الحكم الانتقالي، وتحدد بناءً على شعبية هذا المجلس في الداخل العراقي سياسة التعامل معه، هل تكون تنسيقاً وتعاوناً أم مواجهة وصراع سياسي؟ والذي يفهم من هيئة علماء السنة - التي يتصور أنها الأجدر للقيام بهذا الدور- أنها تميل للخيار الثاني، فلا بد تبعاً لذلك من علنية برنامجها المخالف أمام الشعب العراقي، ولا بد من طرح رؤية بديلة لمستقبل العراق يحاولون جمع العراقيين حولها وحشد تأييدهم لها في مواجهة الأعداء -كما تفعل فصائل الجهاد الفلسطيني - حتى يصلوا إلى إسقاط مشروع المحتل ومن يقف وراءه في العراق وفي خارج العراق. <BR>وأن يبحثوا كذلك عمن يمثلهم في خارج العراق، ليتواصل مع الدول والهيئات الإقليمية والعالمية فيما يخص مستقبل العراق، وخصوصاً في السنة القادمة التي يبدو أنها ستكون حاسمة في تحديد مستقبل بلدهم، دون أن ننسى أن ليل العراق سيكون طويلاً في مقامة العدو الخارجي والداخلي. <BR>نسأل الله أن يحفظ إخواننا في العراق،<BR>وأن يسدد آراءهم وجهودهم<BR><br>