احتراف الأسئلة وموت الكلام
9 ربيع الأول 1425

السؤال المكرر الذي يأتي إلينا دائماً عندما تحل بنا مصيبة، أو تصيبنا كارثة: ماذا يجب أن نفعل؟ وكأننا أصبحنا محترفي أسئلة فحسب، لما سمع سلمة بن الأكوع صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أناس اقتحموا حرم المدينة المنورة، وحاولوا أن يستبيحوا متاعاً منها، ما انتظر سلمة – رضي الله عنه – أن يذهب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويستأذنه، بل جرى وراء أربعين رجلاً، حتى أبعدهم عن المدينة، وعاد وقد حمى الحمى وحده، هكذا يكون الرجال.<BR>إننا في حاجة إلى إعادة التفكير مرة بعد مرة، حين تحدث الخطوب يجب أن تكون هناك ثقافة الابتكار، نريد أن نفكر ماذا نصنع لنصرة أمتنا في وقت تكالب علينا أعداؤنا، وخذلنا حكامنا، ولا نملك إلا النزر اليسير بحكم الرقابة المحكمة، وكأنها قبضة من حديد، فلا يسمح للشعوب أن تذهب لتجاهد، ولا أن تتبرع بأموالها للمجاهدين، بل أصبح كلام الأفواه محجوراً عليه.<BR>وفي مثل هذه الحالات يجب أن يموت الكلام، ويعمل الناس في صمت بعد تفكير، ويجب كسر كثير من هذه الحواجز؛ لأن صمتنا عن الفعل جرأ علينا من منعونا من أعدائنا وبني جلدتنا، ويجب أن نتعلم من الجميع كيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه.<BR>إن العمل السري في بعض الأحايين واجب يجب أن ننتبه إليه، فما دام الكفر قد طغى، فلتكن السرية أول ما يتحلى بها المجاهدون، وهذا فيما يخص المجال العسكري والقتالي،<BR>وفي مقابله يجب أن تكون العلنية واضحة في رفض هذا العجز والاستكانة والخور، وما تعيشه الأمة الآن يجب أن يعلن رفضه، وأن ينتهي أمده، وأن تنتقل الأمة من مرحلة جديدة، تكسر فيها حاجز الخوف من الموت، إلى الطريق الدافع للشهادة أو العيش الكريم.<BR>إن على الأمة عامة، وعلى أبناء فلسطين خاصة أن ينظروا أدوات جديدة تنكأ العدو، وتصيبه في مقتل، ولربما كان عمل واحد خير من ألف عمل، وإن التفكير في تدمير مفاعل ديمونة، أو ضرب المناطق الاستراتيجية الصهيونية، لهي أشد تأثيراً من قتل العشرات منهم.<BR>وإن الوصول إلى مواطن الأسلحة بكل أنواعها، والسعي وراء تدميرها لهو أفضل أنواع الجهاد، وإن كان العدو يقتلنا بطائراته وصواريخه، وهي ليست في الجو على طول الخط، فإن لها أرضاً تمكث فيها، ومكاناً تبيت فيه، والوصول إليه، غاية كبيرة في ميدان الجهاد، ولعل هذا أيضاً قد يكون له أثر مقبول عند المحافل الدولية إن كان لها عقل تعي به؛ لأنه بعيداً عن قتل الأرواح والنفوس، بل هو إبطال للآلة التي تقتل وتدمر.<BR>كما أن على الشعوب أن تخرج لرفض كل زيارة بين العدو الصهيوني وبين حكامنا، سواء أتوا هم عندنا، أم ذهب أحد رؤسائنا وملوكنا لهم، بل تهدد الشعوب بقتل أي صهيوني تطأ قدمه أرضنا، ولو توج هذا بفعل واحد لكان له مئة ألف حساب.<BR>ومن الأدوار المطلوب أن نعتني بالتواصل مع حكامنا، وأن نكسر الحاجز بيننا وبينهم، وأن نفهمهم وهم يفهمون أن مصلحتكم مع شعوبكم، وليس مع عدوكم، ولا نقبل لحكامنا أن يكونوا أداة يلعب بها وقت ما يريد الأعداء، فإن انتهى دورهم أثاروا عليهم الشعوب ليخرجوهم أو يقتلوهم، وإن كانت الشعوب الآن لا تستطيع أن تفعل شيئاً، فإن الغد لا يدري أحد ماذا يحمل في طياته، ولا يلومن متباطئ إلا نفسه.<BR>والضغط على المحافل الدولية من أن تخرج من هزالها، وأن تظهر على صورتها الحقيقية، إما أنها قادرة على فعل شيء، أو تظهر بضعفها وخورها، أو على الأقل بانحيازها للظلم الإنساني، وأن دولة ظالمة محتلة تقوم بكل ما تقوم به بعد الاحتلال من القتل والتشريد تحت سمع وعين العالم كله لهو خزي وعار للمجتمع الإنساني بأسره، وأن كل ما ينادي به ميثاق الأمم المتحدة إما أن يطبق على الجميع أو تلغى هيئة الأمم ومجلس الأمن؛ لأن هذه الهيئات أصبحت حبراً على ورق، لا قيمة لها.<BR>كما أن التواصل مع شعوب الغرب وأمريكا، والتفاعل مع المؤسسات الداعية للسلام من الأمور التي يجب أن ننتبه لها، فإن هذه الشعوب قادرة على أن تحرك وتغير، أما الحكومات الغربية، فإنها تتعامل معنا بمنطق القوة والغطرسة، ولكنها لا تستطيع أن تفعل هذا مع شعوبها، فلماذا لا نفعل هذا التواصل معهم، وأن نشرح لهم قضايانا، وأن نفكر معهم في وسائل يمكن أن يقوموا بها، وأن يكتب مفكرونا المحاور المطلوبة من الشعوب الغربية، كشعوب تحترم ذاتها وإنسانيتها، كدور فعال لها في المجتمع الإنساني،<BR>ويمكن كتابة دراسات حول دولة إسرائيل وجرائمها في فلسطين بالحجج التاريخية، ومخالفة هذه الأفعال للدساتير والقوانين الدولية المتفق عليها بين الدول، باختلاف عقائدها وأفكارها ونظامها، وأن إسرائيل تعدت كل الخطوط الحمراء، غير آبهة لأي دولة في العالم، مادامت أمريكا صاحبة حق الفيتو وراءها تساندها، و تبارك كل عمل إجرامي إرهابي منها.<BR>وكذلك السعي إلى إلغاء ما يعرف بحق الفيتو، وأن تكرس الدول الإسلامية والعربية مع الدول الغربية جهوداً ضخمة للوصول إلى هذا الهدف، فكم منع هذا الحق شعوباً من حقوقها، وكم تسبب في إسالة الدماء وقتل الأبرياء تحت غطاء حق الفيتو، أو على الأقل أن يوافق على كل اقتراح توافق عليه الدول، ومعها ثلاثة أعضاء على الأقل ممن لهم حق الفيتو.<BR>ومحاولة الضغط على الحكومات العربية أن تتحرك بشكل فعال، وأن تقوم الشعوب بالمقاطعات العامة التي تضر بالنظام العام، والدعوة إلى العصيان المدني، ما لم تتحرك حكوماتنا لفعل شيء، فيمكن الدعوة إلى الإضراب عن العمل يوماً مثلاً، وقيام المظاهرات أمام الوزارات والمجالس النيابية، وأمام السفارات الأمريكية، وطرد السفير الأمريكي والإسرائيلي من كافة الدول العربية، ولو بالقوة حتى يشعر الأمريكان والصهاينة أن الشعوب ليست ضعيفة، وأن بيدها أن تقوم بفعل شيء، وإن كانت الحكومات لا تستطيع أن تفعل هذا، فلا أقل أن تترك الشعوب تفعل، وتتخذ موقف الحياد.<BR>وعلى المجالس النيابية في الدول العربية أن تقوم بدورها، بطلب إحاطة لرؤساء الدول، وأن تناقش هذه المجالس الأدوار المطلوبة؛ لأنها هي المسؤولة عن مراقبة الدولة ونظامها، وأن يتخذوا من القرارات الحازمة التي تجبر الحكومات على فعل ما يجب فعله، تجاه قضايا الأمة.<BR>وأن تقوم جامعة الدول العربية بدور فعال أيضاً، تلزم به الدول العربية كلها، وإلا هددت بحل الجامعة، وبرأت نفسها أمام الله، ثم أمام الشعوب أنها ما وقفت موقف الخزي والهوان، وأن تقوم رابطة العالم الإسلامي، وكل المنظمات الإسلامية بالنفير العام لإلزام الحكومات بفعل شيء يحقق مصالح الأمة.<BR>أما داخلياً، فإن التربية الجهادية للأمة أفراداً وجماعات يجب إعادة النظر إليها مرة ثانية، وأن تبث التربية الجهادية من خلال البرامج الإذاعية والفضائية، وأن يقوم كل إنسان بدوره المطلوب في مكانه، ليكون لبنة في صرح هذه الأمة، وهذا من باب الإعداد الذي دعا الله - تعالى - إليه "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ" (الأنفال: من الآية60)، وأن تمنع وسائل ضعف الأمة من الانحلال الأخلاقي، والفساد الاجتماعي والاقتصادي، وأن يقوم الدعاة بدورهم مع ساسة الرأي من الوزراء والمسؤولين من أصحاب القرار.<BR>وأن نتجه إلى جهاد الحياة مع جهاد القتال، فمن عاش حياته مجاهداً في سبيل الله، هانت عليه نفسه أن يقدمها رخيصة في سبيل الله "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ" (التوبة: من الآية111).<BR>وأخيراً يجب علينا أن نبث روح الأمل في الأمة، وأن نوقن أن نصر الله قريب "كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ" (المجادلة:21)، "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" (التوبة:33) وألا نيأس من روح الله "إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف: من الآية87)، هنيئاً لشهدائنا وأمتنا ما تقدم من عطاء في سبيل الحق، فما تعيشه الأمة ما هو إلا تمحيص لها، حتى تكون أهلاً لنصر الله لها على أعدائها "الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" (العنكبوت:1-3).<BR>نسأل الله - تعالى - أن يهيئ لهذه الأمة أمراً رشداً يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، ويحكم فيه شرع الله ومنهاجه "وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ" (الروم:4، 5).<BR><br>