وساطة الإسلاميين في الفلوجة.. علامات استفهام
14 ربيع الأول 1425

الوساطة إجراء سياسي تقليدي يتخذ من قبل قوى سياسية مختلفة في حال نشوب أزمة سياسية بين طرفين أو عدة أطراف، وعادة ما يقوم الوسيط بذلك تحقيقاً لأهداف مصلحية متعددة، وليس فقط لمجرد التوفيق بين الطرفين أو رفع الظلم عن أحد الأطراف، وأهم صفة لازمة للوسيط أن تكون له علاقات طبيعية مع الطرفين تزيد من جدوى الوساطة..<BR>وعندما نطبق هذا الكلام على الواقع العراقي، سوف نجد نماذج متنوعة من الوساطات السياسية، إلا أن وساطة الإسلاميين في مذبحة الفلوجة قبل ثلاثة أسابيع تقريباً بين أهالي الفلوجة والأمريكيين كانت هي الأبرز وإن لم تنل حقها من النقد و التقويم، فقد شارك فيها قياديون من الحزب الإسلامي العراقي مع تشكيلة من الحزب الدعوي الشيعي وأعضاء في مجلس الحكم وهيئة علماء المسلمين..<BR> وأثارت هذه الوساطة علامات استفهام عديدة حول دور الحزب الإسلامي في دولة مسلمة يحتلها الأمريكيون، نذكر أبرزها، فأولاً: هدف الوساطة لم يكن واضحاً، هل هو وقف المقاومة أم وقف العدوان الأمريكي؟ وثانياً: لماذا يتشارك مع الحزب الإسلامي أعضاء في مجلس الحكم لا يعنيهم ما يحدث لأهالي الفلوجة، بل في بعض زيارات الوساطة شارك أعضاء من حزب الدعوة الشيعي الذي يتزعمه إبراهيم الجعفري، بينما كانت ميلشيات تابعة لحزبه تشارك الأمريكيين في قتل مسلمي الفلوجة، واعترف بذلك انتفاض قنبر المتحدث باسم أحمد الجلبي، وثالثاً: كان معلوماً للجميع أن تصفية المقاومة وكسر المقاوم السني هو الهدف الرئيس الذي لن يحيد عنه الأمريكيون، وبالتالي لن توقف الوساطة قتل الاهالي أو تدمير المدينة، لكن فقط ستنظم ذلك على جولات لالتقاط الأنفاس أو لتنفيذ انسحاب يستر الهزيمة، ولهذا لم تحقق أي إنجازات تذكر لساكني الفلوجة..<BR>وتعليقاً على نتائج الوساطة قال فؤاد الراوي (أحد أعضاء الحزب الإسلامي): " لقد أثمرت الجهود التي بذلت، حيث قل القصف الأمريكي، وتم التوصل إلى وقف إطلاق النار بين الطرفين، والذي ما زال مستمراً - والحمد لله-" وهو بهذا يعد أن تراجع حدة القصف الأمريكي إنجازاً يستحق الإشادة، يعني انخفاض عدد الصواريخ التي تنفجر فوق رؤوس مسلمي الفلوجة من ثلاثين إلى عشرين مثلاً، يعد إنجازاً يستحق التنويه، وأي معنى لوقف إطلاق النار بينما الجثث تتحلل في الشوارع وتأكلها الكلاب الضالة، والقناصة الأمريكيون يصطادون الأطفال والنساء قبل الرجال عندما يخرجون من بيوتهم..<BR>أما رابعاً: يتساءل البعض عن هدف الحزب من هذه الوساطة التي لم ينتج عنها خير لأهالي الفلوجة، فقد انتهت الوساطة وخمسة آلاف أسرة كانت لا تزال تخيم في الصحراء ولم يسمح الأمريكيون إلا بعودة عشرات منهم فقط، هل هي لرفع الحرج عن مشاركة الحزب في المجلس الانتقالي الأمريكي؟ أم هي محاولة لتفعيل دور سياسي عن طريق بوابة التفاوض والوساطة بين أهل السنة والاحتلال؟ أم هي محاولة لمزاحمة هيئة علماء المسلمين وتقليل نفوذها خشية من سيطرتها على الشارع العراقي السني؟<BR>وهناك تحليل آخر يقول: إن الحزب الإسلامي في مواجهة مذبحة الفلوجة وجد نفسه بين خيارين: الأول، الانسحاب من المجلس الانتقالي وهو ما فعله بعض الأعضاء لكن بصورة شكلية حيث لم يتحملوا الفراق ورجعوا في قرارهم، وقد طالبت قيادات إسلامية الحزب بالفعل أن ينسحب على الفور ومن بينهم أعضاء في هيئة علماء المسلمين، والثاني: أن يتبنى الحزب دوراً يجعل من بقائه في المجلس شرطاً ضرورياً، وهذا الدور هو الوساطة بين الأمريكيين وأهالي الفلوجة، ووقع الاختيار على الثاني - كما رأينا-..<BR>وأخيراً.. نريد أن نعرف ما رد الحزب على اتهامات عناصر من المقاومة العراقية أن الهدنة السابقة التي توصل إليها مع الأمريكيين تسببت في إرباك المجاهدين ورجحت كفة الاحتلال، ومكنته من التقاط الأنفاس مع تنفيذ مخططه الدموي في الفلوجة، ولكن بوتيرة هادئة لا تحدث صخباً إعلامياً تحت شعار: القنص خير من القصف..<BR>هذه تساؤلات - وليست اتهامات - بالغة الأهمية نطرحها على قيادات الحزب الإسلامي العراقي، وننتظر منهم جواباً يريح ضمائرهم وعقولنا..<BR><br>