القوة الطاغية الباغية
5 ربيع الثاني 1425

لم تمرّ على الإنسانية حقبة تاريخية تمكّن فيها الظالمون بباطلهم .. أشدّ من الزمن الذي نعيشه، فالعالَم أصبح أشبه ما يكون بغابةٍ متخمةٍ بالوحوش الضارية، التي لا ترويها أنهار الدم النازف هنا وهناك في هذه الأرض .. عالَمٌ تتسلّط على رقابه حفنة من المجرمين الموتورين، امتلكت قوةً هائلة، لم تجد مجالاً لاستخدامها إلا في التدمير والتخريب وإشاعة الظلم والقهر والفوضى، فجعلت من جبروت القوة وسيلةً للابتزاز والإذلال وارتكاب ما يحلو لها من الانتهاكات والجرائم بحق الإنسانية، وأصبحت القوة هي الأمر الوحيد الذي يحتكم إليه طغاة العصر، فضاعت القِيَمَ الإنسانية، وضاعت الأخلاق السويّة التي من المفترض أن تتحكم بالنفس البشرية، لتتصدّى للمهمة الأساس التي أوكلها الله _عز وجل_ إليها، وهي : عِمارة الأرض، وإحقاق الحق، وإزهاق الباطل، ونشر العدل والقسط بين الناس !.. ".. هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ" (هود: من الآية 6).<BR><BR><BR>عقيدة القوة الطاغية الباغية، اعتنقتها حفنة من المهووسين المجانين، بعد أن شعروا أنهم امتلكوا عواملها ومفاتيحها، فاجتمع جنون النفس البشرية وتجرّدها من كل خُلُقٍ إنسانيٍ سويّ .. مع القوّة المارقة الشريرة، فكانت النتيجة بطشاً وظلماً وجبروتاً وطغياناً وتدميراً واستعباداً ونزفاً للدم في كل مكان !.. وكان في المحصّلة النهائية انقلاب مريع في المفاهيم الإنسانية وأسس التعامل بين البشر، فظهر العالَم وكأنه يسير على رأسه وليس على قدميه، وانقلبت مع ذلك أسس الروح الإنسانية، فأصبح (الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف) هو أصل العلاقات بين الشعوب والأمم .. تلك العلاقات التي نسجت خيوطها حفنة القراصنة الطغاة القابعة في البيت الأبيض الأميركي، ولم تعد خافيةً على عاقلٍ في هذه الدنيا تلكم الأصابع الخفيّة التي تُحرِّك حفنة القراصنة أولئك : الأصابع الصهيونية اليهودية، التي التقت مصالح أصحابها الفاجرين المجرمين، مع مصالح المصابين بجنون التطرف والتسلط والعَظَمَة في أميركة والغرب، فكانت هجمة الوحوش الضارية الشرسة موجهةً توجيهاً دقيقاً، نحو الإسلام دِيناً وعقيدةً ومنهج حياة، ونحو العالَم الإسلاميّ أرضاً ومهداً للإسلام، ونحو المسلمين إنساناً وأداةً لمقاومة الظلم والعبودية لغير الله _عزّ وجلّ_ !<BR><BR>لقد سقطت -مع إسقاط كل القِيَمِ الإنسانية من قِبَلِ العصابات القابعة في أميركة وإسرائيل والغرب- كل الدعاوى العِراض، التي استطاعت تزييف الحقائق على مدى قرنٍ كامل، فسقطت -مثلاً- مزاعم تحقيق الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية واحترام استقلال الدول وما يسمى بالشرعية الدولية ... وغير ذلك ! وظهر أولئك الطغاة على حقيقتهم تماماً، وتبين أنهم ليسوا سوى حفنةٍ من السفّاحين الساديّين مصّاصي الدماء، الساعين إلى ابتزاز الشعوب المستضعَفَة واحتلال أوطانها، واستغلالها وإذلالها وقهرها، محَمَّلين بكل أدوات الاستكبار والاستبداد ونهب الأوطان وانتهاك حُرُماتها!<BR><BR>هكذا سقط العالَم بين أيدي القُرصان الأكبر : أميركة، والقراصنة الكبار المتواطئين في الغرب، والمحرّك لكل هؤلاء : القُرصان الصهيونيّ اليهوديّ ! وكانت الرهينة والضحية لكل ذلك، هي العالَم العربيّ والإسلاميّ، الذي يرزح تحت نِيـر التجزئة والتشتّت واستبداد الأنظمة القطرية، المتواطئة مع كل مؤامرةٍ يحوكها القراصنة، مقابل احتفاظها بكراسيّها التي تدير منها مؤامرات التسلط والاستبداد والاستعباد بحق شعوبها المسلمة، فتمنعها من الوحدة والتحرر والسير نحو الحياة العزيزة الكريمة ! أي أنها (أي: الأنظمة) تقوم بمهمة الناطور الذي يحرس مصالح القرصان الأكبر، والقراصنة الآخرين على اختلاف أنواعهم وجنسياتهم !<BR><BR>وكما لم تمرّ على الإنسانية حقبة تاريخية كهذه، التي تمكّن فيها الظالمون بباطلهم .. فإنه كذلك، لم تمرّ حقبة تاريخية كان فيها الإسلام والمسلمون جهةً مستهدفةً وحيدةً بكل هذه الشراسة، كالحقبة التي نمرّ بها، فأصبحت المعادلة الدقيقة منسوجةً على الشكل التالي : أميركة والصهيونية والغرب بظلمهم وطغيانهم وباطلهم وغطرستهم .. في طرف، والإسلام والمسلمون والعالَم الإسلاميّ .. في الطرف الآخر، هدفاً وحيداً للطرف الأول !.. ولعلّ هذا الترتيب الإلهيّ لطرفي المعادلة، هو الخطوة الأولى لإعادة الأمور إلى نصابها، وإعادة الإنسانية إلى إنسانيتها، وإعادة العالَم إلى طبيعته في السير على قدميه لا على رأسه، وإعادة الحقيقة الربانية الخالدة للأمة المسلمة المؤمنة : (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) .. إلى سابق عهدها !<BR>لقد جرّبت البشرية خلال عقود ضياعها، كل المناهج الممكنة لتحقيق العدل والمساواة والسعادة والرفاهية .. من أقصى يسار الاشتراكية والشيوعية إلى أقصى يمين الرأسمالية وما يسمى بالليبرالية .. فكانت النتيجة مذهلةً مروّعة : مزيداً من الجَوْر والشقاء والعبودية لغير الله !.. وظهرت هذه الحقيقة بأجلى صورها، خلال السنوات التي بدأت بتحكّم القطب الواحد الأميركي بالعالَمْ .. هذا العالَم الذي لم يحصد في هذه السنوات الأميركية العجاف، إلا مزيداً من الجَوْر والشقاء والخوف والفاقة والفوضى !.. ولعلّه لم يَبْقَ لخروج البشرية من مأزقها الخطير الحاليّ بعد سقوط المناهج الوضعية، إلا المنهج الربانيّ : الإسلام، ومنهجه العادل الصالح لكل زمانٍ ومكان .. الإسلام مُنقِذاً في أول الأمر، ثم ناظماً لحياة البشر وحاكماً لهم، يُرخي عليهم ظلال العدل والمساواة والسعادة والرفاهية والأمن، واحترام إنسانية الإنسان وحقوقه، واحترام الكرامة والمروءة الإنسانية، وإحياء الروح الإنسانية الحقة، بكل ما تختزنه من رحمةٍ وقِيَمٍ خلاّقةٍ كريمةٍ عزيزة ! ولهذا كان قولنا: إنّ كَوْنَ الإسلام والمسلمين والعالَم الإسلاميّ أحد شِقّي المعادلة الآنفة الذكر، هو الخطوة الأولى لإحقاق الحق وإزهاق الباطل، وإعادة الأمور إلى طبيعتها الإنسانية الكريمة !<BR><BR>لا يَغرّنّكم ظهور الباطل وسطوته وقوّته الهائلة، ولا غياب الحق وضعفه وقوّته المُغَيَّبة !.. فأساليب القهر والظلم والمكر، والاستفزاز المتواصل للعالَم العربيّ والإسلاميّ، وللإنسان المسلم .. ستكون عاملاً حاسماً في إيقاظه من غفوته، للبحث بجدٍ عن نفسه ودعوته وهويّته وإسلامه، وتفجير عوامل قوّته الهائلة المخزونة المعطّلة .. ومَن يبحث عن أمرٍ فيه نجاته وتحرّره وتحقيق كرامته وعزّته .. فسيجده لا ريب في ذلك، وحين سيجده لن يحصد الباطل وقراصنته إلا المقاومة والدفع والانقضاض المشروع، الذي سيأتي بالإسلام منهجاً شاملاً وحيداً لحياة الناس، بعد أن يتهاوى الباطل وجنوده ومنهجه في كل مكان، ويأتي اليوم الذي تعيش فيه الإنسانية بلا شرٍّ، أي : بلا كيانٍ صهيونيٍ ولا قرصانٍ أميركيٍ ولا قراصنةٍ غربيين مجرمين، من أولئك الذين خانوا المبادئ الإنسانية التي وضعوها بأيديهم ! " فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ" (الأنعام:44).<BR><BR>عندها ستعيش البشرية عدلاً إسلامياً، ورحمةً ربانيةً، ورخاءً محاطاً بمنظومةٍ متكاملةٍ من الأخلاق السليمة والقِيَم الإنسانية النبيلة !.. ولا يغرّننا اشتداد سُعار الباطل وقراصنته الذي نشهده هذه الأيام، فالطاغوت يكون أشرس ما يكون وأكثر حُمقاً ورعونةً وساديّة، حين تبدأ أركان قوّته وأسس وجوده بالانهيار، في طريقها إلى الزوال والاضمحلال، يوم ينسفها الله _جلّت قدرته_ نسفاً، كأنها لم تكن بالأمس !<BR> "... وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً" (طـه: من الآية 97).<BR><BR>الإسلام قادم _بإذن الله_ بعدله ورحمته ووسطيّته واحترامه لحقوق الناس وكرامتهم، فقد أفلست كل المناهج الوضعية إفلاساً مروّعاً، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فأين المسلمون ؟!<BR><br>