برغم مأساة رفح ، الكيل بعدُ ما طفح !!
5 ربيع الثاني 1425

<p>[email protected] <br />
<br />
بين أنات المكلومين وآلام المشردين في رفح , وتكبيرات المجاهدين الفلسطينيين لا تبدو المسافة بعيدة بين الصبر والنصر , كلاهما ملتصقان متلازمان ؛ كما عن ذاك أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم , حين قال &quot; النصر مع الصبر&quot; . ومن هنا كانت حجم المأساة المريعة في رفح عنوان الانتصار في أروع صوره وأبهاها.<br />
<br />
وتحت هذا العنوان النبوي ؛ بمقدورنا أن نقرأ ما يجري على الأرض الفلسطينية المباركة , من خلال الأحداث التي تؤشر إلى أن مخاض الوليد الجديد في أرض المحشر عسيرة لكنها ناجحة , تشهد أيام النضال على نجاحها كلما سقط غاصب أشر أو ارتقى بطل أغر.<br />
<br />
والأرقام بعيدة كل البعد عن الإنشاء والبلاغة , وهي بدورها تصب في الجدول الرقراق عينه ؛ جدول الانتصار الصعب والأكيد في آن معا. <br />
أرقامنا ـ لا بل أرقامهم هم ـ تتحدث عن وصول أعداد قتلى الصهاينة قبل بضعة أيام إلى ألف قتيل منذ بدء انتفاضة الأقصى المباركة , وفي حين مرت على الانتفاضة الفلسطينية ما ينوف بقليل عن 1300 يوم ؛ فإن هذا الرقم يعني أن الكماة الفلسطينيين برغم كل أتراحهم نجحوا في فرض أجندة المقاومة على الجميع وحققوا رقما صعبا جدا في الصراع , وهو 77 ,0 قتيل صهيوني كل يوم أو بالأحرى 3 قتلى يهود غاصبين كل أربعة أيام فقط , وهو رقم لم يكن العرب جميعهم يحلمون بتحقيق أي نسبة منه منذ أن ألقوا السلاح إثر حرب أكتوبر قبل ثلاثين عاما. هذه الحرب التي أسفرت بكل جبروتها العسكري والدعائي عن مقتل نحو 2500 صهيوني وفقا لتقديرات يهودية.<br />
أرقامهم تقول : إن 79 % من الصهاينة يؤيدون الانسحاب من غزة إلى الأبد وفقا لمعاريف , و71% حسب يديعوت أحرونوت ( 13 مايو الحالي ).<br />
<br />
أرقامهم تؤكد بلا مواربة بأن الصهاينة مرعوبون من غزة ومن كمائن غزة وهجمات المستوطنات داخل غزة , فقد خرج 150 ألف صهيوني من اليسار واليمين على حد سواء في 15 مايو الحالي يجأرون إلى الحكومة الصهيونية المتطرفة أن دعوا غزة , فما لنا وأرض الأشاوس.. <br />
<br />
أحوالهم تنطق بالفزع من غزة , وأقوالهم تشي كذلك بذلك : <br />
ـ &quot;فليكن واضحاً. يجب اتخاذ القرار ما العمل. ما الهدف. ما الأجندة. ما نرغب في عمله. إلى أين الوصول. تريدون الخروج من غزة؟ تفضلوا. هيا نخرج. تريدون الدخول في غزة؟ لا مشكلة. يمكن الدخول. سور واقي 2، سور واقي 3، قدر ما تريدون. المشكلة هي انه لا يمكن البقاء معلقين في الوسط. في عدم يقين. في مثل هذا الوضع، سيطاردوننا ضرباً. هذا يجتذب النار، ويخلق إصابات، ويزيد الارتباك. هذا ليس نزيهاً تجاه الجنود. هذا الفراغ هدام&quot;. هذا حديث الصقور من قادة جيش الاحتلال الذين نقلت &quot;معاريف&quot; الأسبوع الماضي عنهم , دعك من الحمائم! فأشلاء الجنود التي طارت وأطارت صوابهم في حي الزيتون الباسل ما جعلت للصلف سبيل للصقور , وأخرست المتكبرين عن الكلام. <br />
<br />
ـ كتب جدعون سامت في صحيفة هاآراتس: إن الحكومة الصهيونية لا تدري أي طريق تختار، وتباكى على جيشه الذي وصفه بالضال في قطاع غزة.<br />
وقال المحلل العسكري الصهيوني زئيف شيف في نفس الصحيفة أن دولة الاحتلال تواجه خطر الغرق في مستنقع القطاع، واصفًا إنجازات الجيش الصهيوني في رفح بالهزيلة.<br />
أما بن كاسبيت فكتب في صحيفة معاريف تحت عنوان: &quot;فشل: حدث هنا فشل وإخفاق ويتوجب على الجيش أن يفحصه ويقومه&quot;.<br />
<br />
ـ &quot;إن الوضع أسوأ مما كان عليه في لبنان&quot;هكذا قال ضباط كبار لصحيفة معاريف العبرية تعليقا على عمليات غزة الجريئة التي أوقعت 12 صهيونيا على الأقل قتلى جراء تفجير مدرعتين , ذات الكلام رددته المعلقة الصهيونية في الإذاعة العبرية قائلة :&quot; ما حدث في اليومين الأخيرين لم يحصل منذ ثلاث سنوات ونصف السنة. الهزة غير المسبوقة التي أحدثها تفجير ناقلتي جنود مدرعتين. ستة جنود ثم خمسة سقطوا، فعلوا بنا ما لم يفعله نحو ألف قتيل سبقوهم، أعادوا تجربة &quot;لبنان&quot; ثانية. ليس لأن التفاصيل مطابقة... ولكن لأن لبنان كما غزة نوع من اللعنة، إنها لعنة لا يمكن دحضها &quot;. إنه هو عينه المعنى الذي تتمحور حوله كل تعليقات الصهاينة على تفجيرات غزة وما تلاها من عمليات وحشية في رفح , ففي اليوم التالي لعمليتي غزة كتب المحرر في &quot;يديعوت احرونوت&quot; ايتان هابر: &quot;أمس انتهى الكلام... ماذا يمكن أن نقول أو نكتب بعد هذا؟(إن وقع الصدمة أفظع حتى من تلك التي أحدثها مقتل 500 ضابط وجندي إسرائيلي في يوم واحد إبان حرب العام 1973 أو العمليات [الاستشهادية] التي قتلت 20 و30 شخصاً في حافلة واحدة) هذه المرة ضرب بندول اليأس الشارع الإسرائيلي من أساسه، ربما لأن الحديث هو عن نزيف لا نهاية له أو عن قصف أعمار شباب في طرفة عين أو لأن الضربات المتتالية يوماً بعد يوم خلقت ترسبات متراكمة من الألم (..) إن أجواء انقباض الصدر التي تغلغلت في أعماق كل إسرائيلي وحوّلت إسرائيل إلى &quot;عائلة ثكلى واحدة مردها، ربما، إلى النزيف غير المتوقف والجرح الذي يرفض أن يندمل لكنها في الأساس ناجمة عن فقدان الأمل وهذا فضلاً عن العجز المشترك لليمين واليسار، للجنود وذويهم، لا ضوء في نهاية النفق بل لا شرارة كبريت&quot;. <br />
<br />
وبذات اليراع كتب المعلق الصهيوني عمير ربابورت في &quot;معاريف&quot; متكهنا بأنه في حال كهذه من حيث الهروب إلى الأمام في غزة ؛ لابد أن يتكرر &quot;سيناريو جنوب لبنان&quot; بعد أن لاحظ التشابه بين عمليات غزة الأخيرة النوعية والمتطورة وأساليب المقاومة اللبنانية.<br />
<br />
وهنا نلاحظ غير فائدة من الأحداث الأخيرة وأكثر من وقفة : <br />
[] أول فوائد الأحداث الأخيرة رغم كل آلامها وجراحها أن الصهاينة قد وصلوا إلى حافة الإفلاس السياسي والأمني ولولا حبل من الناس لـ&quot;حازوا&quot; الاقتصادي أيضا . إن ما يلفت الانتباه لدرجة الدهشة أن يلجئ المقاومون أكثر حكام الكيان الصهاينة شراسة (شارون) على الهرولة باتجاه الحصول على الدعم البرلماني لخطة &quot;فك الارتباط&quot; التي لا تعني سوى العودة إلى مربع بيريز الأول الذي كان يراه شارون في السابق متخاذلا جدا ومتراجعا عن تحقيق طموحات صهيون. وزير المستوطنات (سابقا) الأشهر في الكيان الغاصب هو الآن أول من يسعى إلى التخلي عن مستوطنات قطاع غزة التي غدت فادحة الفاتورة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. أحد أبرز مهندسي الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين ؛ الداعم لها بلا حدود ؛ الذي لا يبالي بأي نقد خارجي في هذا الخصوص , يشهد عصره الدامي الآن أكبر هجرة عكسية في تاريخ الاحتلال الصهيوني مذ شكل كيانه العنكبوتي قبل 56 عاما , 750 ألف يهودي من الطبقة الثرية وفوق المتوسطة من أرباب الجذور الغربية لاذوا بالفرار خلال الشهور الـ42 الماضية التي شهدت انتفاضة الأقصى الجسورة. أحد أكبر الطغام الغطاريس الذي جاء مطلق اليد يلج في الدماء كيفما شاء متوعدا بإنجاز مهمة الأمن لبني صهيون في مائة يوم لا أكثر ؛ ها قد مر على حكمه 1140 يوما (أحد عشر ضعف ما وعد به , وما وفى) وقد أدت سياسته الأمنية الرعناء في تحقيق أعلى معدلات لقتلى اليهود منذ عقود. <br />
<br />
[] وثاني هذه الفوائد التي تمخضت الأحداث عنها هي المفارقة اللافتة التي جمعت بين سكان رفح الـ 150 ألفا والمتظاهرين اليهود الـ 150 ألفا أيضا ؛ الناقمين على حكومتهم أن تركت أبناءهم في جيش الاحتلال يتسربلون بالدم ويخوضون الدم ويتناثرون لأشلاء في غزة. وبين هؤلاء وأولئك بُعد المشرقين : فالأولون رغم الصواريخ .. رغم قذائف الدبابات .. رغم الطائرات الحوامة غليظة القلب والقالب ؛ صامدون .. متشبثون بالأرض والكرامة , لا يبغون عنهما حولا .. أما أعداؤهم فيفرقون من الأطفال ونساء المخيمات إذ حبسوهم في جلودهم , فارتفعت حناجرهم هاتفة أن &quot;ارحلوا عن أرض المعاد&quot; <br />
فلله دركم أهل رفح وأهل غزة من ورائكم وأهل فلسطين من حولكم , وبؤسا لأشقياء غرتهم الحياة الدنيا &quot;يود أحدهم لو يعمر ألف سنة , وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر&quot;. <br />
<br />
[] وثالث فوائد الأحداث ووقفاتها هو مع المقاومين البررة الذائدين عن حمى المسلمين جميعهم , الذين يسطرون الملاحم , ويثبتون دوما أنهم رغم كل ما ألم بهم من أذى لو وقع فوق كاهل الولايات المتحدة نفسها لأصابها من بعده الخور والتفكك ؛ قادرون ـ بمقدور الله وموعوده ـ على التأقلم البيئي المقاوم , والتطور الذي لا يحده قوالب جامدات , ولقد سبق أن طالب الأستاذ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس من المقاومة بعد اغتيال الشيخين أحمد ياسين والرنتيسي كتائب عز الدين القسام وأخواتها أن تغير كلية من استراتيجيتها العسكرية , وبدت تباشير ذلك من تحرك المقاومة على نحو لا يقف عند حد العمل الاستشهادي , ويضن ـ بحكمة ـ بأرواح المقاومين من دون أن &quot;يحرم&quot; الصهاينة &quot;نعمة&quot; العمليات الهجومية الرعيبة والنوعية. (للمناسبة حاولت عدة صحف ومجلات &quot;إسرائيلية&quot; وأمريكية ـ منها النيوزويك 25 مايو ـ أن تحاول إيجاد علاقة بين عمليات غزة الأخيرة وعمليات حزب الله في الجنوب اللبناني أثناء الاحتلال الصهيوني للجنوب لتشابههما من الناحية العسكرية لكنهما قد أبعدا النجعة بذلك , فلا كل تشابه في العمليات يعني التقارب في الرؤى والتعاون العسكري ؛ وإلا لرصدنا تقاربا بين الروس والشيشان ,والفلبينيين ومسلمي الجنوب , والسيخ والتاميل وحماس على خلفية اتخاذهم جميعا طريقة العمليات الانتحارية للأولين والاستشهادية للأخيرة , ولا هم يدركون أن الحزب لا تمر دونه شاردة وواردة من العمليات التي ينفذها أو يشارك بها من دون أن يطنطن بها , وما عرف عنه يوما أنه يحتسب عملياته من دون أن يجاهر بمسؤوليته عنها , ولم يؤثر عنه أنه تعاون مع حماس في هكذا عمليات).<br />
<br />
[] وآخر وقفاتنا , همسة في أذن العرب بعد أن انفض سامرهم وكأنهم قد قاموا عن جيفة حمار لا عن قضايا مصيرية تمس كل شعوب المنطقة وحكامها بشكل مباشر : أيقبل أن تجتمعون ولا تتذكرون المقاومة بشيء من فوائض أموالكم المكدسة وأسلحتكم الصدئة ؟ أراكم سكتم عن جرح فلسطين والعراق , أفتصمتون عن مصر التي خاضت حروبا كثيرة في فلسطين وتتركونها نهبا للكيان الصهيوني الذي تجاوز الحد بـ&quot;الإضرار&quot; بـ38 منزلا في رفح &quot;المصرية&quot; وواصل عدوانه على تل السلطان &quot;المصري&quot; .. ثم , أفيكون الرد الأمثل على خدش سيادتنا نارا نصب لظاها على من يجمعون التبرعات للفلسطينيين المكلومين فنصادر مئات الآلاف من الدولارات ونعتقل ونستأسد على جامعي التبرعات للفلسطينيين ؟ أهكذا تنتزع السيادة السليبة ؟ أم أن هذا هو الخبر المسموح به وسط تعتيم إعلامي يقفز حول حقيقة أن بلادا عربية غير فلسطين تنتهك سيادتها وهي لا تقدر حتى على الكلام , وجل ما تقدر عليه أن تحول بين الرئة الفلسطينية والتنفس بشكل طبيعي &quot;عربي&quot;!!<br />
<br />
لعلنا مغرقون في التشاؤم بما لا يوافقنا عليه القادة العرب &quot;الأندلسيون&quot; الذين لم يجدوا حاجة في الاجتماع لأن عندهم ما يشغلهم عن حضور هذه التفاهات إذ الأمر كله على ما يرام ولا يحتاج لهذه الجعجعة , فبرغم كل ما يجري في العراق وبرغم مأساة رفح , فإن الكيل بعد ما طفح !!</p>