قمة الزعماء العرب : السؤال عن الحضور لا عن الغياب !
7 ربيع الثاني 1425

الذين غابوا عن مؤتمر القمة العربية لديهم أكثر من عذر ، ويكفي أن يقولوا : لم نجد فائدة تُرجى من الحضور كي نحاول تصديقهم ..<BR>لكن غفلت أكثر وسائل الإعلام عن طرح التساؤل الأهم، وهو : لماذا حضر من حضر من قادة العرب إلى تونس للمشاركة في قمة هزيلة ضعيفة يعرفون مقدماً أنها مجرد وفاء لنذر سنوي قطعوه على أنفسهم فيما لا يملكون ..<BR>والأعجب أن تظهر فئة ثالثة جمعت بين الحُسنيين : الغياب والحضور ، وهم: قادة ليبيا، والبحرين، والجزائر، والأردن، ومصر ، فقد حضروا جلسة واحدة " وفي الرواية الليبية جزء من جلسة ، وفي الرواية المصرية جلستين ونصف " ، وهو تصرف غامض أيضاً يستدعي تساؤلاً مماثلاً ..<BR>ونحاول أن نلقي الضوء على ظروف أبرز الزعماء العرب الذين حضروا ، فنبدأ بالزعيم الكاريكاتوري معمر القذافي الذي نجح الأمريكيون في إكساب شخصيته مزيداً من الشيزوفرينيا ليصبح بألف وجه ولسان ، ولتستخدمه إدارة بوش " فزَّاعة " للزعماء العرب : " انظروا هكذا سيكون حالكم لو لم تبادروا بتنفيذ رغباتنا في وقت مبكر قبل أن يستفحل المرض " ..<BR> والقذافي لا تستقيم نفسيته ما لم ينثر الغموض فيمن حوله بخصوص مسلكه العجيب ، ولا أكون مبالغاً إذا قلت: إن أحد أسباب حضوره – ثم غيابه - رغبته في ألَّا يقطع عادته الإعلامية في كل قمة عربية ، حيث يفجر إحدى مفاجآته الحمقاء ثم يتربع للصحفيين موزعاً ابتساماته البلهاء ذات اليمين وذات اليسار ليكون حديث الساعة ، وهذا تكرر منه في أكثر من مؤتمر قمة ، نذكر منها على سبيل المثال : في قمة فاس عام 1982م رفض أن يصافح الحسن ملك المغرب السابق إلا بقفاز ارتداه؛ لأنه _كما قال_ يقيم علاقات مع الصهاينة ، وفي قمة الجزائر عام 1988م غاب عن جلستها الأولى بلا سبب واستلقى في شرفة غرفته يتناول القهوة و " يتشمس " ، وقبل آخر قمة عقدت بالقاهرة كشف القذافي عن بيانها الختامي في برنامج الاتجاه المعاكس في فضائية الجزيرة قبل عقدها بأيام مسبباً حرجاً بالغاً ، وفي القمة الأخيرة كان حريصاً قبل انسحابه على الظهور أمام الكاميرا وهو يدخن سيجارة أمريكية ، ولما سئل لماذا يدخن ؟ قال : من القرف ! <BR>وفي كل قمة يتسبب القذافي في إرباكات بسبب خيمته الكبيرة ، والطريف أنه في المحاولة الأولى لعقد القمة كان قد شحن أعمدة خيمته الثقيلة إلى تونس، وبينما كان المختصون ينصبونها صدر قرار التأجيل ، واضطروا إلى تفكيكها وإعادة شحنها ، ثم أرسلت مرة أخرى من أجل ساعات قليلة قضاها الزعيم في تونس ..<BR>والأمر الغريب كان في الضغوط التي مارستها كل من مصر وتونس عليه لضمان حضوره ، فقد أرسل الرئيس المصري اللواء عمر سليمان(رئيس جهاز المخابرات) إلى القذافي ليقنعه بالحضور، وكذلك اتصل به الرئيس التونسي هاتفياً ، والتفسير الوحيد أنهم كانوا يرغبون في جمع أي عدد من الزعماء تنعقد بهم الجلسة الافتتاحية ولا يهم ما يحدث بعدها .<BR>أما الرئيس السوري بشار الأسد فليس له خيار في عدم الحضور ، وبدلاً من أن يقوى بالوحدة العربية بات يعاني من وحدة سياسية في دمشق ، فهو يبحث عن حليف يقدم له دعماً أو عوناً سياسياً أو اقتصادياً في مواجهة الضغط الأمريكية ، ولا ننسى أنه متحدث مفوه واجتماعات القمة كانت دائماً ميدانه الأول لإبراز هذه المواهب ، ويتبنى الأسد موقفاً معارضاً لمحاولات إنهاء دور الجامعة العربية وحلها ، ويجاهد من أجل البقاء في دائرة التأثير في هذا الشأن في مواجهة اللوبي العربي المؤيد للحل ، ويضم الأخير دولاً على شاكلة تونس وليبيا وقطر والجزائر على استحياء ، ولا حديث عن سوريا بدون استدعاء ظلها : لبنان ، وإن كان الرئيس اللبناني إميل لحود يمثل عبئاً على مستضيفيه لإدمانه السباحة بصورة يومية ، فلابد من توفير مقر خاص يتوفر فيه حمام سباحة رئاسي ..<BR>أما أمير قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني ، فهو يتوق إلى التميز خاصة في ظل غيبة خليجية كاملة عن القمة ، كما أنه مؤيد قوي لمشروع الإصلاح الأمريكي المسمى " الشرق الأوسط الكبير " الذي سيقام على أنقاض الجامعة العربية ، وهو يحمل دعوة إلى العرب لفتح عقولهم وقلوبهم للمبادرة ومناقشتها بحيادية _كما يقول_ وكان من المهم أن يكون هناك حليف يدعم موقف تونس الموالي لأمريكا في هذه القمة ، ونستطيع القول: إنه كان مندوب الولايات المتحدة في قمة تونس .<BR>وقد يعجز البعض – ولهم الحق في ذلك - عن استيعاب هذه المتناقضات العربية ، فكيف يحضر بعض من يعترضون على السياسة الأمريكية ويغيب البعض ، وفي المقابل كيف يغيب موالون للأمريكيين، مثل: ملك البحرين، ورئيس مجلس الحكم الانتقالي العراقي ويحضر آخرون ؟ ولفهم جزء من هذه الإشكالية ، نقول: إن بعض قادة العرب ينظر إلى الجامعة العربية على أنها أداة ممكنة لتوحيد الصف العربي أو على أقل تقدير هي حجر عثرة في طريق تفعيل مبادرة الشرق الأوسط الكبير فهم يريدون للحجر أن يستقر في مكانه ولو ظل حجراً لا نفع فيه ، وفي المقابل تتعامل الإدارة الأمريكية مع الجامعة العربية باعتبارها أداة تفريق وتفتيت للصف العربي كونها تلقي الضوء بصورة مركزة على عجزه وتفرق كلمته .<BR> وقد يتضح ذلك أكثر من خلال الأمثلة الواقعية عندما نكمل الحديث عن باقي القادة العرب " الذين حضروا " في مقال آخر.<BR><br>