أهل الحياء.. ماتوا!
13 ربيع الثاني 1425

الأمثال العربية لها مصداقية عالمية، وقد أثبتت دوماً أنها نتاج خبرات متراكمة وحوادث معبرة ومؤثرة.<BR>كان لا بد من هذه المقدمة البسيطة للولوج إلى حدث عالمي مر دون كثير من التعليقات في الصحافة العالمية رغم أنه كان في غاية الغرابة والانتشار.<BR>فبعد أسبوعين من التأخير أصدرت الخارجية الأميركية "مشكورة" تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان في العالم، حيث وزعت كعادتها الملاحظات وكالت التهم لفريق من الدول "غير المحظية"، بينما كان الثناء والتشجيع نصيب فريق آخر من الدول "الإنسانية".<BR> التأخير في التقرير جاء بناء على الشعور بشيء من الخجل وبقية من الحياء أمام العالم شعرت به إدارة الأميركية من نشر تقريرها الإنساني بعد أيام من انتشار فضائحها المهولة بحق العراقيين السجناء ما يخجل من فعله الحيوان فضلاً عن أن يقوم به إنسان.<BR>العجيب في التقرير أنه يظن أن سائر البشر من الغباء بحيث يصدقون أن مسألة حقوق الإنسان هي ما يحرك الإدارة الأميركية في العالم، وأن ما يقوم به جنودها في سبيل حقوق الإنسان لا بد أن يعتريه بعض الأخطاء غير المقصودة، وكل ذلك في سبيل حقوق الإنسان.<BR>الوقاحة المضحكة المبكية في التقرير أنه لا يزال يصر على النتائج العظيمة التي حققها الوجود الأميركي في العراق، وأنه كان ضرورة للنهوض بالبلد، وغير ذلك من الحجج التي أصبح الصغار في العالم يسخرون منها.<BR> <BR>أما الإنجاز العظيم الذي حققته الإدارة الأميركية في العراق حسب التقرير فهو أنها فضحت إعلامياً ما قام به جنودها من التعذيب المهول للعراقيين، ولم يمتلك التقرير الجرأة على القول: إن ما كانت الإدارة العسكرية تملك فعله هو تأخير نشر تلك الصور فقط بعدما تسربت إلى وسائل الإعلام الغربية والعالمية.<BR>هنا لا بد للمرء أن يبدي دهشته واستغرابه لأمر لا نعتقد أنه تكرر في تاريخ البشرية، وهو ذلك التباهي الوقح الذي أظهره العسكريون الأميركيون وهم يتسابقون إلى التقاط الصور أمام ضحاياهم المنهارة، بل أمام جثث ضحاياهم في أحيان أخرى، هذا التصرف لا نرى أن له مثيلاً عبر التاريخ إلا ما كان من جنود الجيش الأميركي الإنسانيين.<BR>كذلك كان من منجزات الإدارة الأميركية- حسب التقرير- أنها ضغطت ولا تزال على دول المنطقة للقبول بخطة "الشرق الأوسط الكبير"، ويبدو أنه سمي بالكبير حتى يتسع للدولة الصهيونية ليس إلا.<BR>نحن بالطبع لن نعارض ما جاء في التقرير، فما دام في سبيل حقوق الإنسان فمرحباً به، لكن نحب أن نضيف المزيد من الإنجازات الإنسانية التي أفلحت الإدارة الأميركية في تحقيقها خلال المدة الماضية، وربما لم تنشرها في تقريرها تواضعاً أو إنكاراً للذات، لكن نقول:إنه لا بد أن نعترف لأهل الفضل بالفضل، والمنجزات- على سبيل الذكر لا الحصر- هي التالية:<BR>- زجت الإدارة الأميركية بالمئات من الأشخاص في سجن غوانتانامو الذي صار أسطورة للموت والقهر والتعذيب، دون توجيه أي تهمة، والإبداع الأميركي في المسألة أن المسجونين ليس لهم أي صفة قانونية للتعامل معها، ولا يسمح لأي جهة بزيارتهم، ولا يعرف مستقبلاً ماذا ينتظرهم، كل ما في الأمر أن الاعتقال سار عليهم بقوة القهر المطلق، وذلك طبعاً من أجل حقوق الإنسان.<BR>- وضعت السلطات الأميركية المحلية الآلاف من المواطنين الأميركيين والمقيمين في البلاد ومعظمهم من أصول عربية في ظروف رهيبة من القهر والكبت، وسجنت المئات منهم دون أي تهمة ودون منحهم فرصة للدفاع عن أنفسهم، وكل ذلك في سبيل حقوق الإنسان.<BR>- قام الجيش الأميركي والمرتزقة الذين جاء بهم للعراق بالمجازر الرهيبة بحق الشعب العراقي، والتي إن عبرت عن شيء فإنما تعبر عن العقلية المريضة التي لا تقيم وزناً لحياة البشر، ولا تعطي أهمية لكرامتهم، ولا تحيد هذه التصرفات الإنسانية عن الهدف الرئيس وهو نشر مبادئ حقوق الإنسان.<BR>- بلغت الإنسانية الأميركية حداً أن المحكمة العسكرية الأميركية قررت سجن مجند أميركي لمدة "سنة كاملة" بسبب ما قام به من تعذيب للسجناء العراقيين، وهروبه من الخدمة العسكرية، ولم يوضح قرار المحكمة المبجلة، هل جاء القرار بالسجن بسبب التعذيب "الإنساني"، أم الفرار من الخدمة "الإنسانية".<BR>- تجاهلت الضغوطات الأميركية "المباركة" أوضاع آلاف من السجناء السياسيين وسجناء الرأي، الذين يقبعون في السجون "الإنسانية" دون ذنب جنوه غير مخالفتهم لآراء سجانيهم، وتلك لفتة أميركية جد "إنسانية".<BR><BR>ختاماً حمل التقرير صورة لأطفال عراقيين يبتسمون، وذلك في لفتة منه إلى تغير الأوضاع في العراق المنكوب، ولكن التقرير لم يوضح لنا من أين جاءت هذه الصورة ومنذ متى التقطت، على أنه من المشكوك به جداً أن تكون ملتقطة في عصر دخلت فيه قوات حفظ حقوق الإنسان الأميركية إلى بلد الأطفال المبتسمين.<BR><BR>وفي الختام نقول: ربما لم يمت بعد كل أهل الحياء في العالم، لكن من يدري أين يوجدون اليوم؟ وهل سلموا من إنسانية التقارير الإنسانية؟<BR> نرجو لهم ذلك...<BR><br>