قرار محكمة العدل .. والطغيان الصهيوني الأمريكي
24 جمادى الأول 1425

قد تكون هذه من المرات الكثيرة التي يحقق فيها العرب نصراً دبلوماسياً وقانونياً – رغم صعوبة تنفيذ القرار - على الصهاينة والأمريكان ومن شايعهم من الأوروبيين ممن اعترضوا على إحالة ملف الجدار العنصري إلى المحكمة منذ البداية .. ولكن أهمية القرار الأخير الذي قضت به محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة أنه لم يدن فقط ‏بناء الجدار الفاصل في الضفة الغربية، ويعتبره انتهاكاً للقانون الدولي ، وإنما طالب بإزالته وتعويض الفلسطينيين الذين تضرروا منه .<BR><BR>ولكن الرفض الصهيوني والأمريكي المسبق للقرار وتأكيد أنه غير ملزم للدولة العبرية هو الأمر الملفت هنا ، حيث رفض دعاة المدنية الحديثة والحضارة الغربية القرار، وأعلن الأمريكان – بعد الصهاينة – بعنجهية شديدة أنهم لن يعيروا القرار التفاتاً، وأنه سيظل حبراً على ورق ، وحذر الأمريكان علناً أي دولة تقترب من مجلس الأمن لمحاولة تنفيذ القرار بأنها ستواجه الفيتو ! والحقيقة أن هذا الأمر ليس بمستغرب على الدولة الصهيونية التي رفضت تنفيذ مئات القرار الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ، وليس بمستغرب أيضاً على إدارة الرئيس الأمريكي بوش التي استخدمت القانون الدولي كغطاء لتبرير عدوانها على العراق، وفرض حصار ظالم على شعبه أدى إلى استشهاد مليون ونصف المليون من أبنائه، وقالت: إنها لن تعترف بقرار المحكمة؛ لأنها لا ترى أنها مؤهلة للنظر في هذه المسألة .<BR><BR>ولكن المستغرب أن الأمريكان أصبحوا يشجعون الصهاينة على خرق القانون الدولي بشكل أكبر اعتماداً على الخلل الحالي في موزاين القوة في العالم ، مما يهدد بتحول العالم إلى غابة حقيقية .. فهم يرفضون خضوع جنودهم للمحاكمة أمام المحاكم الدولية، ويطالبون بمحاكم أمريكية خاصة لهم أو إعطائهم حصانة دولية ، وهم أيضاً يشجعون الصهاينة على خرق القانون الدولي لحد أن القاضي الأمريكي في محكمة العدل الدولية (من بين 15 قاضياً) كان هو الوحيد الذي عارض قرار المحكمة ضد جدار الفصل العنصري واعترض على تفكيكه (رغم اعترافه أنه غير قانوني) بدعوى أن المحكمة لم تراع احتياجات إسرائيل الأمنية الأمر الذي بات يطرح أسئلة عديدة حول عدالة القضاء الأمريكي ومصداقيته خصوصاً في ضوء تجارب التعذيب في أبي غريب وجونتانامو وأفغانستان .<BR><BR>فالمفترض في أعقاب صدور هذا القرار أن يحول الأمر إلى مجلس الأمن ليتخذ قراراً ضد الدولة الصهيونية ، ويعاقبها في حالة امتنعت عن تنفيذ الحكم وهدم الجدار ، وأن تكون هناك مواقف وخطوات سياسية وقانونية أخرى في المستقبل القريب كما حدث مع العراق ، ولكن الحاصل أن واشنطن تتعامل مع قرارات المحكمة والأمم المتحدة عموماً من زاوية ما يخدمها ويحقق مصالحها ، ولا تلقي بالاً لما يتعارض مع هذه المصلحة بعيداً عن قيم العدالة والمصداقية، مما يشجع دولاً أخرى على انتهاك القوانين الدولية وعدم الانصياع لها ، والسعي لامتلاك القوة لحماية نفسها . <BR><BR>ولا شك أن عرقلة واشنطن لتنفيذ الحكم في مجلس الأمن سيكون إشارة جديدة إلى البلطجة الأمريكية في عالم اليوم وعدم احترام واشنطن للقرارات الدولية أو للأمم المتحدة .. صحيح أنه صدرت تصريحات من (الأمين العام للأمم المتحدة) كوفي عنان يدعو فيها الصهاينة للامتثال للقانون الدولي بعد أن رأت محكمة العدل الدولية أن الجدار الذي تبنيه غير شرعي ،ولكن الفيتو الأمريكي يظل سيف مسلطاً ضد أي قرار جديد لمجلس الأمن .<BR><BR>ويبدو أن نص قرار المحكمة غير العادي، والذي رسخ سابقة في القانون الدولي عندما طالب الصهاينة بتعويض جميع المتضررين من بناء الجدار ( حوالي ربع مليون فلسطيني خسروا ممتلكات، ومزارع ) ، كان وراء هذا التشدد الصهيوني / الأمريكي برفض القرار؛ لأنه سيكون سابقة ومقدمة لخطوات قانونية أخرى على درجة كبيرة من الأهمية، مثل: عرض قضايا الاستيطان واللاجئين، والاعتقالات العشوائية، والأحكام الجائرة وهدم المنازل وقتل الأبرياء ونهب المياه والثروات الطبيعية على المحكمة والمطالبة بالتعويض عنها !<BR><BR>ولهذا سارعت الدولة العبرية بالاستنجاد بالولايات المتحدة الاميركية لمواجهة المأزق الذي تواجهه غداة قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بعدم شرعية جدار الفصل العنصري الذي تبنيه في الضفة الغربية لانتهاكه القانون الدولي ، على اعتبار أن السلطة الفلسطينية والمجموعة العربية في الأمم المتحدة في طريقها لرفع القرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة (حيث تضمن أغلبية لصالحها هناك) ، ومن ثم إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يلزم إسرائيل بتفكيك الجدار .<BR><BR>وقد أشهرت إسرائيل سلاح الفيتو الأمريكي لاغتيال قرار محكمة العدل ، وقالت: إنها واثقة باستخدام واشنطن له لمنع صدور أي قرار عن مجلس الأمن ، بل وقال سيلفان شالوم (وزير الخارجية الإسرائيلي) – بلغة الأمر -: إن إسرائيل طلبت من واشنطن التدخل لمنع صدور أي قرار من مجلس الأمن ضدها معرباً عن ثقته أن أي قرار ضد إسرائيل سيتم منعه بموجب حق النقض (الفيتو) !!<BR><BR>وكان الحكم قد أكد في حيثياته أن "الجدار بموجب مساره المخطط له وما يتبعه يمس بشكل خطير عدداً من الحقوق الخاصة بالفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي التي يحتلها ‏الكيان الصهيوني، ولا يمكن تبرير المساس الناجم عن هذا المسار استناداًَ إلى أي ضرورات ‏عسكرية أو متطلبات الأمن القومي أو النظام العام"، وتشير الوثائق إلى أن "بناء مثل هذا الجدار يمثل انتهاكات من جانب الصهاينة ‏‏لالتزاماتها المتعددة بموجب القانون الدولي الإنساني ومواثيق حقوق الإنسان".‏<BR><BR>ففي حال استخدمت الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" مجدداً في مجلس الأمن ، سيضعها هذا في تناقض مع القانون الدولي؛لأن قرار المحكمة شرعي وقانوني ، ووظيفة هذه المحكمة هي إصدار أحكام لصالح الأمم المتحدة تمكنها من إقرار قرارات دولية ، وبالتالي بان عدم احترام أحكامها يجعل الموقف الأمريكي في تناقض تام مع القانون الدولي . <BR>المعضلة بالتالي نابعه من رغبة الصهاينة والأمريكان في أن يكونوا فوق القانون الدولي ، وهذا الموقف تكرر عدة مرات على أوقات زمنية مختلفة ، بشكل جعل النظام الدولي شبه منهار وغير شرعي أو يتمتع بالعدالة الدولية ، وبات مشجعا لدول أخرى على انتهاك القانون الدولي طالما أن الدول الكبرى لا تلتزم بالمحكمة الدولية أو قرارات مجلس الأمن .<BR><BR>ماذا يفعل المستضعفون ؟<BR>والسؤال هنا : إذا كان الأقوياء يستخدمون الأمم المتحدة لصالحهم في معاقبة المستضعفين معتمدين على قوتهم ،فماذا يفعل المستضعفون ليحصلوا على حقوقهم من مستكبري هذا الزمان ؟<BR><BR> هناك وجهة نظر تقول: إن على المستضعفين التمسك بالشرعية الدولية والسعي لإحراج المستكبرين بقراراتها وإجبارهم على الانصياع لها ، أو لبعضها طالما أن موازين القوة لا تسمح بغير ذلك .. وهناك وجهة نظر أخرى تقول: إنه يجب على المستضعفين معادلة قوة المستكبرين على طريقة النملة والفيل ، باستخدام الوسائل القتالية غير المألوفة والموجعة، مثل: العمليات الاستشهادية في فلسطين ، بشكل يجبر المستكبرين على وضع قوة المستضعفين في الحسبان والتنازل عن بعض استكبارهم .<BR>ويبقي خيار آخر هام ينبغي أن يأخذه المستضعفون في الحسبان ، وهو الوحدة والعودة إلى طريق الله لاستمداد العون منه .. فالذئب لا يأكل سوى الغنم الشاردة ، ولا يقدر على المجموعات ، والعصا الواحدة يسهل كسرها ولكن العصبة يصعب كسرها كما علمنا القران .<BR>ومشكلة المسلمين والعرب اليوم أنهم كالعصي المتفرقة التي يسهل كسرها ، حتى أن أصواتهم في القرارات الدولية تأتي متفرقة وموزعة لصالح المستضعفين تارة والمستكبرين تارة أخرى ، وأصبح بعضهم يضرب رقاب البعض الأخر ، ويتحالف مع المستكبرين ضد مصالح باقي العرب والمسلمين !<BR><BR>لماذا لا نجرب هذا الحل القرآني ونتوحد ؟ <BR><BR><br>