ليتني كنت فلبينيا !!
7 جمادى الثانية 1425

[email protected] <BR><BR><BR>بغير انزعاج، فتلك بلادنا الإسلامية التي فرطنا فيها ، وتلك حدودنا الشرقية التي انتهبت ، أجدادنا سموا حاضرتها الرئيسة "أمـان الله" فحرفها الغزاة إلى "مانيلا" مثلما صارت "إسلام بول" "اسطمبول". <BR><BR>من أحد أملاكنا السالفة التي أصبحت ترتبط الآن بوشائج عميقة مع القطب الأوحد في العالم تحركت القوات الفلبينية لتساند قوات الغزو الصهيوأمريكي في العراق تحت لافتة "مساعدة الشعب العراقي" بضعة عشرات لا قيمة كبيرة لهم في الميزان العسكري إلا من جهة كونهم يوفرون لدولة الاحتلال الأولى غطاء أممياً تحب أن تتدثر به لتنفي عن نفسها تهمة الشره الاحتلالي المنفرد !! <BR><BR>في واقع الحال الأليم لم يتعود الفلبيني خلال العقود الماضية أن يأتي إلى عمق بلادنا العربية غازياً، بل في غالب الأحيان خادما أو عاملاً، لذا فقد كان المشهد مزرياً لبني يعرب، بل كان غريباً بحد ذاته على "الغزاة الجدد" أنفسهم. <BR><BR>والفلبيني العادي ليس له مطامع في بلادنا على المستوى الوطني، بل جل ما يطمح إليه عملاً يدر عليه مالاً يقتصد منه حتى يعود إلى بلاده مستفيداً من فارق المستوى المادي في تحسين وضعه المعيشي، ليس للمواطن الفلبيني مطمح أكبر من ذلك.<BR><BR>لن أدخل في جدل مرير عمن تسبب في تحريك شعوب كل دول العالم لكي تأكل من قصعتنا .. من الذي استنفر شهيتها واستفز كوامن رغباتها لتأتي إلى بلادنا الهضيمة، ولكني سأحاول أن أقرأ المشهد في أوجه شخوصه الموجودين داخل غرفة الاختطاف التي حوت الخاطفين والمخطوف بين جدرانها، والموجودين كذلك خارج هذه الغرفة بغية الوصول إلى مسلمات غدت بغير حاجة إلى براهين؛ مختطفون ملثمون لهم مطلب واحد الرحيل .. الرحيل، وإلا تدحرجت رأس أنجلو ديلا كروز أمام الناظرين" ليس لهم مطمع آخر سوى هذا الرحيل لعشرات من الفلبينيين المرتزقة .. والمخطوف الفلبيني أنجلو ديلا كروز في وضع لا يحسد عليه يلوذ بدمعات ثخينة ربما حركت مشاعر خاطفيه لإطلاق سراحه، وهنا المشهد لم ينته عند الحد الذي رأيناه على شاشات التلفزة ؛ بل في غرفة الخطف يلقى الرجل معاملة حسنة يتوق إليها أسرى أبي غريب، ويتمناها أسرى جوانتنامو..<BR><BR>وفي خارج الغرفة يقف الرئيس الأمريكي جورج بوش يرفع عقيرته محذراً الفلبين من "إعطاء إشارة يفهمها الإرهابيون خطأ" !! فالاستجابة لمطالب الخاطفين بنظر إدارة بوش تعني الإذعان لمطالبهم، ومن ثم تشجيعهم على المضي قدماً في مزيد من عمليات الاختطاف، والمبدأ الصهيوني معروف في هذا الصدد (عدم إعطاء المختطفين لا سيما لو كانوا مسلمين مكافأة على عملياتهم)..<BR> <BR>وفي خارج الغرفة تبكي زوج أنجلو ديلا كروز بحرقة خشية أن تفقده إلى الأبد بعد أن تسبق جثته رأسه إلى القبر كما هو الحال مع غيره .. <BR>وفي خارج الغرفة تتلهف السرية الفلبينية لسماع القرار الرئاسي المرتقب.. <BR>وفي خارج الغرفة يحبس الشعب الفلبيني أنفاسه خشية أن يستمع إلى الخبر الأليم أو يفزعهم المشهد الرعيب.. <BR>وفي خارج الغرفة يفيض الكتاب والمحللون علينا بقريحتهم الثرية بأحاديث عن صورتنا التي يريدون أن ننقلها إلى العالم برمته، إذ يرون سماحتنا ونحن نفرج عن المختطفين هكذا "بأريحية نفس" وتفهمنا لانتهاك أعراضنا وتلويث سمعة عذرواتنا في سجن أبي غريب وإخوانه ..<BR> <BR>هذا المشهد قبل الإفراج، وقبل أن تذعن رئيسة الفلبين وتتخذ قرارها الحكيم بالانسحاب الفوري من العراق ضاربة عرض الحائط "علاقات بلادها التاريخية والمتميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية" (تلكم العبارة التي مججناها لفرط ما سمعناها، وأصابتنا مراراً بالغثيان لما قرعت مسامعنا في كل نشرة أخبار في وطننا العربي الكبيــــر). <BR>أما المشهد بعد الإفراج فنعم ما هو؟ دولة تدير ظهرها لكل توسلات "الدولة العظمى" بأن تدع أسيرها يلقى مصيره وحده لئلا يكافأ "الإرهابيون" على "إرهابهم"، دولة فقيرة، لكنها تمتلك قدراً كبيراً من الكرامة، وقدراً موازياً من الاستقلال دعاها لأن تقدم مصلحة مواطنها على مصلحة الجندي الأمريكي المحصور بين دجلة والفرات. <BR><BR>وأما المشهد بعد الإفراج ؛ ففرحة عارمة تجتاح مدن الفلبين لقرار رئيسة الدولة بالانسحاب من العراق، ولست أدري : أي الفرحتين فاقت أختها ؟ أهي فرحة أهل أنجلو ديلا كروز بفكاك أسره أم فرحة السرية الفلبينية بعودتها سالمة إلى بلدها وقوات الغزو ترتعد فرائصها كل يوم لدى سماعها لأنباء عمليات المقاومة العراقية النوعية والجريئة؟!<BR>أنجلو ديلا كروز ؛ بحق إنني أحسدك .. لا أحسدك قطعاً على عقيدتك، فعقيدتي خير من عقيدتك، وديني خير من دينك، وإنما أحسدك لقيمتك عند بني قومك، فعندنا هنا في بلاد بني يعرب لا يطمح "السيد" فينا أن يصل إلى قيمة "خادمه" في منظور زعمائه وقادته !! <BR><BR>أنجلو ديلا كروز ؛ صدقني أنا حين أجدك ـ مستقبلاً ـ في بعض طرقنا تحمل في يدك مكنسة وتجدُّ في تنظيف بلادنا سأنظر إليك نظرة مغايرة عن نظرتي إليك فيما مضى، لقد اختلفت رؤيتي كثيراً إليك بعد ما رأيت، أنت إنسان تحترمك بلادك وتقدر دورك مهما دنا، أنت بوسعك أن تسقط حكومة وأن تستبدل بها غيرها، صوتك ـ خلافاً لأصواتنا ـ له قدره في أي معركة انتخابية تدور في بلادك، أسرك يعد مشكلة أمن قومي تستدعي إنشاء خلية أزمة تتواصل اجتماعاتها حتى تسترد حريتك وتعود إلى بلادك سالماً مطمئناً، وحريتك تستدعي رئيسة الدولة أن تقفز طرباً لدى سماعها بخبر فكاك أسرك .. كيف إذن لا أحسدك .. وأكرر أمنيتي : ليتني كنت فلبينياً .. مسلماً بالطبع.. <BR><BR><BR><BR><br>