لا تقتلوا أسيرات العراق مرتين
8 جمادى الثانية 1425

تابعنا جميعاً عبر القنوات الفضائيات ، وشاشات التليفزيون ، ومواقع الإنترنت ، والجرائد والمجلات، وغيرها من وسائل الإعلام عن الانتكاسة الفطرية التي قام بها القوات الأنجلو أمريكية ضد الأسيرات العراقيات ، حتى يجبروهن أو رجالهن على الإدلاء بمعلومات ، كما هو منشور في الوسائل الإعلامية ، فضلاً عما هو مذخور غير منشور، وما تعرضت له الأسيرات في سجن أبي غريب وغيره من الانتهاكات الجنسية وحالات الاغتصاب العلني والسري، حتى إن امرأة اغتصبت (17) مرة في يوم واحد ، كما أشارت بعض التقارير التي نشرتها الوكالة الفرنسية ، وشبكة إسلام أون لاين وغيرهما من وسائل الإعلام، وما نشر من صور الاغتصاب تفصيلياً في الصحف البريطانية والأمريكية قبل غيرهما، ليدعو إلى التعجب من حضارة هؤلاء القوم الذين غلب عليهم الانحلال الأخلاقي، وثقافة التعري .<BR><BR>ولعل ذكر أحداث الاغتصاب أمرها يطول بما تحمل من مآسٍ وأحزان، وهي تفتح جروحات يصعب علاجها في وقت قصير، بل يجب أن تأخذ وقتاً حتى يطب جرحها.<BR>ولكن الأعجب من هذا هو موقف المجتمع من تلك الأسيرات ، وليس الأسيرات فحسب ، بل الأسيرات المغتصبات، اللائي كن ينتظرن العون من ذويهن بعد الله ، وأن يجدن من المجتمع اليد الحانية والعون والمساعدة ، فما يعانين منه ليس بالأمر الهين ، وفي أحشاء بعضهن أجنة ما أرادوا ، وما أحبوها ، وما طلبوها ، فكانت النساء والفتيات ينتظرن من يخفف عنهن ألم فقد عذريتهن، ويسترن عليهن فيما أجبرن عليهن من فقد شرفهن ، ولكن العجيب أن عدداً من أسر الأسيرات المغتصبات قتلوا أولادهم مرة ثانية، فمن زوج قتل امرأته بعد خروجها ، ومن أخ لم يستطع أن ينظر إليها ، وقد علم أنها قد اغتصبت فقتلها ، ومن أب أسرع في غسل العار – حسب فهمه – حتى لا يلطخ شرف الأسرة ، فاختار لابنته القتل خير من الحياة ، ومن أسيرات انتحرن ، لما يعلمن ما يواجهنه من المجتمع .<BR><BR>والعجيب أن مثل هذه التصرفات قد لا تحدث فيمن أتت فاحشة الزنا، بل في المجتمع العربي ومنه العراقي من حملت من سفاح ، ولم يفعل فيها مثل ما فعل بتلك المغتصبة، فكيف بمن اغتصبت رغماً عنها ، وكانت مجبورة على الفعل غير راضية بها ، بل شكت إلى الله ما حدث لها ، فبدلاً من أن نحنوا عليها ، قتلناها مرة أخرى، فاشتركت الأسر العراقية ضد المرأة المغتصبة مع الأمريكان في عملية القتل .<BR><BR>إن نظرة المجتمع العربي لمن ابتليت بالسوأتين : الأسر والاغتصاب يجب أن تأخذ منحى مغايراً لما هو عليه الآن ، فالأسيرة مظلومة ، والمظلوم نأخذ بيده ، لا نأخذ على يده ، وأن نعطف عليه ،لا أن نجتمع عليه ، فليس من الحكمة والعقل أن نجتمع على مظلوم مفترى عليه ، ونترك الظالم المفتري .<BR><BR>وأن ينظر إلى هذا الأمر إلى أنه نوع من الابتلاء ، وهذا الابتلاء ليس موقوفاً على الفتاة ، وإن كانت هي محله ، ولكنه ابتلاء لها ، وابتلاء لوالديها ، وابتلاء لإخوتها، وعلى الجميع التماسك والصبر في مثل هذه الأزمات التي يمر بها المجتمع ، وكم من أزمات تمر بها الأسرة يجب أن تجتازها ، وأن يتعامل مع هذه الأزمة كأية أزمة من الأزمات الاعتيادية ، وهي ليست الواحدة في حياة الأسرة ولن تنتهي ، ولو كانت هذه الأزمة من أصعب الأزمات التي تمر بها كل أسرة.<BR> <BR>وفي هذا المقام هناك بعض الاقتراحات التي قد تكون نافعة ، أهمها:<BR><BR>1-أن يفكر علماء النفس في العالم الإسلامي في الخروج ببرنامج نفسي ، معد إعداداً خاصاً للأسيرة المغتصبة، وكيفية إخراجها من حالتها التي هي فيها، إلى أن تعود إليها حياتها بشكل طبيعي.<BR><BR>2-أن يسارع الشباب إلى الزواج بمثل هذه الفتاة ، إن لم تكن متزوجة ، حتى ترفع الروح المعنوية للأسيرات ، ولعل هذا قد يكون تعويضاً عما فقدته ، وربما أعاد الثقة إليها ، فأشد ما تخاف من الفتاة التي كانت أسيرة واغتصبت، أن أحدا لن يرضى بها ، وأنها ستحرم نعمة الزوج والأولاد والبيت ، بل سيكون ثواب من يتزوجها أكثر – إن شاء الله تعالى – من الزواج بغيرها ، وفي إشاعة هذا بين الشباب نوع من التماسك الاجتماعي والوحدة التي نريد إشاعتها في المجتمع .<BR><BR>3- أن يفكر القائمون على الأمر في تعويض الأسيرات المغتصبات، وقد يكون التعويض بشيء مادي لمن كانت فقيرة، أو بشيء معنوي لمن كانت غنية، حتى نمسح مسحة الحزن عنهن ، وحتى ينظر الناس إليهن بنوع من الإكبار و التقدير ، والإكبار والتقدير نحن نصنعه ، ونحن ندفنه حسب عملنا ، ونحن الذين نوجه الرأي العام نحو ما نحب بأدواتنا، وإذا أردنا أن نعلي من شأن قضية أعليناها ، وإذا أردنا أن نخفض شأنها خفضناها.<BR><BR>4- أن تسمى بعض الشوارع وبعض المؤسسات بأسماء هؤلاء النساء ، تخليداً لذكراهن ، وما عشنه من محنة في أوطانهن، وما قاسينه خلال هذه المدة العصيبة من الاحتلال .<BR><BR>5- أن يقوم بعض الكتاب والكاتبات بتسجيل أسماء هؤلاء الفتيات ضمن مجموعة البطولات ، التي ظهرت على يد هؤلاء الأسيرات وغيرهن ، وقد كان من الممكن لهن إن أردن أن يبعن أنفسهن وشرفهن بثمن بخس لفعلن، غير أنهن رفضن كل تهديد ، وعشن في ذل الاحتلال بجوار الرجال حفاظاً على كرامة الوطن ، وعدم إفشاء أية أسرار لمن يقومون بالقتال والجهاد دفاعاً عن هذا الوطن .<BR><BR>6- أن تقام بعض الاحتفالات التي تنظمها الحكومة والهيئات والمؤسسات احتفالاً بخروج هؤلاء الأسيرات ، وعودة حريتهن ، وعودتهن إلى المجتمع مرة ثانية ، ليقمن بدورهن المرتقب في تربية الأبناء ، والمشاركة الفاعلة في المجتمع في كثير من أنشطة الحياة .<BR><BR>7- الاهتمام بشأن هؤلاء الأسيرات من ممارسة التعليم بشكل أفضل، ومن الاطمئنان على مكانهن في العمل إن كن عاملات ، أو التهيئة الأسرية إن كن ربات بيوت .<BR><BR>8- أن تتم معالجة بعض المشاكل المتعلقة بمن كانت أسيرة مغتصبة، وأن تخرج الفتاوى التي تحض على الحفاظ على كرامتهن، وقد يفتح الباب للاجتهاد في بعض المسائل ، مثل : إجهاض الحمل من الاغتصاب ، والقيام بعملية ترقيع غشاء البكارة، ومن الكذب على الزوج وعدم إخباره بشيء من هذا الاغتصاب ، أو غيرها من الإشكاليات الشرعية في هذا المقام .<BR><BR>9- أن تقوم المؤسسات المعنية في العراق وفي الوطن العربي والإسلامي كافة بتوضيح موقف هذه الأسيرة المغتصبة، وأنها ما أذنبت ولا عصت ربها ، ولا خانت زوجها ، ولا ألحقت بأهلها عاراً وشناراً ، فكل ما حدث لها رغماً عنها، ولا تحاسب عليه ، لا أمام الله ، ولا أمام الناس، وأن يترسخ في أذهان كل فتاة أنها ما تحمل عاراً بين جنبيها ، فهناك فرق بين الزانية التي عصت ربها ، وخانت زوجها ، وفضحت أهلها، وبين تلك المجاهدة الأسيرة التي اعتدي عليها من ذئاب البشر الكافرة ، التي لا تعرف قيماً ، ولا خلقاً، ولا ديناً سوياً ، ولا عقيدة صحيحة .<BR><BR>10- محاولة شغل أوقات هؤلاء الأسيرات بما لا يدع مجالاً للتفكير فيما حدث لهن ، ومحاولة الانغماس في الحياة بشكل طبيعي ، حتى تعود المياه كما كانت ، دون النظر إلى الوراء ، بل النظر إلى المستقبل والتفكير فيه بما يعود بالنفع عليهن وعلى المجتمع كله.<BR><BR>11- وعلى منظمات حقوق الإنسان ، والمنظمات المهتمة بشأن المرأة في العالم ، وفي المنطقة العربية بشكل خاص أن تقوم برفع دعوى قضائية بأسماء الأسيرات ، وأن يطالبن بسجن من قام بارتكاب الأخطاء معهن ، وبدفع تعويض لهن ، وأن تتحرك الهيئات والمنظمات في هذا الإطار بشكل منظم، حسب اللوائح الدولية والقوانين والدساتير .<BR><BR>وأخيراً – وليس آخراً – إن أسيرات العراق اللائي اعتدي عليهن ، في أمس الحاجة إلى من يأخذ بهن ، وليس الوقت وقت فهم خطأ ، أو التعصب الأعمى الذي لا قائد له ، فقد قتل الأمريكان الأسيرات مرة ، فلا نقتلهم بأيدينا مرة ثانية ، وإن كان الوأد في العصر الجاهلي قد انتهى ، فلا تحيوا وأد البنات والنساء ، ولا تخرجوا لنا الوأد الحديث ، فإن الله قد قضى في كتابه بحرمته ، واجتمع العقلاء على تركه ، فدعو الوأد راقداً في قبره ولا تحيوه؛ لكيلا يخطف بناتنا ونساءنا من بيننا ، كي لا نندم بعد لا ينفع الندم.<BR>واستقبلوا الحياة أنتم ونساؤكم وبناتكم بروح وثابة مجاهدة، فمن جمل نفسه ، رأى الحياة حوله جميلة ، أو ما عبر عنه الشاعر إيليا أبو ماضي : كن جميلاً ترى الوجود جميلاً.<BR> <BR><BR><br>