تفكيك فتح والخيار شمشون
12 جمادى الثانية 1425

[email protected]<BR><BR>تأمل الأداء السياسي للحكومة الإسرائيلية مفيد جداً في تقويم مسيرة المقاومة الفلسطينية ، فالصهاينة يجيدون إخفاء العيوب والسوءات عن طريق الاستخدام المفرط للقوة ، وهو المفهوم الذي يتبناه (رئيس الوزراء) آرئيل شارون ، ولكن البعد التاريخي وحده يكشف حجم التخبط والعجز عن المواجهة ، والدلائل كثيرة .<BR><BR> خطة الانسحاب الأحادي من غزة هي في الأساس خطة حزب العمل، وكذلك فكرة الجدار الواقي التي تبناها من قبل إيهود باراك ، والفكرتان تبناهما شارون ودعا إليهما بعد أن كان يرفضهما ، بل كان اليمينيون الذين يمثلهم شارون يعدون الجدار العازل ترسيخاً لحدود دولة فلسطينية على اعتبار أنه إذا كانت دولة إسرائيل من ناحية فلن يكون في الناحية الأخرى إلا الدولة الفلسطينية .<BR><BR>ولم يدفع شارون وتياره اليميني إلى تبني رؤى مغايرة لمبادئهم السياسية إلا الأداء المتميز للمقاومة ، وكان الخيار القديم في مواجهة حماس والجهاد يعد أن وجود حركة قوية، مثل: " فتح " من شأنه أن يزعزع أركان الحركات الإسلامية ويسحب البساط الشعبي من تحتها ، وظلت هذه الاستراتيجية هي الأساس إلى أن جاءت الانتفاضة الثانية لتعيد رسم خريطة القوى الفلسطينية ولتقفز الحركات الإسلامية إلى القمة ، وفي مواجهة هذا التطور كان لعرفات رأي ولليهود رأي آخر ، فقد سارع عرفات إلى تأسيس كتائب شهداء الأقصى ترسيخاً لمفهوم فتح القوية ، بينما سعى الإسرائيليون للضغط من أجل إشعال حرب داخلية فلسطينية بين الفصائل لكن فشلت المؤامرة ، وهنا كان الخيار الاستراتيجي البديل أكثر جرأة بل وتهوراً ، وهو خيار يمكن تسميته بـ " الخيار شمشون"، حيث أصبح الهدف هدم المعبد كله – أي: حركة فتح - لعل حماس تتضرر بذلك ، ويعتمد هذا الخيار على افتراض أنه : طالما من الصعب تفكيك حماس ، أو دفعها لحرب أهلية ، أو صرف الناس عنها ، فلا مفر من تمزيق الشعب الفلسطيني من حولها لإضعاف نفوذها ، وإغراق الجميع في مناوشات بينية إثر انهيار حركة فتح وتحولها إلى مراكز للقوى تتصارع من أجل النفوذ والقوة وتأسر في أفلاكها قطاعات من الشعب ، وليضعف التوجه الفلسطيني الشعبي العام نحو دعم المقاومة واعتبارها الهمَّ الأول ..<BR><BR>ويكمن التهور في هذا الخيار في المراهنة على أن تكسير الفلسطينيين حركياً أو حزبياً سيُضعف حركات المقاومة الإسلامية، ويجعلها تتأثر بالوضع المهترئ فيتراجع أداؤها وتغرق في مشكلات محلية جزئية تستهلك طاقاتها ، ولكن في المقابل هناك احتمال أن ينشأ عن ذلك ردة فعل جماهيرية معاكسة تتمثل في انصراف الناس عن القضايا الجزئية وإعراضهم عن قيادات فتح - ما بعد عرفات - التي تسعى لتحقيق مصالحها الشخصية ومطامحها السياسية الذاتية ، ولن يكون في هذه الحالة إلا الحركات الإسلامية وعاءً للغضب الشعبي، ووسيلة ذات مصداقية لتحقيق الهدف العام وهو الاستقلال ..<BR><BR> وإذا كان محمد دحلان هو الشخصية المحورية التي سيتوجه إليها الدعم الأمريكي – الإسرائيلي باعتباره الكتلة الأكبر في حال تمزقت الحركة ، فإنه على المستوى الشعبي محترق ، والفلسطينيون يعرفون أنه لا يقل فساداً وإفساداً عن الآخرين رغم كل محاولاته لإجبار الناس على تأييده وحشده العدد الأكبر من المنتفعين والمرتزقة من حوله ، لكن دحلان يتميز هنا بكونه براجماتياً حتى النخاع ، ولا يقوده في أدائه السياسي إلا مصلحته الشخصية وطموحه الفردي ، فليس له تاريخ نضالي أو حسابات جماهيرية معقدة يخشى منها كما هو حال عرفات ، ولذلك يمكن القول أن دحلان هو : الرجل المثالي للمرحلة الحالية ( الأمنية ) في الرؤية الأمريكية – الإسرائيلية ، وعندما يحتاج الأمر إلى تمرير اتفاق سياسي جديد على مستوى أوسلو ، فلن يكون لدحلان قيمة أو قدرة على إنفاذه ، وعندها سيتم البحث عن وسيلة لإعادة الرمق إلى فتح والسلطة من جديد ، وعن شخصية تصلح لإضفاء بعض المشروعية الشعبية والنضالية على الحل السياسي، وربما يقفز اسم مروان البرغوثي مرة أخرى إلى الأضواء ، خاصة وقد أثبت العدد الأكبر من قيادات فتح أن سنوات المعتقل الطويلة تُغير من أفكارهم ومبادئهم كما حدث مع الرجوب ودحلان وغيرهما ...<BR><BR>والحاصل أنه لم يعد خافياً على أحد أن الحرب الآن سجال ، وأن القوى المعادية للإسلام أمريكية كانت أو إسرائيلية تنجح دائماً في تحقيق نصر الخطوة الأولى ، ولكنها تعجز دوماً عن الاحتفاظ بنصرها ، وفي النهاية تصبح القرارات المتناقضة والسياسة الحائرة هي سيد الموقف ، فكلمة واحدة من ستة أحرف هي " مقاومة " اختزلت وحذفت مصطلحات وجهود ومفاهيم بالية كانت تدعو في يوم من الأيام إلى وهم اسمه " الأرض مقابل السلام " ..<BR><BR><BR><BR>* ينشر بالتزامن مع المحايد<BR><br>