هكذا ضاع قرار المحكمة الدولية
17 جمادى الثانية 1425

نحن العرب عندنا براعة كبيرة في تضييع الفرص المواتية لمطالبنا، وتفويت الرياح المناسبة لمراكبنا، بل إننا في بعض الأحيان نحارب تلك الفرص ونسبب الصدمة لكل من وقف معنا، بل نحولهم من متعاطفين معنا إلى ناقمين علينا وعلى قضايانا، وعلى كل موقف وقفوه في مساندتنا.<BR><BR>المتعاطفون معنا خصوصاً في الغرب، لا يجدوننا أبداً في عونهم عندما يتعرضون لعواصف التشكيك والاتهامات بسبب مساندتهم لقضايانا، فلا دولنا تشير إليهم بكلمة تأييد واحدة، ولا سفاراتنا في الخارج تهتم بهم من قريب أو بعيد، ولا جالياتنا تخرج في تظاهرة واحدة لتأييدهم ولا تصدر حتى بياناً واحداً للتضامن معهم، وهكذا شيئاً فشيئاً نفقد مناصرينا في الغرب، بسلبيتنا اللا متناهية، أو بنومنا عن مناصرة أنفسنا.<BR><BR><BR>ومن هؤلاء المناصرين من فقد منصبه أو من فقد مركزاً كبيراً في المجتمع الغربي، بل إن منهم من فقد حياته دفاعاً عن شعوبنا، ومع ذلك تبقى لدينا دائماً هذه السلبية واللامبالاة، ونفقد مناصرينا واحداً تلو الآخر، وما جورج غالاوي وغيره من الناشطين الذين طردوا من وظائفهم أو حتى الذين ماتوا في فلسطين دفاعاً عن الشعب الفلسطيني منا ببعيد..<BR><BR><BR>الجديد المؤلم في القضية أن فينا من العابثين من فقد أدنى درجات الحس والوعي، وركب مركب التهاون بالحقوق وخدمة أهداف الأعداء بوعي أو دون وعي، فصار يقتنص أي فرصة لتضييع أي فرصة تعاطف دولية معنا، تحت حجج مختلفة، يعني أن هؤلاء انتقلوا من تضييع الفرص بسلبيتهم وعدم حراكهم إلى التحرك المعاكس للفرص، بهدف تضييعها و الالتفاف عليها.<BR><BR><BR>قرار المحكمة الدولية الأخير بخصوص الجدار الواقي مثلاً، كان بحق قراراً يمكن وصفه بالتاريخي؛ لأنه وبعد سنوات طويلة من هيمنة اللوبي الصهيوني على كل أجهزة الأمم المتحدة، بحيث لا تكاد ترى قراراً واحداً منصفاً للعرب، بعد هذه السنوات العجاف بدأ الموقف الدولي يتغير بفضل الانتفاضة الباسلة في فلسطين، وقيام الجالية المسلمة في الغرب بجزء بسيط من واجبها تجاه قضايا بلادها، وانعتاق المجتمعات الغربية من ربقة الدعاية الصهيونية وعقدة الذنب تجاه اليهود، فصرنا نرى المظاهرات الكبيرة المؤيدة للفلسطينيين، وصرنا نرى تنديد بعض الحكومات الأوروبية بالسياسات الصهيونية الغاشمة، وأخيراً قرارات دولية – وإن كانت غير ملزمة- تندد بتلك السياسات.<BR><BR>القرار إذن جاء نتيجة وعي المجتمع الدولي بمدى الظلم الذي يحيق بالشعب الفلسطيني جراء ممارسات الصهاينة، وهذا الوعي لم يأت عبثاً، بل إنه عبر على جسر كبير من التضحيات والدماء وفقدان البيوت والتشرد، فالقرار صنعه الصبر الذي أبداه الشعب الفلسطيني على مرارة الاحتلال وقساوته، ومن هذا المنطلق يمكن تجريم أي محاولة لتضييع كل تلك التضحيات كل ذلك الصبر.<BR><BR> عندما صدر قرار المحكمة الدولية بإدانة الجدار الصهيوني، ودعوتها إلى إزالته، بدا الوجوم والصدمة على ممثل الكيان الصهيوني، وبدت المعارضة الأميركية للقرار من خلال تصريحات القاضي الأميركي الذي حاول مهاجمة زميله المصري والطعن في نزاهته، على أن القرار ساهم في تعرية الصلف الصهيوني الأميركي، كما كان نقطة رائعة ساهمت في إظهارانعزال السياسات الأميركية المنحازة لإسرائيل عن باقي دول العالم.<BR><BR>لكن – والحق يقال- لم يعتر أي مراقب للساحة أدنى شك في أن القائمين على الساحة عندنا سيضيعون الفرصة كعادتهم إما عن طريق السلبية التي تؤدي إلى تمويت القرار، أو عن طريق إشعال الموقف الداخلي بحيث تنقلب القضية من تعاطف مع الشعب الفلسطيني ودعوة إلى إزالة الجدار، إلى تنديد بالخلافات المحلية وشغل المجتمع الدولي بتفاصيل تلك الخلافات، ومن ثم نسيان القضية الأولى.<BR><BR> ويبدو أن المتنفذين على الساحة المحلية اختاروا أسوأ الطريقين، فما أن صدر القرار الدولي، حتى تفجرت قضية الخلافات الداخلية في السلطة وحركة فتح، وخرج عشرات من المسلحين الملثمين يستعملون سلاحهم للتفاهم مع غيرهم من الفلسطينيين، وكم يشعر المرء بالحسرة لدى رؤية ذلك المنظر الشاذ، فأين يكون كل هؤلاء المسلحين عندما يهاجم المستوطنون البيوت الفلسطينية وينكلون بأهلها، ولماذا يضيعون سلاحهم ورصاصهم ونحن نعلم أنهم في حاجة كبرى إليه، وهم يواجهون بشكل يومي عدواً شرساً يفوقهم في العدة بشكل كبير ؟؟؟؟<BR><BR>الأمر مدعاة للشك والريبة، الفساد موجود منذ زمن طويل، ووجوهه معروفة كذلك، فلماذا لا تتحرك هذه المطالبات إلا عند وجود قرار دولي يتطلب الوحدة والجهود الجبارة والدؤوبة للاستفادة منه بأقصى درجة؟؟ <BR>ولماذا يطالب بإزالة الفساد من كانوا على الدوام شركاء في صناعته ومشرفين على تنميته؟؟<BR>ولماذا لم يوجه هؤلاء تحذيراً للجهات التي يثورون عليها قبل القيام بأي حركة قد تضيع الوحدة الوطنية في هذا الوقت المحرج ؟؟<BR>ولماذا لا يقبل هؤلاء بأي وساطة لتخفيف التوتر سيما أن الساحة واعية بالأحداث وغنية بالشخصيات المقبولة وطنياً؟؟؟<BR><BR>كل هذه التساؤلات لا تدعو إلى الكثير من الحيرة والشك فحسب، بل تجعل المرء يقول في يقين تام: إن هذه الثورة الحمقاء لن تتوقف أبداً طالما هناك من يذكر القرار الدولي اليتيم، بل ستكون درساً مريراً لكل من يفكر أننا قوم نستحق العدالة والعون..<BR><br>