القوات العربية بين دار فور و العراق
28 جمادى الثانية 1425

<BR>أيهما أولى : أن ترسل الجامعة العربية قوات رمزية إلى دارفور لسد الذرائع الأمريكية وإجهاض الخطط الغربية لإرسال قوات قد تكون طلائع قوات احتلال للمنطقة ، أم إرسال قوات عربية إلى العراق المحتل ستتحول مهمتها شاءت أم أبت للدفاع عن قوات الاحتلال، وقد تدخل في حرب مع المقاومة العراقية ؟!<BR>الأسبوع الماضي أثيرت بقوة فكرة إرسال قوات عربية وإسلامية للعراق عبر الجامعة العربية بطلب أمريكي، وتطوعت السعودية لطرح الاقتراح، ولكن نجح الأمين العام للجامعة في إجهاضه عبر زيارة خاطفه للسعودية اتفق خلالها على أن القوات العربية ستدخل العراق في حالة واحدة فقط هي أن تكون "بديلا" لقوات الاحتلال لا "إضافة" لها .<BR>وكان مبرر الرفض أن إرسال قوات عربية وإسلامية للعراق الآن سيكون مكسباً لقوات الاحتلال ومكافأة لها ومخرج لورطتها هناك على حساب العرب .<BR>وفي نفس التوقيت دعا الاتحاد الأوروبي للتدخل العسكري الغربي في دارفور ، كما دعا الكونجرس الأمريكي والمنظمات التبشيرية والإنجيلية الرئيس بوش للتدخل العسكري،وأعلنت بريطانيا أن خمسة آلاف جندي يقفون علي أهبة الاستعداد لذلك، وحركت فرنسا قواتها في تشاد علي الحدود مع دارفور .. ولم يصدر رد فعل عربي على هذه الخطط العسكرية الخبيثة !؟<BR>والتصريح الوحيد الذي صدر عن "مصدر عربي مسئول" - عشية اجتماع وزارة الخارجية العرب لبحث الأزمة بالقاهرة - استبعد تماماً إرسال قوات عربية للسودان، وقال: إن الاقتراح الخاص بإرسال قوات عربية لحفظ السلام في إقليم دارفور سيركز على إمكان مشاركة قوات الدول العربية الأفريقية فقط في مثل هذه القوات ضمن قوة الحماية التي قرر الاتحاد الأفريقي إرسالها للإقليم‏ ؟!<BR>ومعنى هذا أن هذه القوات العربية – على فرض إرسالها - لن تعمل تحت مظلة الجامعة العربية، بل ستكون ضمن القوة الأفريقية‏ (التي اعترض السودان عليها) ، وهو ما أكده المسئول العربي ، ومعناه مزيد من انسحاب الجامعة العربية من الساحة وترك السودان يجابه مصيره كما حدث للعراق! <BR>وهذا أمر غريب أن تنسحب الجامعة العربية من مسألة حفظ الأمن في دولة عربية وتترك الأمر لمنظمة الوحدة الأفريقية بحجة أن السودان يقع في أفريقيا وعضو في المنظمة ، والأغرب أن السودان دخل في مشكلة مع المنظمة الأفريقية؛ لأن المنظمة أعلنت إرسال 2000 جندي كـ "مراقبين" ، ثم غيرت تسميتهم إلى "قوات حفظ السلام" ما يعني أنهم سيتحركون كقوات نظامية هناك تقف في وجه القوات السودانية .<BR> وليس سراً أن السودانيين ليسوا راضين تماماً عن الدور العربي في دارفور ، وقد تجنب (وزير الخارجية السوداني) د. مصطفي عثمان الرد مباشرة على سؤال لي عقب اجتماع مجلس وزراء الجامعة لبحث قضية دارفور، عندما سألته : هل أنتم راضون عن الدور العربي في أزمة دارفور ؟ وتحدث بدلاً من ذلك عموماً عن وقوف الدول العربية وراء السودان ورفضهم التدخل الأجنبي العسكري لحل أزمة دارفور‏ ، ودعمهم لحكومة الخرطوم للسيطرة علي الأوضاع‏ ووضع حلول سلمية لها !<BR>ولاشك أن الوزير يستشعر حرجاً ، خصوصاً أن اجتماع وزراء الخارجية العرب كان لمجرد سماع طلبات السودان من الدول العربية ولم يصدر قرار واحد بدعم السودان عملياً ، وكلها قرارات إعلامية بالدعم الشفوي ، ولهذا قال لي: إن الدول العربية سوف تتصل ببعضها عقب الاجتماع، وتنظر كيف تدعم السودان !<BR>صحيح أن الوزير السوداني قال بوضوح : إن هناك 40 ألف جندي سوداني في دارفور، والإقليم لا يحتاج لقوات من الخارج، وقال: إن المطلوب هو دعم مالي ولوجستي وفني لمساعدة هذه القوات على بسط الأمن لا لقوات بشرية ، كما أكد لي مسؤول سوداني أخر أن السودان بالفعل لا يحتاج قوات، ولكنه يحتاج إلى مد قواته هناك بالعتاد الفني والتقني اللازم للقيام بدورها في تأمين الإقليم ، ولكن حديث المسؤولين كان يدور عن "القوات الأجنبية" ولم يرفض أي مسئول سوداني ولن يرفض بالطبع إرسال قوات عربية رمزية.<BR>لقد وصف (الأمين العام) عمرو موسي ما يروجه الغرب عن مسألة النزاع العرقي في دارفور بأنها "حقن " آتية من بعض الدوائر حتى يمكن تجميل المبالغة‏ ، وقال‏:‏ "هذه حملة كبيرة" ، كما تحدث وزير خارجية السودان عن "أجندة خفية أجنبية " و"مخطط" بعيد المدي واستغرب دخول أصابع إسرائيلية ضمن هذا المخطط ، وتحدث (وزير الداخلية السوداني) أحمد هارون عن الدور الخطير الذي تلعبه المنظمات الإغاثية التبشيرية الغربية في تمهيد الطريق وإعداد مسارح الحرب للآخرين ، وهذه اعترافات تبين خطورة ما يجري هناك .. فلماذا التراخي العربي ؟<BR>لقد كان يقال عن أراء معينة بخصوص غزو السودان – كما كان الحال بالنسبة للعراق قبل احتلاله- : إن هذه آراء تصب في خانة التفسير التأمري للتاريخ والأحداث ، ولكن الجديد في قضية دارفور أن (وزير الخارجية السوداني) د. مصطفي عثمان، و(وزير الداخلية) أحمد هارون كانا يتحدثان خلال زيارتهما الأخيرة للقاهرة عن أدلة ملموسة ومعلومات استخبارية بشأن خطط وترتيبات مشبوهة غربية للتدخل في السودان .<BR>وعندما يقول وزير خارجية دولة إن هناك "أجندة أجنبية" خفية يجري تنفيذها في دارفور لصالح قوى غير سودانية ، وأن هذه الأجندة أو المخطط لدارفور بدأ في ظل حكومة الديمقراطيين (الرئيس الأمريكي السابق كلينتون) ، وأن أنطوني ليك ومادلين أولبريت من الخارجية الأمريكية اعترفا بهذا المخطط في أوغندا علناً في أكتوبر 1998م عقب ضرب مصنع الشفاء للأدوية بصواريخ أمريكية ، لنقل الحرب من الجنوب السوداني إلى الشمال والغرب ، وأن هذا المخطط نجح في شرق السودان ثم انتقل لدارفور .. عندما يقال هذا يجب أن نرفع رايات الخطر .<BR>صحيح أن وزير الداخلية السوداني قلل نسبياً – في لقاء معه - من شأن التصورات عن احتلال غربي للسودان يبدأ من دارفور، وتحدث عن اختلاف استراتيجية إدارة بوش عن إدارة كلينتون السابقة ، وأن (الرئيس الأمريكي الحالي) بوش بدل سياسة كلينتون القديمة القائمة على "شد الأطراف" عبر دعم حركات التمرد السودانية في شرق وجنوب وغرب السودان لتقطيع أوصاله ، واتبع سياسة جديدة هي سياسة " تفكيك النظام " القائم عبر اتفاقيات سلام متعددة تفكك أوصال السودان لصالح المتمردين .. ولكن الهدف الأمريكي في النهاية واضح وهو هدم السودان ونزع أوصاله .<BR>وهم يكذبون في سبيل تحقيق هذا الهدف ويزعمون أن هناك تطهير عرقي وإبادة جماعية ليبرروا التدخل لأسباب إنسانية بعد أن تم فضح حجة "أسلحة الدمار الشامل في العراق" وثبت كذبهم فيها ، ورغم ذلك تؤكد الإحصاءات التي أعلنتها الخرطوم رسمياً أن الإغاثة الدولية لم توفر سوى 37% من حاجة دارفور والخرطوم توفر 50% ، ومع ذلك يصورون الأمر علي ن هناك مجاعة .<BR>لقد تحركت دول عربية خصوصاً مصر والإمارات بشكل سريع لنجدة السودانيين، وأرسلت مصر خمسة طائرات نقل عسكرية كبيرة لدارفور للتغلب على ظروف الحياة التي يعيشها النازحون هناك ، كما بدأت اتصالات على مستويات عليا سياسية لحشد موقف دولي مناهض للتدخل الأمريكي والأوربي ، وتحركت الخرطوم بدورها لتحقيق مصالحة مع باقي القوي السياسية لتوحيد قوة السودان والاستفادة من دروس حرب العراق .<BR>والمطلوب أن يكون هناك دور أكبر للجامعة العربية في السودان ، والسعي لاستعادة قوة الجامعة في دارفور عبر توحيد مواقف الدول العربية بشأن ملف دارفور وإرسال قوة عربية رمزية لمراقبة الأحوال هناك وتفويت الفرصة على محاولات أمريكا وبريطانيا التدخل العسكري هناك ؟<BR>والأهم أن تعمل المنظمات الإغاثية الإسلامية على الحضور بكثافة في السودان وتعويض هجوم المنظمات التبشيرية الغربية هناك .. فليس من المعقول أن توجد في دارفور الإسلامية – وفق المعلومات الرسمية السودانية – 30 منظمة تبشيرية خيرية لها علاقات واضحة مع أجهزة استخبارات غربية وتهيئ لهم المجال إعلامياً للتدخل العسكري بمزاعم القتل والإبادة والتطهير العرقي وتختفي المنظمات الإسلامية ؟!<BR> وليس من المعقول أن يكتب 35 زعيمًا من رؤساء المنظمات الإنجيلية التي يبلغ عدد أعضائها في الولايات المتحدة نحو 50 مليون شخص رسالة إلى بوش يطالبونه بالتدخل في السودان عسكرياً ، ويصدر الكونجرس الأمريكي قراراً يطالب فيه بالتدخل العسكري والدول العربية لا تفعل شيئاً حيال السودان سوى بيانات الشجب والاستنكار والتأييد ؟!<BR> <BR><BR><BR><BR><BR><br>