السيستاني يختبئ في لندن.. وماذا بعد؟!
3 رجب 1425

حين سلم (الحاكم المدني السابق للعراق) بول بريمر السلطة السياسية للعراقيين قبل يومين من الموعد المحدد لها في الثلاثين من يونيو الماضي وغادر العراق خلسة طلباً للنجاة، أجمع المراقبون على أن ما جرى كان نقلا للسلطة لا للسيادة ؛ لأن مثل هذا الإجراء لن يقود بحال من الأحوال إلى الاستقلال التام والمعافى، فبتلك الخطوة الدراماتيكية، ذهب حاكم مدني وحل محله حاكم دبلوماسي يقوم بمهام عمله من داخل أكبر سفارة أميركية في العالم، والـ 160 ألف جندي أجنبي بينهم 140 ألف أميركي بقوا فوق التراب الوطني العراقي يتمتعون بذات الصلاحيات الواسعة لشن هجماتهم العسكرية تحت مسمى القوة متعددة الجنسيات هذه المرة، وفق التسمية التي اختارها لها مجلس الأمن الدولي، وتتوافر لهم الحصانة الكاملة التي تحميهم من الملاحقة القانونية أمام المحاكم العراقية.<BR><BR>وإن كان قرار مجلس الأمن 1546 قد ألزم هذه القوات بالحصول على موافقة السلطة العراقية المؤقتة قبل القيام بهجماتها العسكرية، فإن هذا الإلزام بقي في إطار الشكلية؛ لأنه لم يكن متوقعا أن يعترض (رئيس الحكومة المعين) إياد علاوي باعتباره رأس السلطة التنفيذية على أي إجراء عسكري ترى القوات الأميركية ضرورة تنفيذه خدمة لتكريس احتلالها؛ لأنه وبحكم عمالته وارتباطه بجهاز المخابرات الأميركية، وهو أمر لطالما تفاخر به، فإن مستقبله السياسي مرتبط بشكل مباشر بمستقبل هذا الاحتلال. هذا إلى جانب أن العراق وبرغم كل ما قيل عن انتقال السلطة السياسية فيه، إلا أنه بقي محكوماً بالقوانين التي وضعها بريمر خلال الشهور والأيام الأخيرة التي سبقت ذلك الاستحقاق، باعتبار أنها قوانين "استمدت شرعيتها من قرارات مجلس الأمن" وفق ما صرح به مسؤولون أميركيون سياسيون وعسكريون كبار، ووفق ما تناقلته وسائل الإعلام الأميركية المحسوبة على الإدارة الأميركية.<BR><BR>فبوضع الادعاء الأميركي المشروخ الخاص بجعل الديمقراطية في العراق نموذجاً يحتذى به في رسم منطقة الشرق الأوسط من جديد بما فيه الوطن العربي جانب؛ لأن هذه الديمقراطية قد تهاوت وسقطت في مستنقع سجن "أبو غريب"، ولم تعد موضع خلاف بين الفاعل الأميركي والمفعول به العربي، إلا أن السؤال المهم الذي طرح نفسه مع انتقال السلطة، هو: هل سينجح إياد علاوي فيما فشل فيه أسياده على مدار أربعة عشر شهراً فصلت بين تاريخي بدء الاحتلال ونقل هذه السلطة؟ أو بمعنى آخر: هل سيقيض لمثل هذه الحكومة المعينة أميركياً نقل العراق من حالة الفوضى الأمنية العارمة والسيادة المنقوصة إلى حالة الاستقرار والسيادة الكاملة؟<BR><BR>كان بمقدور الحكومة العراقية لو كان رأسها عراقياً وطنياً، أن تعطي لهذا السؤال جواباً مغايراً لتوقعات العديد من المراقبين، وبالأخص المتشائمين منهم حول المشهد العراقي، فهذه الحكومة كان بإمكانها الاستفادة كثيراً من الشرعية التي وفرها لها قرار مجلس الأمن 1546، كما وكان بإمكانها الاستفادة من الدعم والتأييد اللذين وفرتهما لها بعض الأنظمة العربية والإسلامية والدول الأوروبية التي بقيت على مناهضتها للحرب الأميركية البريطانية على العراق والمشروع الأمريكي - البريطاني الذي يستهدف منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والوطن العربي بشكل خاص. وكان بإمكانها أن تشكل لنفسها حالة نقيضه للاحتلال في التعامل مع القضايا السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية العراقية، يجعل من التفاف العراقيين حولها أمراً ممكناً، لكن في حالة حكومة يرأسها شخص مثل علاوي، فالأمر يختلف تماماً؛ لأن هذه الحكومة ليست أكثر من أداة يحركها الاحتلال بواسطة جهاز تحكم مسيطر عليه لتنفيذ المؤامرة الأميركية - الإسرائيلية التي تستهدف السيطرة على الوطن العربي عبر العراق.<BR><BR>* رائحة المؤامرة تزكم الأنوف<BR>لذا كان مرتقباً أن يشهد العراق في ظل هذه الحكومة مثل هذا التدافع الدراماتيكي للأحداث السياسية والأمنية والعسكرية، التي أضافت إلى الوضع العراقي ضبابية اشتمت من خلالها رائحة المؤامرة التي تزكم الأنوف، فهذه الأحداث بقديمها المستجد والخطير وجديدها الأخطر تنبئُ بأن هذا البلد العربي الذي عانى مرارة الاحتلال والعمالة على مدار ستة عشرة شهراً مقبلة فعلياً على حمامات دم سيدفع العراقيون الثمن الأكبر من فواتيرها، وليس مستبعداً أن يكون هذا التدافع للأحداث على هذه الصورة المثيرة للقلق والخطيرة، مقدمة لاستئصال جميع القوى المناوئة للاحتلال والكومة العميلة على الجبهتين السنية والشيعية على حد سواء، ولكن بالتدرج والتتالي، وذلك قبل الوصول إلى موعد استحقاق الانتخابات المقررة في يناير القادم، والغاية من ذلك هي تمهيد الطريق لعودة إياد علاوي والشخصيات العراقية الأكثر ولاء للولايات المتحدة الأميركية إلى السلطة عبر بوابة الانتخابات، وتجنب حصول خصومها من أهل السنة والشيعة على الأكثرية في هذه الانتخابات التي يفترض أن تخضع لإشراف دولي، حفاظا على استمرار الاحتلال وخدمة المشروع الاستعماري الاستيطاني الأميركي - الإسرائيلي.<BR><BR>* السنة هم الهدف القادم<BR>ويتخوف الوطنيون العراقيون من احتمال أن يكون ما هو جار منذ الخامس من شهر أغسطس الجاري في المدن والبلدات الشيعية هو الشق الأول من المؤامرة، والتي يستهدف الشق الثاني منها مجلس أهل السنة والجماعة والمدن والبلدات السنية، ومن المفيد التنويه بأن قوات الاحتلال الأميركية كانت قد اعتقلت الناطق باسم أهل السنة والجماعة مثنى الضاري في وقت سابق لأحداث النجف، إلا أنها عادت وأطلقت سراحه بعد أن وصلتها الأوامر بتأجيل ذلك إلى حين التخلص من التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، ويضيف الوطنيون العراقيون أن تنفيذ الشق الأول من المؤامرة قد بدأ فعلياً، وأنه يصار إلى الاستفراد بالتيار الصدري ومقتدى الصدر، مع الحرص على عدم إثارة أهل السنة والجماعة والمناطق السنية، على أن يأتي دور هؤلاء في الشق الثاني في مدة لاحقة تكون القوات الأميركية وقوات الحرس الوطني والشرطة العراقية قد استكملت معها الإجهاز على التيار الصدري ومقتدى الصدر بشكل نهائي، ويستند هؤلاء على تصريحات أطلقها علاوي أثناء زيارته للنجف في الثامن من الشهر الجاري وأخرى مشابهة لوزيري دفاعه وخارجيته، وكانت تلك التصريحات قد ذكرت أن خطة قوات الحرس الوطني والشرطة العراقية التي سيتم تنفيذها بمساندة "القوات متعددة الجنسيات" ستشمل جميع بؤر التوتر، وهذه بالطبع ملامح لوجه المؤامرة التي على ما يبدو ستكون هذه المرة كبيرة وخطيرة بكل فصولها وتفاصيلها.<BR><BR>ولعل في النبرات الكلامية العالية، التي سيطرت على تصريحات إياد علاوي وأركان حكومته بعد الجولة العربية الأخيرة لعلاوي ولقائه بـ(وزير الخارجية الأميركي) كولن باول وزيارة هذا الخاطفة والسرية لبغداد، ما يؤشر إلى أن الهجوم الشامل لقوات الاحتلال الذي سيكون لقوات الحرس الوطني والشرطة العراقية الدور الرئيس في بسط نفوذ المتعاونين مع الاحتلال في المناطق الشيعية بدءاً بالنجف سيتم بين لحظة وأخرى، وليس مستبعداً أن يصار إلى فرض أحكام الطوارئ بعد دخول عناصر العمالة مباشرة إلى المدينة، الأمر الذي يميط اللثام عن مغزى سفر أو تسفير المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني إلى خارج العراق في هذه الظروف الصعبة والمعقدة.<BR><BR>* السيستاني سافر أم أجبر على السفر؟!<BR>فحسب المعلومات التي توافرت في العاصمة العراقية، قد تم نقل السيستاني من مكان ما في العراق على متن طائرة أميركية إلى العاصمة اللبنانية بيروت، التي غادرها فيما بعد إلى لندن، وكان في وداعه موفق الربيعي (مسؤول مجلس الأمن القومي العراقي)، وشخصيات شيعية أخرى، وبالرغم من الادعاء بأن وضعه الصحي استدعى خروجه من العراق، وأنه خطط لذلك قبل خمسة عشر يوما، إلا أن مصادر عراقية وطنية أكدت أن تغييب السيستاني عن المشهد العراقي في مثل الظروف الراهنة، جاء في إطار خطة مرسومة أشرفت على صياغتها الولايات المتحدة ونفذتها شخصيات عراقية متعاونة مع قوات الاحتلال تقضي بعودته إلى العراق بعد بسط السيطرة على مدينة النجف والمدن والبلدات الشيعية الأخرى، وبعد الإجهاز على التيار الصدري وزعيمه مقتضى الصدر؛ لبسط النفوذ الديني الموالي للولايات المتحدة وتهدئة ثورة الجياع وممارسة دوره المعنوي وفقاً لمنهج التقية!<BR><BR>يذكر أن السيستاني لم يسبق له أن غادر منزله في النجف منذ ما يزيد عن أربعة عشرة عاما حتى لزيارة مرقد الإمام علي _رضي لله عنه_ وفق ما أكده أهالي المدينة، كما لم يسبق له أن اختار عاصمة غربية للعلاج أو إجراء فحوصات طبية، وكان بمقدوره لو صحت رواية مرضه، أن يختار أية عاصمة عربية أو إسلامية بدل أن يختار عاصمة الدولة التي سوقت لغزو واحتلال العراق وساهمت في الحالتين بقواتها العسكرية. <BR><BR>* آل الحكيم والبيت الشيعي.. والأهداف المشبوهة<BR>لكن وبالعودة إلى ما هو جار في النجف بصورة خاصة والمناطق الشيعية الأخرى بصورة عامة وما يلف ذلك من صمت مقيت من قبل الشخصيات والقوى السياسية الشيعية، فلا يمكن تفسير ذلك بأقل من مباركة هؤلاء لذبح المعسكر الشيعي الرافض للاحتلال وسلطته المعينة، بل واجتثاثه بشكل كامل، وهو في هذا الإطار يدخل في سياق الصراع الشيعي - الشيعي التقليدي القديم بين أسرتي الصدر والحكيم الذي يعود بجذوره إلى بدايات تأسيس حزب الدعوة الإسلامي على يدي محمد باقر الصدر، وهذا الصراع ومنذ ذلك الوقت يخبو حيناً ليعود ويشتعل من جديد في حين آخر، لكن الاشتعال هذه المرة، يبدو أنه وصل إلى درجة اخترقت معها جميع المحرمات والخطوط الحمراء، وفي ضوء هذا الخلاف يجري الحديث عن سعي المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي يتزعمه آل الحكيم لتأسيس فيدرالية شيعية في منطقة الفرات الأوسط، بعد أن تجاوز الاحتلال المجلس وآل الحكيم معا عندما نقلوا السلطة المؤقتة إلى إياد علاوي، فآل الحكيم في سعيهم هذا يعتمدون على الإرث الديني والثقل السياسي والاجتماعي لعائلتهم.<BR><BR>من هنا يمكن فهم الدور الخطير الذي لعبه المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة آل الحكيم والبيت الشيعي بزعامة أحمد الجلبي ورموز شيعية أخرى مماثلة له في تهريب السيستاني من النجف تمهيداً لاجتياحها واجتياح المدن والبلدات الشيعية الأخرى من قبل قوات الاحتلال، وتبرئته من دم الصدريين والصدر معاً، والتفرغ لتنفيذ الشق الثاني من المؤامرة ضد أهل السنة.<BR><br>