لو نبذل لأنفسنا ما نبذله لغيرنا
23 رجب 1425

اختطاف الصحفيين الفرنسيين في العراق كان لا شك عملاً متهوراً، وينم عن قلة وعي بالسياسات الدولية وما يمكن أن يؤدي إليه من انعكاسات على أوضاع الجالية المسلمة في فرنسا خاصة وأوروبا عامة، سيما أن عملية قتل النيباليين الاثني عشر خلال نفس المدة أدت إلى عملية عنف واسعة ضد مسلمي نيبال والمصالح العربية والإسلامية في نيبال..<BR>ونحن العرب في هذه المدة، لا شك محتاجون لمد خيوط التواصل مع أي دولة أو أمة تقف موقفاً معتدلاً ومحايداً من قضايانا، في ظل الهجمة الأميركية الشرسة على أمتنا واستنفار الإدارة الأميركية لكافة القوى الدولية ضدنا، وتغلغل الأيادي اليهودية في الكثير من الدول القريبة والبعيدة، والتي كانت تقليدياً مساندة ومتفهمة لحقوقنا ، وهكذا صرنا نخسر كل يوم معقلاً جديداً ينضم لمناوئينا، ونكسب عدواً جديداً نخسره من مناصرينا.<BR><BR>بناء على ما سبق يمكن أن نتفهم بل نشجع المناشدات التي انطلقت من كل جانب رسمي وشعبي مطالبة بإطلاق سراح الرهينتين، وتضاف خصوصية لهذه المناشدات أن الصحفيين كانا ممن كتبا عن الجدار الإسرائيلي الفاصل وعن جرائم الاحتلال الأميركي في العراق بموضوعية وجرأة فضحتا الكثير من الاستهتار الصهيوني الأميركي بقيمة الإنسان العربي والمسلم..<BR><BR> الحملة هذه المرة جاءت من أطراف كثيرة وعديدة كانت غابت عن الساحة – حتى بتصريحاتها- لمدة غير قصيرة، بل بدأت تحركات عملية للمناشدة بإطلاق سراح المخطوفين، ونعاود القول: إن هذا مما يبشر بالخير وينسجم مع مصالح الأمة، وهو من الدلائل على عودة شيء من الشعور العربي الإسلامي المشترك، الذي يؤمل منه أن يؤدي دوراً أكبر وأكثر فعالية في المرحلة القادمة..<BR><BR>على أن هناك عتباً على هؤلاء الذين لم يظهروا استنكارهم إلا لهذه القضية بالذات، أو لقضايا غيرها العامل المشترك بين جميعها كون الرهائن غير عرب وغير مسلمين، فما دامت الدوافع إنسانية بحتة فلا داعي للانتقائية في إظهار التأييد أو التنديد، ولا يخفى على أحد منا أننا اليوم أكثر أمة منكوبة ومصابة بأبنائها وأقطارها، وأننا أصبحنا داراً مستباحة للبعيد والقريب..<BR><BR>لو كانت هذه الحملة القوية تنطلق للتنديد بمجازر أمريكا في العراق ومجازر الصهاينة في فلسطين، فهذا ربما لا يوقف تلك المجازر، لكنه سيخفف من وطأة المأساة عن إخواننا في البلدين الذين يرون أنفسهم يقتلون يومياً بأيدي المحتلين الغرباء، ولا يساندهم أحد من إخوانهم وهم في قلب الوطن العربي لا أطرافه..<BR><BR>لو كانت هذه الحملة والتحركات الميدانية تتجرأ يوماً على المطالبة بمحاكمة علنية لمعتقلي غواتننامو- لا إطلاق سراحهم- خصوصاً أن الأيام تثبت أن معظمهم لم يثبت عليه أي من التهم الموجهة له، وأن التعنت والكبر هما ما يدفعان الإدارة الأميركية لاستمرار اعتقالهم، وأن دولاً غربية تمكنت من استعادة مواطنيها المحتجزين هناك ببعض الضغوط السياسية..<BR>نعم لو كانت هذه القضية محل إجماع لدى القوى الشعبية وحزبية ومؤسسات المجتمع المدني، وكانت هناك تحركات فعالة في هذا الاتجاه، لما كانت هذه القضية مغيبة بهذا الشكل، ولكانت مأساة هؤلاء المحتجزين انتهت منذ زمن بعيد..<BR><BR>أو كانت الحملة تجتمع على مطالبة المجامع الدولية بتنفيذ شيء من وعيدها للإدارة الصهيونية التي تجعل من حياة الشعب الفلسطيني جحيماً لا يطاق، وعدم الاكتفاء بالقرارات التي لا تعرف طريقها إلى النور..<BR><BR>أو كانت تجتمع على مطالبة روسيا بوقف المجازر التي ترتكبها يومياً في الشيشان، أو إيقاف القتل المستمر في كشمير أو تركستان الشرقية، ولو من باب المناشدة وإبداء التضامن الإنساني لا أكثر..<BR><BR>اليوم لم يعد يكفي مجرد كلمة تقال في فضائية، أو مقال يكتب في جريدة، المطلوب هو إجماع شعبي على الأولويات المستعجلة التي تصيبنا بمقتل حال إمهالها أكثر مما يجري.. <BR>إن العواصم الغربية تشهد مظاهرات ومؤتمرات صحفية للمطالبة بحقوق أهل التيبت وطائفة "الفالون غونغ" التي نشأت قبل بضع سنوات في الصين، وحقوق طوائف أخرى لا تتعدى الآلاف، وتشهد مظاهرات للحفاظ على صحة بعض الأجناس الحيوانية المهددة بالانقراض، أو للمطالبة بالحفاظ على بعض الشعاب المرجانية، بل لا يتردد النشطاء منهم في التظاهر احتجاجاً على الإساءة للكلاب والقطط الشاردة..<BR>نعم هذا قد يبدو لدينا مبالغاً فيه نوعاً ما، لكنه يعكس حيوية سياسية وفعالية شعبية واعتداد الجماهير الغربية بقدرتها على التغيير بواسطة النزول إلى الشوارع أو بغيره من الوسائل..<BR><BR>إن المظاهرات التي قامت في عاصمة أوروبية صغيرة، مثل: أثينا، كانت من أسباب إلغاء زيارة وزير خارجية أعتى قوة طاغية على الأرض.<BR>هذا يبين لنا بوضوح أن الضغط الشعبي بمختلف أشكاله له نتائج ملموسة ولو على المدى البعيد.. <BR>شعوبنا لا تزال إلى اليوم غير مدركة لقيمتها ولا تزال إلى اليوم غير واثقة من أنها لا تزال على قيد الحياة..<BR>الاحتجاج بالقمع السلطوي ليس بمبرر كافٍ، ونحن لدينا خيارات أخرى للتعبير عن الاستنكار أو التأييد أو إيصال رسائل معينة للداخل والخارج، ومن الخيارات العملية المطروحة في هذا المجال تنفيذ إضراب دون أي مظاهرات تعرض أصحابها للقمع، بل تكتفي الجماهير بترك أعمالها والاعتصام ببيوتها بشكل جماعي موحد، فهذا شكل عملي مناسب وفعال وفي نفس الوقت يتجنب سلبيات التصادم مع السلطات.. <BR><BR>هناك مسألة خطيرة يجب أن نعمل على تداركها؛ لأنها مؤثرة على علاقتنا مع الشعوب والأمم الأخرى، وهي أن هؤلاء يفقدون الرغبة في مناصرتنا طالما أنهم يقفون وينددون ويتظاهرون، بينما لا يبدر منا نحن أصحاب القضية أي تحرك أو حتى شكر لهم على مواقفهم، والكثير منهم اليوم يتساءلون عن هذا التناقض الغريب بين كوننا أمة توحدنا عوامل لا حصر لها، وعدم اتفاقنا على أي شيء في أي مجال..<BR><BR>هل ترانا ونحن مصابون بكل هذه المصائب من شرقنا وغربنا لم ندرك أن هذا كله يستحق وقفة صدق بعد؟؟<BR>أم كان خطأ المصابين منا أنهم ولدوا من أرحام هذه الأمة ولم يكونوا من أبناء أمم أخرى لها بعض الحيوية والحركة كما قال الشاعر :<BR><DIV align=center> <TABLE width=450 align=center border=0 cellPadding=0 cellSpacing=0> <TBODY><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA">لو كنت من مازن لم يستبح وطني</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>بنو اللقيطة لكن عقني نسبي</SPAN> </TD> </TR></TBODY> </TABLE> </DIV><BR>الأخطر من هذا أنه يبدو أننا فقدنا الإحساس بقيمتنا الإنسانية، لذلك فنحن نتجاوز مثلاً خبر مقتل خمسين فلسطينياً أو عراقياً، بينما خبر مقتل 10 صهاينة يحتاج إلى طقوس احتفالية خاصة.. <BR>هل ترى نجحت الحملة الأميركية في تكريس حصر مفهوم الإنسان بالإنسان الغربي دون غيره من البشر؟؟<br>