مهزلة الكذب والتناقض في اعتقال الدوري
25 رجب 1425

عدة دلالات صارخة قد أطلت برأسها حول مهزلة الحكومة العراقية في التصريحات المتضاربة حول اعتقال عزة إبراهيم الدوري (النائب السابق لصدام حسين).<BR><BR>فقد صرحت الحكومة العراقية باعتقاله في ذات الوقت الذي أنكرت ذلك حكومة الاحتلال الأمريكي، ولا يعنى ذلك عند أحد عاقل سوى أن هناك كاذب بين التصريحين أو أن الفريقين قد اتفقا على الكذب.<BR><BR>فالتضارب الصارخ في روايات الاعتقال ثم إهمال عدد القتلى السبعين الذين ذكرت التصريحات أنهم ماتوا أثناء دفاعهم عن الدوري كان مما أثار العجب والغضب معاً من المدى المؤلم الذي صارت إليه تلك الحكومات من العمالة والفساد والكذب والتناقض، وأشار إلى مهزلة سياسية قائمة في العراق ليل نهار.<BR><BR> وتساءل الناس عن هذا العدد الضخم من الرجال القتلى السبعين، أين ذهب؟ وأين ذهبت جثثهم؟ وما عدد القتلى الأمريكيين والعراقيين في تلك الاشتباكات أم إنها كعادة أخبار الجيش الأمريكي يَقْتل ولا يُقْتل له أحد؟! <BR> بل كيف تجتمع في آن واحد في ذات المكان روايات تصف معركة عسكرية دموية بين 150 من أتباع الدوري ومئات الجنود العراقيين والأمريكيين تحميهم المدرعات والطائرات مع رواية أخرى تناقضها 100% فتنكر وجود معركة أصلاً، بل وتنكر المصادر الطبية وجود شخصية تسمى عزة الدوري بين مرضاها!<BR><BR>لقد صورت قصة التصريحات باعتقال الدوري مدى التخبط الذي تعيشه حكومة العراق، فالرجل لم يكن قائداً شعبياً ولا ثائراً فكريا، بل كان أحد مسؤولي نظام سابق أثير حوله جدل واسع حول انتماءاته وولاءاته التي يراها البعض قاصرة على قائده صدام حسين فوصفوه بالتابع المخلص، ويراها البعض الآخر متعدية إلى النظام البعثي فوصفوه بالبعثي الشرير، بل يراها غيرهم متماسة مع اتجاهات إسلامية كان هو حلقة الوصل بينها وبين نظام صدام في آخر سنوات حكمه.<BR><BR>على أية حال لم تكن أنباء اعتقال عزة الدوري بالحدث المدوي لدى غالبية الطوائف الشعبية، وإنما هي حدث عابر قد تكون له آثار واقعية أكبر، ولكنها مجهولة لدى غالبية الأمة حتى الآن.<BR>وفى ظل الهزائم المتتالية للقوات الأمريكية تلك التي أضاعت الهيبة العسكرية والسياسية لحكومة جورج بوش التي ذابت كرامتها بين أصداء مدافع المقاومين في الفلوجة وقبضات رجال سامراء على أسلحتهم المتهالكة.<BR>في ظل تلك الهزائم كان لا بد لمخضرمي الانتخابات الأمريكية أن يحافظوا على ماء وجوههم من خلال عدة سيناريوهات تدفع ناخبيهم إلى غرفات الاقتراع قانعين بجدوى اختيار تلك الحكومة التي تتابعت سلاسل هزائمها كتتابع سقطات عاجز في منحدر.<BR><BR>وراح الكبار المؤثرون في الحكومة الأمريكية يرتبون خلف كواليس السياسة العالمية مالا يعرفه غير القليل.<BR>ففي جنوب السودان صاغوا ضغوطاً شديدة على الحكومة السودانية رافعين شعارات حقوق الإنسان رغبة في ضم أصوات الأمريكيين السود ذوى الأصول الإفريقية، وسعياً وراء حدث استعماري آخر قد ينسى الشعب الأمريكي مصابه في مقبرة جنوده في العراق الرشيد.<BR><BR>وفى إقليم وزيرستان الباكستاني راحوا يدمرون الصخور بقنابل عنقودية تزن الأطنان بحثاً عن أمل قد يختبئ تحت الصخور قد يشير لهم إلى مكان ابن لادن أو حتى إلى آثار خطاه رغبة في نصر انتخابي آخر. <BR>وفى العراق كانت الحاجة ماسة إلى تحقيق أي نوع من الانتصارات سواء من جهة القوات الأمريكية أو من جهة الحكومة التابعة التي فقدت مصداقيتها هي الأخرى من أول يوم في حياتها القصيرة.<BR>ومع بزوغ إمكانية اعتقال عزة الدوري لمرضه الشديد بسرطان الدم منذ سنين طويلة وحاجته للمتابعة المستمرة في مستشفيات متقدمة، حاول الاحتلال اقتناص تلك الفرصة، وروجت أنباء قبل أسبوع واحد حول موت عزة الدوري منذ أكثر من ستة أشهر ودفنه في العراق، كما روجت مقالات عن أثر الدوري في المقاومة العراقية التي قيل: إنه يدفع عناصر منها إلى التحرك ويمدهم بالمال والسلاح.<BR><BR>ولم يكن اعتقال الدوري بالشيء الصعب الذي تفخر به القوات الأمريكية التي لا يشق لها غبارولا ينام لها جفن ولا يهزمها هازم..ولا...<BR> فكما ذكرنا من مرضه وضعفه الشديد وتمحور أماكن وجوده في مجموعة من المستشفيات المعينة ذات القدرات الخاصة ما يجعل القبض عليه أمراً ميسوراً.<BR>بل قد يقودنا ذلك إلى عدة تساؤلات عن طول مدة اختفاء الدوري رغم ظروفه تلك السابقة، وعدم استطاعة قوات بوش القبض عليه أو تحديد موقعه مما يلقى بظلال أخرى حول ذلك.<BR><BR>وذكرت لنا التصريحات أنه مع أول ظهور للدوري دارت معركة بين أنصاره وبين القوات العراقية الظمأى إلى أي نوع من الانتصار، وتم الاعتقال في منطقة الدور بعد حملة تفتيش شملت أيضاً مناطق الناعمة وحمرين وضواحي تكريت شارك فيها عناصر عراقية مسنودة بمروحيات ومدرعات أميركية، وسارع المسؤولون العراقيون في الإعلان عن النبأ غير مبالين بالحسابات الأمريكية، بل كان كل ما سيطر عليهم هو إثبات أي نوع من الإنجازات لهم.<BR><BR>ونقلت فضائية عراقية داخلية عن وزير شؤون المحافظات أن الدوري قد اعتقل..كما أعلن مسؤول في وزارة الدفاع النبأ لمعظم وكالات الأنباء، وصرح قائد الحرس الجمهوري في تكريت بأن الدوري اعتقل في معركة دافع عنه فيها نحو 150 عنصراً قتل منهم 70.<BR><BR>ولم يكن أولئك المسؤولون العراقيون ليجرؤوا على تلك التصريحات الخطيرة بتلك الصراحة والثقة إلا في حالتين: الأولى أن تكون حقيقية وحدثت فعلياً وعندئذ تكون مسارعتهم للتصريح بها هو من قبيل إثبات نصر لطالما اشتاقوا إليه، والثانية أن يكونوا قد أمروا بذلك من قبل رؤسائهم وتكون منظومة الكذب قد جمعت الطرفين المقربين التابع والمتبوع..!<BR>ونعود هنا إلى ما ذكرناه في البداية من أن تلك الروايات المتناقضة لا تدل إلا على وجود كاذب في إحداها، فأما الحكومة العراقية فليس الكذب بجديد عليها، فهي التي قد جاءت أساساً بكذبة كبرى اسمها السيادة العراقية، ثم ها هي لا يرى منها سوى أذناب للاستعمار تروج لأفكاره، وتؤكد على توجهاته كلها، والحكومة العراقية هي ذاتها التي كانت قد أعلنت قبل أيام في أثناء اشتباكات عن دخول قوات الشرطة إلى الصحن الحيدري والسيطرة عليه بالكامل ليتبين بعد ذلك عدم صحة هذا الادعاء جملة وتفصيلا إلى غير ذلك من الكذبات الكبيرة.<BR><BR>وأما الحكومة الأمريكية فليس الكذب خلقاً جديداً عليها، بل لقد تلطخت الولايات المتحدة بالكذب حتى صار الكذب هو أظهر أخلاقها، فقد جاءت العراق بكذبة كبيرة عن أسلحة الدمار الشامل، وقتلت الأطفال، ودمرت البيوت بكذباتها المتلاحقة...<BR><BR>وعندما تريد أمريكا أن تحتفظ بورقة اعتقال الدوري لتعلنها قبيل الانتخابات الأمريكية فلا يعنيها عندئذ أن تظهر الحكومة العراقية التابعة لها كاذبة أو صادقة، ولا تعنيها مصداقيتها؛ لأنها تعلم جيداً أنه من باع نفسه للعبودية لا يمكن أن ينتظر أن يكون ثمنه غالياً عند سيده.<BR><br>