العصا الأمريكية في التقارب السوري الإسرائيلي
29 رجب 1425

"لقد أزفت الساعة لعمل ملموس" .. <BR>بهذه الجملة التي تحمل في طياتها الأمر والتهديد ونفاذ الصبر أنهى (مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى) وليم بيرنز مؤتمره الصحفي المقتضب، بعد أن التقى مع (الرئيس السوري) بشار الأسد في دمشق يوم السبت الماضي على رأس وفد أمريكي رفيع المستوى .<BR><BR>الزيارة كانت هامة، ومن الصعب سياسياً وإعلامياً تجاهلها، فلو كانت الزيارة من ذات الوفد في وقت غير هذا الوقت بالتحديد، أو لو كان الوفد من دولة أخرى، لاكتفى مساعد وزير الخارجية السوري، أو الوزير فاروق الشرع على أكبر تقدير بمقابلته، إلا أن المقابلة كانت مع الرئيس السوري ذاته، وبحضور الشرع وكبار الشخصيات الحكومية السورية.<BR><BR>الزيارة جاءت في وقت تلعب فيه العديد من الأزمات الدولية والعالمية دوراً في صياغة شكل جديد للمنطقة، تساهم فيه الولايات المتحدة بأكبر دور ممكن، طالما كان ذلك ممكناً.<BR>منها الخطة الإسرائيلية المثيرة للجدل حول الانسحاب الأحادي الجانب من أراض فلسطينية، والتي يقول بعض المراقبين السياسيين عنها: إنها ستتيح للإسرائيليين الاهتمام بالاحتفاظ على الأراضي المحتلة الأخرى، ومن بينها الجولان السوري المحتل.<BR><BR>ومنها: الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الداخلية في سورية، والتي ترهق الحكومة السورية من جهة، وتحرجها في نفس الوقت بحاجتها لمساعدات خارجية؛ مالية وفكرية وتكنولوجية وغيرها.<BR>كذلك التوتر السابق على الصعيد العسكري والدولي في سورية بسبب لبنان، والتوتر الآخر على الجانب العراقي وقضية الأكراد.<BR><BR>ومن أهمها حمى الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تجعل من الصعب على الحكومة الحالية الانشغال في قضية الشرق الأوسط والنزاع العربي الإٍسرائيلي، إلا أنها وفي الوقت نفسه، تثير شهية بوش لأن يكون بطلاً للسلام في المنطقة (!!)، عبر وجود اتفاق مبدئي بين القيادة السورية والإٍسرائيلية لاستئناف المفاوضات.<BR><BR>لذلك كان التحرك في هذه المدة سريعاً وحازماً بعض الشيء، بداية ببعض العقوبات الاقتصادية على سورية، ووصولاً إلى زيارة (السفير الأمريكي السابق لدى إٍسرائيل) مارتن انديك، ثم زيارة بيرنز على رأس وفد أمريكي كبير من بينهم مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشئون الأمن الدولي.<BR><BR>ويبدو أن السوريين والإسرائيليين كانوا قد استبقوا كل ذلك بالتمهيد لوجود خطوات خجولة؛ إلا أنها أساسية للجلوس مجدداً على طاولة المفاوضات.<BR>فالرسائل التي حملتها تركيا بداية العام الحالي بين الحكومتين، والوساطة المصرية التي عرضها واشتغل بها الرئيس المصري حسني مبارك لمدة من الوقت بأوامر من واشنطن، والوساطة الأوروبية اللاحقة قد رسمت الخطوط الأولى لبداية طريق المفاوضات.<BR><BR>منها على سبيل المثال الاتفاق السوري "الإسرائيلي" على إعادة بناء مدينة القنيطرة المهدمة، كخطوة لبناء الثقة باتجاه استئناف المفاوضات السلمية بين الجانبين. ‏ <BR>فقد قررت دمشق بناء المدينة التي هدمت عام 1974م قبل الانسحاب الإسرائيلي منها، حيث اشترطت انسحاباً إسرائيلياً جزئياً من المدينة التي لا تزال "إسرائيل" تحتل قسماً منها، مبينة أن الحدود الحالية لا تسمح ببناء المدينة كونها تقسم المدينة إلى شطرين، فاقترح الوسطاء الأوروبيون على "إسرائيل" الانسحاب عن المدينة مسافة كافية تتيح للسوريين البناء بشكل مريح "وجرى الاتفاق على خمسة كيلومترات". <BR><BR>الرئيس السوري الجديد يبدو أكثر مرونة حول وجود اتفاق مع الإسرائيليين من والده الراحل حافظ الأسد.<BR>إذ أكد (السفير الأمريكي) انديك خلال حديث أجراه معه كبير الصحافيين في "يديعوت احرونوت" ناحوم بريناع، ونشر الجمعة الماضية على أن الرئيس السوري مستعد لاستئناف المفاوضات مع الإسرائيليين عندما يكون رئيس الحكومة الإسرائيلية مستعداً لذلك.<BR>وزاد على ذلك بالقول: " إن الأسد مستعد للتفاوض المباشر في كل وقت وزمن من دون شروط مسبقة (...) متوقعاً (..) انسحاب إسرائيل إلى حدود العام 1967م"، وأضاف "لكن يمكن التفاوض حول الخط الدقيق لهذه الحدود"!!<BR>مبدياً استعداداً لأن تكون خطوات تطبيع العلاقات على عدة مراحل.<BR><BR>هذه الرسالة بحد ذاتها تعد بداية سورية هامة على صعيد استئناف المفاوضات، فالسوريون كانوا طوال المدة الماضية متمسكين بمسألة " استئناف المفاوضات من النقطة التي انتهت عليها مفاوضات أوسلو" قبل أكثر من 10 سنوات، وعلى "الانسحاب الإسرائيلي الكامل حتى حدود عام 1967م" تماماً، وعلى وجود "مرحلتين فقط لتطبيع العلاقات".<BR><BR>مساعد وزير الخارجية الأمريكية امتنع عن الإدلاء بأي تصريحات أو الإجابة على أسئلة الصحفيين لدى وصوله إلى دمشق الجمعة، كما فعل تقريباً بعيد لقائه الرئيس السوري، حيث اكتفى بإلقاء تصريح حاد اللهجة، قال فيه: " أتيت إلى دمشق مع وفد أمريكي موسع، الشيء الذي يعكس الطبيعة الجدية لهذه الزيارة، قمت أنا وزملائي بإجراء نقاشات صريحة و مفصلة صباح اليوم (السبت) مع الرئيس بشار الأسد، وقد أعدنا التأكيد على النواحي المثيرة للقلق، والتي كانت موضع تركيزنا منذ زيارة (وزير الخارجية) كولن باول العام الماضي".<BR><BR>أما طبيعة الرسالة التي حملها بيرنز إلى الأسد فقد كشفتها اليزابيث ديبل (المسؤولة الجديدة في وزارة الخارجية الأمريكية عن قسم مصر وشرق المتوسط)، والتي استبقت زيارة بيرنز، حيث أدلت بتصريحات حادة، أكدت فيها أن " بيرنز سيسلم الرئيس السوري رسالة قوية حول ضرورة تغيير سياسة سورية في مجالات عدة " مشيرة إلى أن حكومتها " في ضوء نتائج زيارة بيرنز إلى دمشق ومضمون تقرير (الأمين العام للأمم المتحدة) كوفي عنان خلال أقل من شهر حول تنفيذ سورية لقرار مجلس الأمن رقم 1559 (حول سيادة لبنان) سوف تدرس الخيارات المتوافرة لها " غير مستبعدة خيار فرض عقوبات جديدة ضد سورية".<BR><BR>الرئيس السوري تفهم الرسالة، وأكد قبل لقاء بيرنز على استعداده لبدء مفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية، رامياً الكرة في الملعب الإسرائيلي، بانتظار أن يفرغ شارون لهذه المفاوضات.<BR>وفيما يرتقب الكثير هذه المفاوضات كَيَد لتحريك العديد من الأمور العالقة في المنطقة؛ يعتقد آخرون أن المسألة لا تخرج عن إطار جولات الانتخابات الرئاسية في أمريكا، والمزايدات لكسب ثقة الناخبين .<BR><br>