تفجيرات طابا وقيود معاهدة السلام
4 رمضان 1425

يوم 9 أغسطس 2004م كشفت صحيفة الأهرام عن أن بعثة عسكرية مصرية ، زارت الدولة العبرية ، توصل إلى "اتفاق مبدئي" بشأن قضية الحدود في منطقة رفح ومحور صلاح الدين ينص على تغيير نوع القوات المصرية من شرطة إلى قوات حرس حدود،‏ دون الدخول في مفاوضات حول تعديل معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية ، وجاء هذا بناء على طلب إسرائيلي لمزيد من الرقابة على ما يزعم الصهاينة أنه تهريب للسلاح من مصر لفلسطين المحتلة .<BR><BR>و الآن بعد تفجيرات طابا وسيناء أصبح من الطبيعي ومن حق مصر أن تطالب بتعديل آخر في الاتفاقية بخصوص قواتها في منطقة طابا بعدما خلقت التفجيرات واقعاً جديداً، وظهر أن المنطقة الحدودية مستهدفة وفي حاجة لمزيد من نشر قوات حرس الحدود المصرية عند طابا واستبدالها بقوات الأمن القليلة الموجودة هناك .<BR><BR>ويزيد من أهمية هذا الطلب المصري أن هناك شكوى مصرية متكررة من عمليات تهريب يقوم بها "السياح الإسرائيليون" عبر معبر طابا بداية من المخدرات والحبوب المخدرة ، وحتى السلاح ، وصولاً إلى تهريب الداعرات الروسيات عبر الحدود مع مصر .<BR><BR> وقد أكدت الخارجية المصرية هذه الجرائم في عدة بلاغات للبرلمان المصري رداً على استفسارات لنواب عن هذه الجرائم منها إعلان من الخارجية عام 2000م للبرلمان عن ارتكاب 79 إسرائيلياً مخالفات جنائية حينئذ تتراوح بين تهريب المخدرات والعملات المزورة وتهريب الأسلحة والبضائع، وتسليم مصر هؤلاء المجرمين إلى السلطات الإسرائيلية عبر منفذي رفح وطابا.<BR><BR>والحقيقة أن التفجيرات سوف تفتح ملفات هامة في العلاقات المصرية الإسرائيلية على صلة مباشرة بمعاهدة السلام الموقعة بين البلدين في السادس والعشرين من مارس 1979م، والتي مر عليها ربع قرن ولم تشفع في تدفئة السلام البارد بين البلدين .<BR><BR>ولعل أبرز الملفات التي يمكن أن تبادر مصر بفتحها هو ملف تقلص ونقص الوجود الأمني المصري في طابا ومنطقة الحدود ، حيث تقضي أحكام معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر واتفاقية طابا المعقودة في عام 1983م بوضع قيود على عمليات قوات أمن الحدود المصرية على طول حدود صحراء سيناء مع إسرائيل ، وهي مسألة أثرت على قدرة هذه القوات المحدودة على مكافحة كل عمليات التهريب في سيناء عبر الحدود مع الدولة العبرية، حيث تقلص معاهدة السلام إلى حد كبير الوجود العسكري المصري في شبه جزيرة سيناء وتحصره (22 ألف جندي) في القطاع الغربي منها (المنطقة أ) . <BR> وقد اعترفت الخارجية الأمريكية نفسها في يونيه 2004م - في تقرير عن الاتجار بالأشخاص نشره "مكتب مراقبة ومكافحة الاتجار بالأشخاص" التابع لها بوجود "قيود على قوات الأمن المصرية" هناك في سياق تبرير عمليات تصاعد تجارة الرقيق المنتشرة عبر الحدود بواسطة عصابات صهيونية تستقدمهم إلى مصر وتهربهم عبر الحدود .<BR>والحقيقة أنه بينما يُعتقد أن مصر ستسعى للمطالبة بهذه التعديلات على معاهدة السلام لتعزيز أمنها بشكل أكبر على الحدود مع فلسطين المحتلة ، يلاحظ أن الصهاينة يسعون بدورهم لاستغلال التفجيرات في مزيد من توريط مصر في تطبيع أمني وسياسي بدعوى المواجهة المشتركة للإرهاب .. فهل تفتح التفجيرات ملف المعاهدة بين القاهرة وتل أبيب ؟! <BR><BR>لقد أعلن القادة الصهاينة أن مصر تقدمت بالفعل بطلب في هذا الصدد لزيادة قواتها الأمنية في منطقة الحدود لمزيد من الحزم في مواجهة عمليات التهريب ، وقال (وزير الدفاع الإسرائيلي) شاؤول موفاز أنه تم التوصل إلى اتفاق مبدئي مع مصر يقضي بإدخال قوات أمن مصرية إضافية إلى شبه جزيرة سيناء، وإن إسرائيل هي التي طلبت خلال محادثات أمنية مع مسؤولين مصريين تعزيز القوات التي تتولى حراسة الحدود المصرية - الإسرائيلية .<BR><BR>أيضاً نسبت وكالة "رويترز" يوم 11 أكتوبر 2004م إلى مصادر سياسية إسرائيلية قولهم: إن مسؤولي أمن مصريين سلموا إسرائيل خطة تقضي بنشر قوات إضافية في شبه جزيرة سيناء لمنع تهريب السلاح إلى قطاع غزة تتضمن بالتفصيل أنواع الأسلحة التي ستحملها القوات المصرية التي ستتواجد على الحدود في سيناء ، وأن الخطة جاءت ضمن اقتراح مصري لمنع تهريب الأسلحة والمتفجرات إلى ناشطين في غزة قبل الانسحاب الإسرائيلي المزمع من القطاع مع نهاية 2005م ، ويبدو أن المقصود بهذا هو الاتفاق الأول في منطقة رفح وإتباعه باتفاق ثان لزيادة القوات في منطقة طابا .<BR><BR>فمنطقة وديان سيناء في الوسط، وكذلك الشرق منطقة تهريب على نطاق واسع على الحدود خصوصاً مع اتساع منطقة الحدود بيم مصر وفلسطين المحتلة ، وهناك حملات مصرية مستمرة من حرس الحدود تنشر عنها الصحف المصرية على تجار المخدرات هناك ، كما يتم من حين لآخر ضبط تجارة رقيق أبيض روسية تشرف عليها منظمات إجرامية صهيونية ، فضلاً عما سبق الحديث عنه من عمليات تهريب مختلفة .<BR>ومن الطبيعي أن تطالب مصر بوقف عمليات التهريب هذه، خصوصاً بعدما وصلت لمرحلة الخطر وتفجير منشآت سياسية مصرية ، وهو ما عبر عنه الدكتور أسامة الباز (المستشار السياسي للرئيس المصري) في تصريحات لصحيفة "ديلي تلجراف" البريطانية بقوله: "إن الوجود الأمني المصري الكثيف في المنطقة الحدودية العازلة بين مصر وإسرائيل‏ (المنطقة ج‏)‏ أصبح ضرورياً من أجل السيطرة على عملية دخول هذه المنطقة التي شهدت تفجيرات طابا ونويبع " .<BR> ولكن الملفت هو أن الصهاينة يرفضون دوماً أي تعديل في اتفاقية السلام، ويفضلون توقيع اتفاق منفصل، وذلك لهدف واضح هو عدم إعطاء مصر فرصة مستقبلاً لطلب تغيير الاتفاقية ، ويحرصون بالمقابل على أن يكون التغيير أو نشر قوات أمن أكبر ضمن "اتفاق خاص" لا يمس اتفاق السلام بين الطرفين !! <BR><BR>صحيح أن هذه التعديلات تعد شكلية ولا تقلل من عيوب اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية ، ولكنها تؤشر لواقع جديد ظهر عقب توقيع اتفاق السلام بـ 25 عاماً ، وتفتح الباب لتغييرات في القوات المصرية هناك، سواء أكانت عسكرية أم أمنية بناء على الواقع الجديد الذي ظهر . <BR><BR>فليس سراً أن خلو ثلثي سيناء تقريباً من القوات المصرية النظامية والمعدات الحربية الثقيلة وتضاؤل القوات في منطقة (أ) ، كان وراء سعي متطرفين صهاينة للقول أثناء تصاعد الخلافات بين البلدين: إنه من السهل احتلال سيناء في بعض ساعات لو أردوا (!) ، وليس سراً أن هناك عدم رضاً مصري شعبي على الاتفاقية ، ولذلك سعت القيادة المصرية وقت توقيع الاتفاق لتبرير هذه التنازلات بالقول: إن هدفها هو طمأنة الصهاينة من جهة مصر .<BR>الوقائع الجديدة تشير بالتالي إلى أن هناك حاجة واقعة على الأرض تتطلب زيادة الوجود الأمني المصري في سيناء في المنطقة (ج)، سواء في أعلى شمال سيناء عند منطقة رفح أو في الوسط عند منطقة طابا ، كما أن هناك حاجة لدعم قوات حرس الحدود أيضاً في منتصف سيناء ، أما المفارقة فهي أن الصهاينة كانوا هم المبادرون بالمطالبة بذلك مع تصاعد الانتفاضة الفلسطينية والعداء المصري والعربي الشعبي لمجازرهم في فلسطين لحد تهريب سلاح للمقاومة من سيناء – كما يزعمون- أو استهداف وجودهم في سيناء .<BR><br>