الانتخابات الأفغانية وحلم الديموقراطية الموعودة
17 رمضان 1425

كما في معظم المناطق الساخنة التي تشهد صراعات مسلحة في العالم، يبقى الإعلام العالمي أسير الطرف الأقوى في معادلة الصراع، ويبقى الإعلام المحلي قاصراً عن إيصال صوته إلى فئة كبيرة من العالم، فيما تبقى شعوب العالم محكومة بما يقدم لها من إعلام مدروس ومخطط بعناية فائقة، تماماً كما الخطابات السياسية وخطط الحرب.<BR><BR>وما ينطبق على العام.. في العالم.. ينطبق على الخاص في أفغانستان..<BR>فمع الـ200 مليون دولار التي أنفقتها الأمم المتحدة على الانتخابات الرئاسية، ومع وجود 114 ألف موظف انتخابي، و220 ألف مركز اقتراع.. لم تستطع قوات الاحتلال (التي تسيّر الحكومة الأفغانية) من تحقيق الشيء الكثير.. بعكس ما تنشره وسائل الإعلام العالمية..<BR><BR>معظم الصحف والفضائيات الأمريكية والأوروبية أسهبت في (تلفيق) محاسن صورة الانتخابات الرئاسية التي تشهدها أفغانستان، وأفردت كبريات الصحف الأمريكية افتتاحياتها وتقاريرها لإضفاء صفة (النصر) على ما يفعله (الرئيس الأمريكي) جورج بوش هناك؛ لإعطائه دفعة انتخابية قد تقنع الناخب الأمريكي أنه حقق ما وعد به في أفغانستان.<BR>ولكن كل ذلك لم يقدم لأفغانستان – في حقيقة الأمر – صفة الديموقراطية أو الحرية التي وعد بها الاحتلال..<BR><BR>الأمر يتعلق – إلى حد كبير – بما تقرره إدارة الاحتلال هناك، والتي حددت سلفاً الرابح في انتخابات كان من المفترض أن تقدم فرصاً متساوية لجميع أطراف القوى في البلاد.<BR><BR>حركة طالبان استبعدت تماماً.. ولا تزال محاربة رغم أنها كانت حكومة شرعية في أفغانستان.. كما استبعدت قوى إسلامية أخرى من المعادلة.. فيما تركزت جهود الاحتلال على تقديم حامد كرزاي كواقع رئاسي قائم.. حتى من قبل تنفيذ الانتخابات التي كانت محسومة سلفاً.<BR><BR>بالإضافة إلى مقاطعة الكثير من القوى السياسية للعملية الانتخابية (كتحالف قوى الشمال، وجماعة حكمتيار وغيرهم).<BR><BR>المرشحون الـ16 المنافسون لكرزاي اعترضوا على الانتخابات، مؤكدين وجود تجاوزات وتلاعب في التصويت، خاصة فيما يتعلق بالحبر المستخدم للتصويت، والذي أدى بالمرشحين إلى مقاطعة الانتخابات بسبب إمكانية التزوير.<BR><BR>وبحسب ما أورده تقرير في صحيفة "الغارديان" البريطانية فإن الأمم المتحدة استأجرت نحو 5 آلاف هاتف محمول، و1150 سيارة جيب، وأربع مروحيات، وطائرة شحن، بالإضافة إلى 300 حمار(!!) من أجل إيصال صناديق الاقتراع الـ220 ألف إلى كابل.<BR><BR>وبحسب الصحيفة فإن الصناديق سيستغرق وصولها إلى كابل نحو أسبوعين على أقل تقدير، بسبب وجود مناطق نائية يتم فيها التصويت، وهو ما دفع المرشحين المعارضين إلى التشكيك بإمكانية التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات.<BR><BR>أما على صعيد الأمن والاستقرار والحرية التي وعد بها الاحتلال، والتي أظهرت وسائل الإعلام الغربية صورة أفغانستان وكأنها مسرحاً للديموقراطية والحرية، فلا يزال الوضع قاتماً جداً.<BR>حيث أظهر تقرير أعده خبراء في الأمم المتحدة، وصدر يوم الثلاثاء 25 أكتوبر، أنه وعلى الرغم من احتلال أفغانستان منذ نهاية عام 2001م، إلا أن البلاد تشهد انتهاكات صارخة في مجال حقوق الإنسان، لا تزال موجودة حتى الآن.<BR>مؤكداً أن هذه الانتهاكات تتراوح من الإعدامات خارج إطار القانون، والاعتقال في ظروف غير إنسانية، إلى التجاوزات التي ترتكب بحق النساء والفتيات. <BR><BR>وعزا التقرير الانتهاكات إلى الفوضى وتزايد نفوذ زعماء الحرب والقادة المحليين والفساد المستشري إضافة إلى الزيادة الملحوظة في زراعة وإنتاج الأفيون، التي ارتفعت إلى عدة أضعاف بعد تنحية حركة طالبان، التي كانت تحارب زراعة الأفيون والاتجار بالمخدرات بشكل كبير.<BR><BR><BR>وفيما تحاول قيادة الاحتلال نزع الشرعية – بالقوة – من الأفغان لصالح كرزاي، تستمر في البلاد حالات العنف والفساد والرشاوى والاغتصاب وانتشار المخدرات.<BR><BR>وإن كان الاحتلال قد حقق ما يريده من إجراء انتخابات معدة سلفاً لتنصيب كرزاي على حكم أفغانستان، إلا أن الكلام عن بسط سيطرته على البلاد والقضاء على الفساد الداخلي وإلقاء القبض على قادة القاعدة وطالبان لا يزال مجرد حلم كبير، قد يجد فيه الجندي الأمريكي نفسه في بلده قبل تحقيق أي شيء من تلك الأماني.<BR><br>