العالم العربي بين خيار الفلوجة وخيار سوبر ستار!
28 رمضان 1425

على الرغم من التحديّات الكبيرة المحدقة بالعالم العربي، و على الرغم من سوداوية الواقع السياسي والاقتصادي والثقافي والأمني والحضاري، فإنّ البعض في هذا العالم العربي يحاول القفز على هذا الواقع بخيارات لن تزيد العالم العربي غير تراجع وانحطاط من قبيل ثقافة سوبر ستار الذي تبثّه قناة تحمل شعار المستقبل و القادم من الأيّام .<BR><BR>وفي الوقت الذي أعدّت فيه الأمم المتحضرة مراكز حيوية لاستشراف المستقبل وسبل تطوير كافة القطاعات في مجالات التقنيّة والصناعة والمعلوماتية، فإنّ البعض يرى المستقبل العربي أغنية ماجنة وحنجرة متعفنة و رسم مسار لشبابنا العربي باتجاه العفونة والترهل الفكري والكساح الثقافي .<BR><BR>وتتمحور حول ثقافة سوبر ستار مجموعة كبيرة من النخب والأنظمة والتيارات والقوى ووسائل الإعلام والأجهزة الأمنية التي ترى أنّ العالم العربي لن ينجو إلاّ بتسفيه القيم، والدوس على كبريات القضايا ونسيان الماضي والترفع على الديماغوجيا بتعبير أصحاب نهج ثقافة الميوعة، وفي مقابل ثقافة الميوعة هناك ثقافة جنين والفلوجة و جنوب لبنان هذه الثقافة التي تستحضر موروثنا الحضاري، وتنظر إلى المستقبل بعين ثاقبة قوامها الانطلاق من الذات و المقومات الحقيقية لصناعة النهضة، فالنهضة و المشروع الحضاري المتطوّر حسب ثقافة الفلوجة يبنيها أبناء الوطن العربي و الإسلامي وليس أمريكا وحلفاؤها الغربيون، و المجد تصنعه الأيدي والعقول والنفوس الأبيّة لا الأغنيات الهابطة التي خدشت العفّة والحياء . <BR><BR>و اتجّاه العفونة الذي تعمل جهات رسمية وغير رسمية على ترويجه وتكريسه في العالم العربي له ما يشبهه في تاريخنا الإسلامي عندما كانت القلاع الإسلامية تدكدك والجغرافيا الإسلامية تستباح والرسميون الولاة والأمراء يتقاسمون الجواري الحسان، ويستقدمون أهل المجون والطرب ليملؤوا بلاطهم بأصواتهم وطبولهم التي حالت دون أن يسمع هذا الأمير أو ذاك سنابك خيل الفرنجة والمغول و هي تستقطع الولاية تلو الولاية حتى ضاع مجدنا التليد العتيد ومجدنا الراهن، وربما مجدنا القادم!<BR><BR>ولولا الفلوجة و نظيراتها في العالم العربي والإسلامي ولولا ثقافة الفلوجة التي عرّت ثقافة العفونة، حيث بات الطرب مدخلاً إلى المجون والعهر والفساد المنظّم – لدى الأجهزة الأمنية العربية مئات الملفات التي تطاول مطربين ومطربات عرب تاجروا في المخدرات أو تعاطوها أو مارسوا الدعارة بشكل جماعي و على سبيل المثال، فقد اعتقل جهاز أمني عربي ذات يوم مجموعة كبيرة من الفنانين والفنانات في شقة واسعة في لبنان، وكان الجميع في حالة عري يمارسون فاحشة الزنا واللواط والسحاق على حدّ سواء، و جرى التكتّم على الخبر حفاظاً على الفنّ العربي؛ لأنّ الأشخاص المعتقلين كما أخبرني المحررّ القضائي في الجريدة اللبنانية (التي كنت أعمل فيها) لهم ثقل، وهم في واجهة الخارطة الفنية العربية.<BR> <BR>ولأنّ هذه الثقافة الهابطة كثيراً ما تؤدّي إلى المجون والسقوط و الشهوات والملذات والربح السريع والابتعاد عن المشقّة، و عدم إزعاج الغرب الذي يتجاوب مع هذه الثقافة فإنّ القطاعات الرسمية وغيرها تمكّن لمثل هذه الثقافة وتحاصر ثقافة الفلوجّة وجنين هذه الثقافة التي تسعى لتحرير الوطن العربي من الطاغوت العالمي والطواغيت المحليين الذين ينزعجون من الثقافة الجادة، هذه الثقافة التي باطنها العزّة وظاهرها الكرامة .<BR><BR>وإنّه من العيب الكبير على نظمنا كما على بعض شرائحنا الشعبية و في عصر تنحر فيه رقاب رجال ونساء في الفلوجة من قبل الآلة العسكريّة الأمريكية أن تندلع حناجر المستقبل وسوبر ستار تغنى للهوى الماجن وسط بعض الممثلين الذين يضحكون على هذه الأصوات بعد أن يغادر المطرب الموعود و الفنان القادم، وأعجبُ لإلياس الرحباني كيف ارتضى لنفسه هذا الدور، فهو بهذا يؤكّد أن عصر العمالقة ولىّ وانتهى . <BR><BR>إنّ المواطن العربي ليس في حاجة إلى أصوات و سوبر ستار، فأم كلثوم وحدها في كفّة والأصوات العربية كلها في كفّة أخرى، إنّ المواطن العربي في حاجة إلى رجال وأشاوس وأبطال كأبطال الفلوجة و جنين و جنوب لبنان، هؤلاء وحدهم النجوم و الشموس الذين بهم لا بغيرهم ينجو واقعنا العربي والإسلامي من الأمركة والصهينة والتغريب، ومن الظلم و الاستعباد و الاستبداد، وستؤكّد الأيام القادمة أن ثقافة الفلوجّة أبقى وأخلد وأدوم وأشدّ فعاليّة من ثقافة الأصوات المزورّة التي هي أقرب إلى النهيق منه إلى الطرب!! <BR><br>