وفاة عرفات .. تفيد أم تضر شارون والفلسطينيين ؟!
29 رمضان 1425

تفتح وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات العديد من التساؤلات حول مستقبل القضية الفلسطينية من بعده داخليا وخارجيا ، واحتمالات تغير السياسة الأمريكية والصهيونية من القضية الفلسطينية وفتح الطريق أمام إنشاء الدولة التي وعد بها الرئيس الأمريكي بوش ، إضافة إلي احتمالات الصراع الداخلي بين حمائم وصقور السلطة الفلسطينية في الداخل والخارج .<BR><BR>ولأن شارون وبوش وبعض القوي العربية سعت لتشويه صورة عرفات والإيحاء بأنه كان العقبة في طريق السلام وأنه ضيع فرص كثيرة علي الفلسطينيين لحد قول شارون "إن وفاة عرفات يمكن إن تشكل "منعطفا تاريخيا" في الشرق الأوسط " ، فالسؤال الأول الطبيعي هنا هو : هل ستكون وفاة عرفات مفيدة للسلام كما كانوا يزعمون ؟!.<BR><BR>واقع الحال يشير إلي أنه لا عرفات ولا غيره من القيادات الفلسطينية كان يمكنه القبول بالشروط المهينة في اتفاقات السلام التي طرحتها أمريكا وإسرائيل ، خصوصا التنازل عن القدس ، وحتى حمائم السلطة الفلسطينية الجدد (أبو مازن وقريع) لن يمكنهم أيضا القبول بأي حل يستبعد عودة القدس عاصمة للدولة الفلسطينية ، ولكن سبب عقاب عرفات الحقيقي من قبل الأمريكان والصهاينة (وبمباركة زعماء عرب) أنه "غض الطرف" عن بعض عمليات المقاومة الفلسطينية وشجع حركات المقاومة علي القيام بعمليات عسكرية محدودة ضد أهداف عسكرية صهيونية بهدف تحقيق التوازن مع الآلة العسكرية الصهيونية .<BR><BR>أيضا واقع الحال يشير إلي أن شارون وبوش – علي عكس ما يظهرون – سيكونون أكثر الخاسرين من وفاة زعيم "معتدل" و"كاريزما" وقبل بتنازلات جوهرية في القضية الفلسطينية قبلها شعبه مثل عرفات ، فما قد يقبله الشعب من تنازلات لزعيم القضية الذي يثق به ، سوف يرفضه من خلفاءه "الحمائم" الذين تشوهت صورتهم وأصبح يُنظر إليهم علي أنهم حلفاء لإسرائيل وأمريكا وحريصين علي مناصبهم ونفوذهم أكثر منهم حرصا علي القضية الفلسطينية .<BR><BR>فصورة أبو مازن – الزعيم الجديد بعد عرفات - اهتزت كثيرا منذ احتضنه شارون ، وروجت له أمريكا عندما كان رئيسا للوزراء ، وهو ليس له شعبيه في الأراضي المحتلة ، وقد يعمد في سبيل ذلك لتسريع أي اتفاق مع شارون لتلميع صورته وتعويض نقص شعبيته ، وشارون بالمقابل يتحرك بدوافع صهيونية – دينية وليس لديه القدرة – في ظل صراعه مع حزبه الليكود ومع الحاخامات الذين أهدروا دمه – علي تقديم أي تنازلات بما فيها تلك التي كانت معروضة من قبل علي عرفات في كامب ديفيد ما يعني جمود القضية .<BR>والرئيس الأمريكي بوش ليس واردا أن يفي بوعوده بشأن تسريع إقامة دولة فلسطينية والضغط علي الصهاينة في هذا الصدد لأنه في حاجة للدور الصهيوني في معركته المقبلة مع إيران وسلاحها النووي المرعب المنتظر ، كما أن أجندته في فترة رئاسته الثانية تركز أكثر علي الداخل الأمريكي ، وتصفيه الحسابات مع باقي دول "محور الشر" كما يسميها .<BR><BR>صراع الداخل أخطر ! <BR>وبعيدا عن كل التصريحات الوردية عن أنه لا مخاوف من صراعات داخلية بين الفلسطينيين بعد وفاة الزعيم عرفات ، لا يمكن إغفال أن هناك صراع داخلي خطير ليس بين السلطة وفصائل المقاومة الإسلامية والوطنية ، ولكن داخل السلطة نفسها وداخل منظمة التحرير وحركة فتح .<BR><BR>فهناك صراع بين قيادة الداخل ممثلة في أبو مازن وقيادة الخارج ممثلة في فاروق القدومي وزير خارجية دولة فلسطين ورئيس الدائرة السياسية وأمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح ، وهناك انقسام داخلي في فتح بين أنصار المقاومة وأنصار وقف الانتفاضة نهائيا ووقف عسكرتها ، وقد ظهر هذا قبل وبعد وفاة عرفات . <BR><BR>فقيادة الداخل سارعت لتعيين أبو مازن خلفا لعرفات في رئاسة المنظمة وحركة فتح ، لتفوت الفرصة علي القدومي وفريق المنظمة التاريخي في الخارج الذي يرفض التنازلات ويدعو للعودة للمربع الأول واستئناف القتال ضد الصهاينة طالما فشل الخيار السلمي ومزق شارون بنفسه اتفاقات أسلو .<BR><BR>والقدومي أصدر بدوره بيانا في يوم وفاة عرفات 11 نوفمبر يقول فيه أنه "حان الوقت للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إن تجتمع خارج الأرض المحتلة للحفاظ على سرية عملها وقراراتها (في إشارة لاختراق إسرائيل للقيادة الفلسطينية) ، ولإتاحة الفرصة لكل أعضائها أن يتخلصوا من الضغوط النفسية التي تفرزها الأوضاع التي تحيط بهم في الأراضي المحتلة ، وأنه "لا بد من مشاركة جميع فصائل المقاومة في اتخاذ القرارات السياسية حتى تعزز وحدتنا الوطنية في إطار قيادي موحد " .<BR><BR>ولا يجب أن نغفل هنا مغزى بيان كتائب شهداء الأقصى المحسوبة على حركة "فتح" التي كان يتزعمها الرئيس عرفات والذي دعت فيه نشطائها إلى ضرب إسرائيل "في كل مكان"، وحملت الحكومة الإسرائيلية مسئولية موته ، كما لا يجب أن نغفل ما يتردد عن الصراع علي أموال السلطة الفلسطينية وعرفات والتي قدرها الأمريكان بمليار دولار (!؟) ، والذي فتحت الطريق له زوجة عرفات سهي بتوجيه اتهام صريح لخلفاء عرفات بالسعي لوراثته ، خاصة أن المعادلة الفلسطينية الأن تقوم علي أن من يملك المال يملك السيطرة علي أجهزة الأمن الفلسطينية ، ومن ثم على السلطة نفسها !.<BR><BR>بل أن هناك تخمينات من مصادر فلسطينية معارضة تقول أن تأخير نشر البيان الرسمي عن وضع عرفات الصحي فور حصول الغيبوبة ينبع من بداية صراعات الوراثة علي أمواله بعدما زعمت مجلة "فورباس" أن عرفات يقع في المكان التاسع في قائمة الزعماء الأثرياء في العالم بثروة 200 مليون دولار ، وتقول أنه لهذا سافر إلى باريس المستشار المالي لعرفات محمد رشيد الذي يعرف هو وزوجة عرفات (سهي) فقط أرقام الحسابات البنكية التي أودع فيها عرفات مبالغ طائلة من أموال السلطة !.<BR><BR>وهناك أمر أخر أكثر أهمية فيما يتعلق بقضية الصراع داخل السلطة وهو مسألة التسميم العمدي المحتملة للرئيس عرفات والتي لم يستبعدها كبار القيادات الفلسطينية ، والمفترض إنها تمت بتواطوء إسرائيلي أمريكي لإزاحة عرفات ، ولكن عن طريق عميل كبير داخل السلطة الفلسطينية ومن الدائرة المحيطة بعرفات ، وهو ما يعني – في حالة تأكيده - تصفية الحسابات بين أنصار عرفات وهؤلاء العملاء داخل السلطة . <BR><BR>وقد جاء إعلان كتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح ) عن تغيير اسمها إلى (كتائب الشهيد ياسر عرفات) بعد ساعات من الإعلان الرسمي عن وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ليؤكد الاعتقاد بأن الرئيس الفلسطيني لم يمت ميتة طبيعية ولكن تعرض إلى تسميم متعمد خاصة وأن المستشفى الفرنسي التي كان يعالج بها عرفات لم تستطع تحديد حقيقة ما كان يعانيه الرئيس الراحل .<BR>أيضا جاء اتهام خالد مشعل رئيس الجناح السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس للكيان الصهيوني "بتسميم دم عرفات"، وعدم استبعاد وزير الأمن الداخلي السابق محمد دحلان قيام "إسرائيل" بدس السم للرئيس عرفات نظراً للحقد الذي يكنه شارون للرئيس الفلسطيني ليفتح ملفات العملاء داخل السلطة نفسها بعدما نجح الصهاينة في توظيف ألاف العملاء للكشف عن قيادات المقاومة واغتيالها والوصول إلي رئيس السلطة الفلسطينية نفسه . <BR><BR>وعزز هذا أن الأطباء الفرنسيين الذين يعالجون الرئيس الفلسطيني كانوا يكتفون فقط بإعطائه صفائح دم بديلة عن صفائح دمه التي تتكسر في محاولة لكسب الوقت بانتظار إمكانية التوصل إلى نوع السم الذي أعطي لعرفات، والمضاد المناسب الذي يجب أن يقدم لهم من الجهة المصنعة لهذا السم، وهي قطعاً إسرائيلية، فيما تواصل إسرائيل في الاتصالات السرية الجارية معها، رفض الاعتراف بمسؤوليتها عن مرض الرئيس الفلسطيني وفق مصادر فلسطينية .<BR>كما عززه تصريحات أحمد قريع رئيس وزراء السلطة التي أبدى فيها اعتقاد القيادة الفلسطينية بأن عرفات تعرض لزرق السم في جسمه ، حيث فسر تصريحه علي أنه "خطوة علنية ضاغطة على إسرائيل كي تقدم العلاج " ، وكل هذه التصريحات تفتح الطريق أمام صراع مرتقب داخل السلطة عقب دفن عرفات .<BR><BR>وفاة عرفات قد لا تكون – كما يصور الأمريكان وإسرائيل الأمر – مكسبا لهم ولا للقضية الفلسطينية ، لأنهم لن يقدموا للقضية الفلسطينية جديدا ، كما أن الفتات المعروض لن تقبل به فصائل المقاومة التي أصبحت –خصوصا حماس- أكثر مطالبة بالمشاركة في السلطة والقرارات الفلسطينية بعد وفاة الرئيس الكاريزما التاريخي للشعب الفلسطيني .<BR>ووفاته ربما تفجر الأوضاع داخل السلطة نفسها ولو بعد حين رغم التصريحات الوردية بأن الجميع علي قلب رجل واحد وأنه لا مجال للاقتتال الفلسطيني / الفلسطيني .<BR><BR><br>