الفلوجة .. الدعاية للانتخابات المقبلة
2 شوال 1425

أكثر من 300 ألف من سكان مدينة الفلوجة البالغين نحو 350 ألفاً إجمالاً اضطروا إلى النزوح عن المدينة المحاصرة منذ عدة أسابيع؛ والتي بدأ عليها العدوان الأمريكي الشامل، وتنوعت مصائرهم وسط صمت رسمي عراقي وعربي على أوضاعهم. مدينة الفلوجة أم المآذن التي استعصت على قوات الاحتلال الأمريكية منذ احتلالها العراق في إبريل 2003م، بدأت فيها مذبحة ثانية بأيدي أمريكية ومباركة من الحكومة العراقية المؤقتة التي أعلن رئيسها إياد علاوي حالة الطوارئ في جميع أنحاء العراق باستثناء كردستان العراق لمدة ستين يوماً، وذلك قبل يومين من بدء الهجوم على الفلوجة.<BR><BR>طوال سبعة أشهر دخلت قوات الاحتلال في لعبة لكسب الوقت مع الفلوجة، حيث بدا أن مخططها معد مسبقاً فتم التمهيد له بالمفاوضات الصورية بين وفد من وجهاء المدينة وأعضاء في الحكومة الدمية الذي كان من الطبيعي أن تفشل أمام التصريحات النارية التي أطلها علاوي مهدداً فيها باجتياح المدينة وتدميرها ومشجعاً فيها على قتلهم بواسطة قوات الاحتلال ضارباً بالوطنية عرض الحائط ، ومتخذاً موقفه الاستئصالي إزاء أهلها، وتشهد عليه القصف اليومي ومسلسل التدمير والترويع لكسر إرادة المدينة أو إنهاكها ، قبل اقتحامها لإسكات صوت المقاومة ، الذي يتردد بقوة في مدن أخرى، مثل: الرمادي وسامراء وبعقوبة، وكل ذلك متذرعة بتسليم أبي مصعب الزرقاوي ومخازن الأسلحة أو غيرها من الذرائع المفتعلة.<BR> <BR>مجيء الإدارة الأمريكية القديمة بتفويض شعبي جديد عزز لديها القناعة بأن ملف العراق لم يطو بعد، وأن مشروعها فيه لم يصل إلى نهاية الطريق، وأن الفرص أمام بناء عراق جديد أقرب للصيغ والمعايير الأمريكية ما زالت قائمة. ساعد على ذلك أن المقاومة الشيعية ( مجموعة الصدر) التي دخلت معركة المقاومة متأخرة، وخرجت منها مبكراً ، سويت مشاكلها عبر التفاهم والحوار الثنائي وعادت إلى حظيرة السيطرة، وهو ما أخذت تمارسه قوات الاحتلال في إطار مسلسل من عمليات تقطيع لأوصال العراق المحتل والاستفراد بكل مدينة على حدة ودخولها بتكرار ما حدث في مدينة النجف وغيرها عندما شاركت قوات عراقية قوات أمريكية في اجتياح المدينة في أغسطس 2004م.<BR><BR>ولا غرابة في تجاهل ذبح الفلوجة ، التي أصبحت الطائرات الأمريكية تدكها كل يوم ، فقد تجاهل كثيرون ذلك التقرير المخيف الذي أعلن أن القوات المحتلة قتلت 100 ألف عراقي بعد سقوط بغداد ، وهو التقرير الذي نشرته مجلة «دي لانست» الطبية في انجلترا ، وقام بإعداده على أسس علمية دقيقة فريق من الخبراء ضم ممثلين عن جامعتين أمريكيتين، هؤلاء المئة ألف قتلوا بواسطة القوات الأمريكية والبريطانية خلال 18 شهراً فقط ، بمعدل 185 شخصاً في المتوسط كل يوم ، وهو رقم مهول نسبياً ، خصوصاً أن أولئك القتلى سقطوا بعد انتهاء الحرب رسمياً.<BR><BR>وها هي الفلوجة تقف على مفترق صعب قبل نحو ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات المزمع عقدها في بداية العام القادم، تواجه عملية إعادة احتلال دامية، قصد منها توفير أجواء واهية من الهدوء النسبي في المدن العراقية المقاومة كنوع من الدعاية للانتخابات المقبلة التي تعول عليها قوات الاحتلال، غير أن القاصي والداني يعلم أن عمليات المقاومة لا تنحصر في الفلوجة فحسب، ولكن في كل أنحاء العراق، بل إن سيطرة علاوي على بغداد محدودة، ولا يكاد يخرج من المنطقة الخضراء. <BR><BR>ولا شك أن المعركة التي تدور رحاها في الفلوجة، ليست لتمهيد الطريق أمام الانتخابات التي ستجري في كانون الثاني (يناير) القادم، كما يقول (رئيس الوزراء العراقي المعين من أمريكا) إياد علاوي ، ولا لاكتساب عقول العراقيين، وإنما أصبح هناك نوع من الثأر بين قوات الاحتلال وأهل هذه المدينة الذين عانوا الأمرين بفعل المجزرة الأولى التي جرت في إبريل الماضي 2004م، وقتل فيها أكثر من 700 عراقي وجرح الآلاف من جراء العدوان والقصف الأمريكي، وقد تعاظم عامل الانتقام عند العقلية الأمريكية أمام المقاومة الباسلة في الفلوجة، والتي نجحت في منع أي جندي أمريكي من الاقتراب من المدينة على مدار سنة كاملة، وكان لهم دور ملحوظ في تنامي عدد القتلى الأمريكان في العراق، وأثبتوا بما لا يدع مجالاً للشك أنهم أقوياء وقادرون على إعاقة كل العملية السياسية.. <BR><BR>الموضوع الذي يظهر على السطح هو ما نقلته صحيفة الغارديان البريطانية، وهو عن إعادة العزة لقوات المارينز، الذين منعهم القرار السياسي من دخول المدينة في نيسان / إبريل، وتدمير المدينة المحتوم هو في النهاية انتقام، وهي الكلمة التي استخدمها علاوي عن أفراد المقاومة ، حيث حرض جنود الحرس الوطني العاملين مع المارينز علي الانتقام، وفوق كل هذا هو تركيع للمدينة، و تحقيق انتصار رمزي الذي دخلت معها بسالة المقاومة إلى الحس الشعبي.<BR><BR>ويكاد يجمع أغلب المراقبين بأن تدمير مدينة الفلوجة لن يوقف المقاومة، وإنما ستخلق مقاومين جدداً، وهي أحد دروس العدوان على مدينة سامراء التي لخصت المعادلة، فبعد شهر من العملية الكبيرة عاد رجال المقاومة فيها من جديد ليمارسوا تصديهم وإيقاع الخسائر في الأمريكان.<BR><BR>التيار السني الذي يتمركز نفوذه في مدن الفلوجة وسامراء والرمادي دخل في نفق الاستهداف وتكسير العظام، ومعركة استئصال الفلوجة، ليست إلا العملية الأولى لقهر التيار السني وإخراجه من المعادلة السياسية العراقية بشكل نهائي، بحيث تصبح قضية المحاصصة واضحة تماماً، وفق المخطط الذي تمت التسويات بناء عليه بين أمريكا والمحسوبين عليها في العراق.<BR><BR>الانتخابات التي دعت هيئة علماء المسلمين إلى مقاطعتها قد يشارك السنة فيها أو يعارضوها أو يطالبون بدور سياسي أكبر لهم في الحياة السياسية، ولكنها ستشهد مشاركة كبيرة من الأطراف الشيعية؛ لأنهم يريدون إظهار أنهم يشكلون الغالبية من العراقيين. <BR><BR>رفض سنة العراق للتعاطي مع الانتخابات قد لا يضيف تهميشاً لهم، فقد مارس الاحتلال معززا بالسلطة العراقية المؤقتة عملية التهميش ضدهم بصورة ملحوظة منذ البداية، وقد ذهبت معها هيئة علماء المسلمين للحديث عن التشكيك بهذه الانتخابات مسبقاً، وبالنتائج التي ستتمخض عنها والتي ستضيف مجلساً آخر في معادلة التعيين من الاحتلال على غرار الحكومة المؤقتة. <BR><BR><BR><br>